بكر العواذل أن رأين خصاصتي

ديوان ناصح الدين الأرجاني

بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي

يُسْرِفْنَ في عَذَلي وفي تَفْنيدي

ويُشِرْنَ بالتَّطوافِ في طَلَبِ الغِنى

ويُسِمْنَ قَطْعَ تهائمٍ ونُجود

والبحرُ لي جارٌ فلِمْ أَطْوي الفَلا

حتى أَنالَ تَيمُّماً بصَعيد

هذا وليّ الدين وابْنُ زعيمه

قصْدي له دونَ الورى وقَصيدي

فاثْنِ العِنانَ إلى رحيبِ فِنائه

من دونِ أَفنيةِ الملوكِ الصِّيد

كم طارقينَ وما طَريقُ فتىً إلى

ناديهِ يومَ نَداهُ بالمَسْدود

أَمسَوا وفوداً في ذُراه وأصبحوا

من سَيْبهِ وهمُ مُناخُ وفود

حامي الحقيقةِ قد أَوى دينُ الهدى

منه إلى رُكنٍ أَعزَّ شديد

والدولةُ الغّراءُ لائذةٌ به

في كلُ يومِ حفيظةٍ مَشْهود

يا كاسِباً شَرفَ العلاء ووارِثاً

هُنّئْتَ وَصْلَك طارفاً بتَليد

فلقد سَمْوتَ بهِمّةٍ عُلْوِيّةٍ

قطَعتْ نِياطَ الحاسِد المَكْبود

أَوسَعْت أَهل الفَضْلِ إفْضالاَ فقد

ظَفِروا بعَيشٍ من نَداك رغيد

ففَداك مَنْ بارَى عُلاك ونَقْصُه

وصْفاً لفَضْلِك ليس بالمَحْدود

ورَعاك مَنْ أَعْلَى مَحلَّك فاعتلَى

فوق النجومِ برغْمِ كلِّ حَسود

من رُكنِ مَجْدٍ شَيّدتْهُ يَدُ العُلا

بندىً وبأسٍ أَيّما تَشْييد

عَشِقَ النّدى والجُود في عَهْدِ الصِّبا

فمَلامُه في ذاك غيرُ مُفيد

وعَطاؤه شَرفٌ تَعوَّدَهُ وما

شَرفٌ سِواهُ في الفتى بحَميد

مُتناصِفُ الآدابِ يَمْشُقُ دائماً

لبياضِ قرطاسٍ سَوادَ كُبود

يَستَخْدِمُ الأسيافَ والأرماحَ وال

أَقلامَ كاستخدامِه لِعَبيد

يُمناهُ محرابٌ إليه صَلاتُها

من طاعةٍ لكَماله المَعْبود

بِيضٌ قيامٌ خلْفَ سُمْرٍ رُكَّعٍ

طعْناً ورُقشٌ بالجباهِ سُجود

لكنْ يُؤدّي السّيفُ فَرْضَ صَلاتِه

بتَمامِ أَركانٍ له وحُدود

فيقومُ في يَدِه ويَركعُ في الطُّلَى

ضَرْباً ويَسجُدُ في الصَّفا المخْدود

يا ذا الذي ما افَترَّ خُوزِستانُ عن

مِثْلٍ له يومَ النَّدى ونَديد

لي منك مولىً وابنُ مَولىً لم أَزلْ

منه أَخُصُّ بنَيْلِ كُلِّ مَزيد

ما زِلْتُ من لُبْسي لتَشْريفاتِه

مُتتابِعَ الإبلاءِ والتّجْديد

كم قِيدَ منه إليّ كلُّ مُطَهَّمٍ

نَهْدٍ كَقَصْرٍ أعتَليهِ مَشيد

من أَشقَرٍ يَبْدو كخدّ خَريدةٍ

خَجِلَتْ فما زادتْ سوى تَوْريد

أَو من كُمَيْتٍ كالكُمَيْتِ مُشارِكٍ

في لَونِه لسَمِيّهِ القِنْديد

أَوأَدْهمٍ كالليّلِ إلاّ غُرَّةً

كالصبحِ شَقّتْ جُنْحَه بعَمود

أَو أَشهبٍ كالصُّبحِ إلاَّ ناظراً

كاللّيلِ تَشْبيهاً بلا تَبْعيد

أَو أَصفرٍ في اللّونِ دينارٌ وفي

تَقْويمهِ مئةٌ بلا تعْديد

أَو آبَنوسِيِّ الجوانبِ أَبلَقٍ

في الخيلِ لا يُؤْتَى له بنَديد

كالسّيفِ في غِمْدٍ تَخرَّق يَغْتدى

لا كلّ مَسْلولٍ ولا مَغْمود

فالطَّرْفُ منه يَجولُ لاستِحسانهِ

ويحَارُ في التّصويبِ والتّصْعيد

كنتُ المخيَّر في لُهاه هكذا

من أَين قُدْتُ نَداهُ كان مَقودي

عَهْدي كذاك مضَى بجَزْلِ نَوالِه

والدّهرُ مَعْروفٌ بنَقْضِ عُهود

يَسْقي ثَراهُ كجُودِ كَفِّك يا ابنَه

غَيْثٌ عطاياهُ بلا تَصْريد

وبَقِيتَ في الدّنيا تَدومُ كذِكْرِه

فالِذّكْرُ للماضي خُلوصُ خُلود

واعذِرْ إنِ استَرسلتُ طالبَ بِغيةٍ

من حيث طالَ لمِثْلِها تَعْويدي

ولقد سَئمْتُ من المُقامِ بمَوطنٍ

مُتَطاوِلَ التَكْديرِ والتَنْكيد

ولقد حننت إلى العراق ومن به

كحنين ظمآن إليه مرود

شوقاً إلى دارِ الخلافةٍ إنّما

لَثمِي ثَراها مُنتَهى مَقْصودي

والمجلسِ الاعَلى لسلطانِ الورى

فمتى يكونُ تُرى عليه وُفودي

وكذا إلى المَولَى الوزيرِ المُرتَجى

تاجٍ عَلادينَ الإلهِ عَقيد

صَدْرٌ له الإسلام قلبٌ تَنْطوِي ال

أحشاءُ منه على التُّقَى والجود

لم يَرْمِ إلاّ رَمْيةً من رَأيهِ الدْ

دُنيا بسهْمٍ قد أصابَ سَديد

حتّى تَتابَعَتِ الفُتوحُ تَتابُعاً

من يُمْنِه ومُقامه المَحْمود

شَردَتْ جُموعُ المارِقينَ مهابةً

وأوَى إلى الأوطانِ كلُّ شَريد

أزِفَ الرّحيلُ ومِن وَداعِ أحبّتي

لم يَبْقَ إلاّ نَظْرةَ التّزويد

وعزيمتي طَيُّ الفلاةِ ومَرْكبِي

من آل أخدَر لا العتاقِ القُود

من آلِ أعوجَ ليسَ مَرْكوبي ولا

من آل أرحبَ نِسبةً والعِيد

فاخلُفْ أبَاك بقَوْدِ طِرْفٍ واغْتنِمْ

تأسيسَ مَجْدٍ تبتنيهِ جَديد

فَلَوَ انّ غيْرَك كان لم أسْتَهْدهِ

لكنْ لماءٍ قد ألِفْتُ وُرودي

وأضاءه ابنُ ذُكاءً أيضاً نُورَها

هو مِن ذُكاءَ يُعَدُّ غيرَ بَعيد

أَحكي الحَمامَ مُطَوَّقاً بنَوالِ مَن

ما خاطري لجَميلهِ بكَنود

أُثْنِي كما يَشْدو الحَمامُ مُغَرِّداً

مُتقابِلَ التّطويقِ بالتَغْريد

دُمْ للعُلا في ظِلّ أشْرفِ دَوْلَةٍ

مَوْصولةِ التأييدِ بالتَّأْييد

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات