بكرت مهينمة الصبا تغليسا

ديوان ابن النقيب

بَكَرتْ مهينمةُ الصبا تغْليسا

فوجدتُ منها للفؤاد أنيسَا

وافت فرنحت المشوقَ وبرّدَتْ

لأخي المُدامة والنديم كؤوسا

والروض قد لبست معاطف دَوْحه

سَحَراً وشاءً للربيع نفيسا

وارنّ في عذْب الأراك سواجعٌ

هيَّجْن من بُرَح الغرام رسيسا

فيهنَّ مستحرٌ يساهِمُني الهوى

أحمى بقلبِ المُسْتَهام وطيسا

طارحتُه شكوى الصبابة والجوى

وتخذته في الواديين جليسا

حتى إِذا انْتَبَه السُّقاةُ لِشَدْوهِ

وسَفَرْنَ ما بين الظِّلال شُموسا

طَرِبتْ نْدامايَ العِطاش وأطلقوا

نُوراً بأحْشاءِ الدِّنان حَبِيسا

فكأنَّما حيَّا المزاجُ بأنْجُمٍ

منها وزَفَّ لنا الزُجَاجُ عَروسا

يَسْعى بها رَشَأ إليه تَطايرَت

نَفْسُ المشوق مَعَ الزَّفير نفوسا

قد جالَ ماءُ الحُسْنِ في وجَنَاتِه

وَجَلا بصبْحِ جبينهِ الحنديسا

حيثُ المنى أمَمٌ وعيشُ أخي الهوى

بَشُّ الأسرّة ما اسْتَغارَ عبوسا

والروضُ داريّ الشميم ثنتْ له

أيدي النسيم معاطِفاً وغروسا

وحَبَتْهُ أنديةُ البُكورِ لآلِئأ

وكَسَتْهُ أزهارُ الربيعِ لَبُوسا

حاكت بهنَّ من القريضِ رسالةً

ألْقَتْ إِليَّ بودّها تأنيسا

كادَتْ تُمانِعُها رجاحةُ قَدْرها

من أن تميلَ مَعَ الصَّبا وتميسا

جُمل تلاحَمَ نَسْجُها وبَدائِعٌ

أضحى سِباق رهانها ميؤوسا

فالسّحْرُ أدْنى عنْدَ غَنْجِ لحاظها

من أنْ نُمثّلها به ونقيسا

والوشيُ من صنعاءَ أنزلُ رتبةً

من أن يكون لعطِفها ملبوسا

وشَّتْ معاطفَها قريحةُ ماهرٍ

بطرائِفٍ قد أُحْكِمَتْ تأسيسا

هو ذلك الزَّكِنُ اللبيبُ ومن غدا

دَوْحُ البيانِ بِفِكْرِه مغروسا

فلقُسُّ أدْنى مَعْ شقاشِقِ هَدْرِهِ

من أن يكونَ له بذاك جنيسا

فإِليكَ يا ربَّ الفصاحةِ غادة

قَد أخْجَلَتْ بجمالها بلقيسا

سِيقَتْ إِليكَ وقد أَتحْتَ لِمِثْلِها

مِن لفظِك الدُّرِّيّ مغناطيسا

عذراء تَرْفُلُ في حَبِيرِ مُلاءَةٍ

حَثّ الودادُ بها إِليك العيسا

فاحْلُل قراطِقها لدَيْكَ وأَوْلِها

نَظَرَ الجميل مُمَتّعاً محروسا

واسلَم ودُمْ ما زالَ رَبْعُكَ آهِلاً

ومَقرّ أُنْسِكَ بالهنا مَأْنُوسَا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن النقيب، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الدينارية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: اتَّفَقَ لي نَذْرٌ نَذَرْتُهُ في دِينَارٍ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى أَشْحَذِ رَجُلٍ بِبَغْدَادَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَدُلِلْتُ عَلى أَبِي الفَتْحَ الإِسْكَنْدَرِيِّ، فَمضَيْتُ…

تعليقات