بعمرك تدري أي شأني أعجب

ديوان البحتري

بِعَمرِكَ تَدري أَيُّ شَأنَيَّ أَعجَبُ

فَقَد أَشكَلا باديهِما وَالمُغَيَّبُ

جُنونِيَ في لَيلى وَلَيلى خَلِيَّةٌ

وَصَغوي إِلى سُعدى وَسُعدى تَجَنَّبُ

إِذا لَبِسَت كانَت جَمالَ لِباسِها

وَتَسلُبَّ لُبَّ المُجتَلي حينَ تُسلَبُ

وَسَمَّيتُها مِن خَشيَةِ الناسِ زَينَباً

وَكَم سَتَرَت حُبّاً عَلى الناسِ زَينَبُ

غَضارَةُ دُنيا شاكَلَت بِفُنونِها

مُعاقَبَةَ الدُنيا الَّتي تَتَقَلَّبُ

وَجَنَّةُ خُلدٍ عَذَّبَتنا بِدَلِّها

وَما خِلتُ أَنّا بِالجِنانِ نُعَذَّبُ

أَلا رُبَّما كَأسٍ سَقاني سُلافَها

رَهيفُ التَثَنّي واضِحُ الثَغرِ أَشنَبُ

إِذا أَخَذَت أَطرافُهُ مِن قُنوئِها

رَأَيتَ اللُجَينَ بِالمُدامَةِ يُذهَبُ

كَأَنَّ بِعَينَيهِ الَّذي جاءَ حامِلاً

بِكَفَّيهِ مِن ناجودِها حينَ يُقطَبُ

لَأَسرَعَ في عَقلي الَّذي بِتُّ مَوهِناً

أَرى مِن قَريبٍ لا الَّذي بِتُّ أَشرَبُ

لَدى رَوضَةٍ جادَ الرَبيعُ نَباتَها

بِغُرِّ الغَوادي تَستَهِلُّ وَتَسكُبُ

إِذا أَصبَحَ الحَوذانُ في جَنَباتِها

يُفَتَّحُ وُهِّمتَ الدَنانيرَ تُضرَبُ

أَجِدَّكَ إِنَّ الدَهرَ أَصبَحَ صَرفُهُ

يَجِدُّ وَإِن كُنّا مَعَ الدَهرِ نَلعَبُ

وَقَد رَدَّتِ الخَمسونَ رَدَّ صَريمَةٍ

إِلى الشَيبِ مَن وَلّى عَنِ الشَيبِ يَهرُبُ

فَقَصرُكَ إِنّي حائِمٌ فَمُرَفرِفٌ

عَلى خُلُقي أَو ذاهِبٌ حَيثُ أَذهَبُ

نَظَرتُ وَرَأسُ العَينِ مِنِّيَ مَشرِقٌ

صَوامِعُها وَالعاصِمِيَّةُ مَغرِبُ

بِقَنطَرَةِ الخابورِ هَل أَهلُ مَنبِجٍ

بِمَنبِجَ أَم بادونَ عَنها فَغُيَّبُ

وَمابَرِحَ الأَعداءُ حَتّى بَدَهتَهُم

بِظَلماءِ زَحفٍ بِيضُها تَتَلَهَّبُ

إِذا اِنبَسَطَت في الأَرضِ زادَت فُضولُها

عَلى العَينِ حَتّى العَينُ حَسرى تَذَبذَبُ

وَإِنَّ اِبنَ بِسطامٍ كَفاني اِنفِرادُهُ

مُكاثَرَةَ الأَعداءِ لَمّا تَأَلَّبوا

أَخي عِندَ جِدِّ الحادِثاتِ وَإِنَّما

أَخوكَ الَّذي يَأتي الرِضا حينَ تَغضَبُ

يُؤَمَّلُ في لينِ اللُبوسِ وَيُرتَجى

لِطولٍ وَيُخشى في السِلاحِ وَيُرهَبُ

وَما عاقَهُ أَن يَطعُنَ الخَيلَ مُقدِماً

عَلى الهَولِ فيها أَنَّهُ باتَ يَكتُبُ

تَرُدُّ السُيوفُ الماضِياتُ قَضاءَها

إِلى قَلَمٍ يومي لَها أَينَ تَضرِبُ

مُدَبِّرُ جَيشٍ ذَلَّلَ الأَرضَ شَغبُهُ

وَعَزمَتُهُ مِن ذَلِكَ الجَيشِ أَشغَبُ

إِذا الخَطبُ أَعيا أَينَ مَأخَذُهُ اِهتَدى

لِما يُتَوَخّى مِنهُ أَو يُتَنَكَّبُ

نُعَوِّلُ وَالإِجداءُ فيهِ تَباعُدٌ

عَلى سَيِّدٍ يَدنو جَداهُ وَيَقرُبُ

عَلى مَلِكٍ لا يَحجُبُ البُخلُ وَجهَهُ

عَلَينا وَمِن شَأنِ البَخيلِ التَحَجُّبُ

وَأَبيَضَ يَعلو حينَ يَرتاحُ لِلنَدى

عَلى وَجهِهِ لَونٌ مِنَ البِشرِ مُشرَبُ

تَفَرَّغُ أَخلاقُ الرِجالِ وَعِندَهُ

شَواغِلُ مِن مَجدٍ تُعَنّي وَتُنصِبُ

لَهُ هِزَّةٌ مِن أَريَحِيَّةِ جودِهِ

تَكادُ لَها الأَرضُ الجَديبَةُ تُعشِبُ

تُحَطُّ رِحالُ الراغِبينَ إِلى فَتىً

نَوافِلُهُ نَهبٌ لِمَن يَتَطَلَّبُ

إِلى غُمُرٍ في مالِهِ تَستَخِفُّهُ

صِغارُ الحُقوقِ وَهوَ عَودٌ مُجَرَّبُ

إِذا نَحنُ قُلنا وَقَّرَتهُ مُلِمَّةٌ

تَهالَكَ مُنقادُ القَرينَةِ مُصحِبُ

تَجاوَزُ غاياتِ العُقولِ مَواهِبٌ

نَكادُ لَها لَولا العِيانُ نُكَذِّبُ

جَدىً إِن أَغَرنا فيهِ كانَ غَنيمَةً

وَيَضعُفُ فيهِ الغُنمُ حينَ يُعَقَّبُ

خَلائِقُ لَو يَلقى زِيادٌ مِثالَها

إِذَن لَم يَقُل أَيُّ الرِجالِ المُهَذَّبُ

عَجِبتُ لَهُ لَم يُزهَ عُجباً بِنَفسِهِ

وَنَحنُ بِهِ نَختالُ زَهواً وَنُعجَبُ

فِداكَ أَبا العَباسِ مِن نُوَبِ الرَدى

أُناسٌ يَخيبُ الظَنُّ فيهِم وَيَكذِبُ

طَوَيتُ إِلَيكَ المُنعِمينَ وَلَم أَزَل

إِلَيكَ أُعَدّي عَنهُمُ وَأُنَكِّبُ

وَما عَدَلَت عَنكَ القَصائِدُ مَعدِلاً

وَلا تَرَكَت فَضلاً لِغَيرِكَ يُحسَبُ

نُنَظِّمُ مِنها لُؤلُؤاً في سُلوكِهِ

وَمِن عَجَبٍ تَنظيمُ ما لا يُثَقَّبُ

فَلَو شارَكَت في مَكرُماتِكَ طَيٌّ

لَوُهِّمَ قَومٌ أَنَّني أَتَعَصَّبُ

مَتى يَسأَلُ المَغرورُ بي عَن صَريمَتي

يُخَبِّرهُ عَنها غانِمٌ أَو مُخَيَّبُ

يَسُرُّ اِفتِتاني مَعشَراً وَيَسوؤُهُم

وَيَخلُدُ ما أَفتَنُّ فيهِم وَأُسهِبُ

وَلَم يُبقِ كَرُّ الدَهرِ غَيرَ عَلائِقٍ

مِنَ القَولِ تُرضي سامِعينَ وَتُغضِبُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات