بان الشباب وأمسى الشيب قد أزفا

ديوان كعب بن زهير

بانَ الشَبابُ وَأَمسى الشَيبُ قَد أَزِفا

وَلا أَرى لِشَبابٍ ذاهِبٍ خَلَفا

عادَ السَوادُ بَياضاً في مَفارِقِهِ

لا مَرحَباً هابِذا اللَونِ الَّذي رَدِفا

في كُلِّ يَومٍ أَرى مِنهُ مُبَيِّنَةً

تَكادُ تُسقِطُ مِني مُنَّةً أَسَفا

لَيتَ الشَبابَ حَليفٌ لا يُزايلُنا

بَل لَيتَهُ اِرتَدَّ مِنهُ بَعضُ ما سَلفا

ما شَرُّها بَعدَ ما إِبيَضَّت مَسائِحُها

لا الوُدَّ أَعرِفُهُ مِنها وَلا اللَطَفا

لَو أَنَّها آذَنَت بِكراً لَقُلتُ لَها

يا هيدَ مالِكِ أَو لَو آذَنَت نَصَفا

لَولا بَنوها وَقولُ الناسِ ما عُطِفَت

عَلى العِتابِ وَشرُّ الوُدِّ ما عُطِفا

فَلَن أَزالَ وَإِن جامَلتُ مُضطَّغِناً

في غَيرِ نأَرَةٍ ضَبَّا لَها شَنَفا

وَلاحِبٍ كَحَصيرِ الرامِلاتِ تَرى

مِنَ الَمَطِيِّ عَلى حافاتِهِ جِيَفا

وَالمُرذِياتِ عَلَيها الطَيرُ تَنقُرُها

إِمّا لَهيداً وَإِمّا زاحِفاً نَطِفا

قَد تَرَكَ العامِلاتُ الراسِماتُ بِهِ

مِنَ الأَحِزَّةِ في حافاتِهِ خُنُفا

يَهدي الضَلولَ ذَلولٍ غَيرِ مُعتَرِفٍ

إِذا تَكاءَدَهُ دَوِّيُهُ عَسَفا

سَمحٌ دَريرٍ إِذا ما صُوَّةٌ عَرَضَت

لهُ قَريباً لِسَهلٍ مالَ فَاِنحَرَفا

يَجتازُ فيهِ القَطا الكُدرِيُّ ضاحِيَةً

حَتّى يَؤوبَ سِمالاً قَد خَلَت خُلُفا

يَسقينَ طُلساً خَفِيّاتٍ تَراطُنُها

كَما تَراطَنُ عُجمٌ تَقرَأُ الصُحُفا

جَوانِحٌ كَالأَفاني في أَفاحِصِها

يَنظُرنَ خَلفَ رَوايا تَستَقي نُطَفا

حُمرٌ حَواصِلُها كَالمَغدِ قَد كُسِيَت

فَوقَ الحواجِبِ مِمّا سَبَّدَت شَعَفا

يَوماً قَطَعَتُ وَموماةٍ سَرَيتُ إِذا

ما ضارِبُ الدُفِّ مِن جِنّانِها عَزَفا

كَلَّفتُها حُرَّةَ اللَيتَينِ ناجِيَةً

قَصرَ العَشِيِّ تُباري أَينُقاً عُصُفا

أَبقَى التَهَجُّرُ مِنها بَعدَ ما اِبتُذِلَت

مَخيَلَةً وَهِباباً خاَلِطاً كَثَفا

تَنجو وَتَقطُر ذِفراها عَلى عُنُقٍ

كَالجِذعِ شَذَّب عَنهُ عاذِقٌ سَعَفا

كَأَنَّ رَحلي وَقَد لاَنَت عَريكَتُها

كَسَوتُهُ جَورَفاً أَقرابُهُ خَصِفا

يَجتازُ أَرضَ فَلاةٍ غَيرَ أَنَّ بِها

آثارَ جِنٍّ وَوَسماً بَينَهُم سَلَفا

تَبري لَهُ هِقلَةٌ خَرجاءُ تَحسَبُها

في الآَلِ مَخلولَةً في قَرطَفٍ شَرَفا

ظَلّا بِأَقرِيَةِ النَفّاخِ يَومَهُما

يَحتَفِرانِ أُصولَ المَغدِ وَاللَصَفا

وَالشَرى حَتّى إِذا إِخضَرَّت أُنوفُهُما

لا يَألَوانِ مِنَ التَنُّوِم ما نَقَفا

راجا يَطيرانِ مُعوَجَّينِ في سَرَعٍ

وَلا يَريعان حَتّى يَهبِطا أُنُفا

كَالحَبشيينِ خافا مِن مَليكِهِما

بَعضَ العَذابِ فَجالا بَعدَما كُتِفا

كَالخالِيَينِ إِذا ما صَوَّبا اِرتَفَعا

لا يَحقِرانِ مِنَ الخُطبانِ ما نَقِفا

فَاِغتَرَّها فَشَآها وَهِيَ غافِلَةٌ

حَتّى رَأَتهُ وَقَد أَوفى لَها شَرَفا

فَشَمَّرت عَن عَمودَي بانَةٍ ذَبَلا

كَأَنَّ ضاحِيَ قِشرٍ عَنهُما اِنقَرَفا

وَقارَبَت مِن جَناحَيها وَجُؤجُئِها

سَكّاءَ تَثني إِلَيها لَيِّناً خَصِفا

كانَت كَذِلكَ في شَأوٍ مُمَنَّعَةً

وَلو تَكلَّفَ مِنها مِثلَهُ كَلِفا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في الشعراء المخضرمون، ديوان كعب بن زهير، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات