بالكتب طرا كتاب خطه ملك

ديوان ناصح الدين الأرجاني

بالكُتْبِ طُرّاً كتابٌ خَطَّهُ مَلِكٌ

بأَنمُلٍ خُلِقتْ للجُودِ والباسِ

غدا وكاتبُه المَأْمولُ مُوصِلُه

حتّى تَضاعفَ تَشْريفي وإيناسي

قد غار من مَسِّ أيدي الرُّسْلِ لي فأَبى

بقَبسةِ الفَخرِ منه غيرَ إقباس

لم تَدرِ كَفّيَ مَاذا منه أَعبقَها

كافورُ طِرْسٍ له أو مِسْكُ أَنقاس

بل عَرْفُ عُرْفِ الّذي أَملاهُ عَطَّرنا

لا مِسْكُ نِقْسٍ ولا كافورُ أَطْراس

لمّا تَناولتُه منه وقلتُ لقد

أُتيحَ للكوكبِ العُلْويّ إلماسي

وضَعْتُ مَطويَّه إعظامَ صاحبِه

منّي على الرأْسِ فيما بينَ جُلاّسي

حتّى إذا نشَرتْه الكَفُّ لم تَرَ لي

إلاّ سُجوداً وإلاّ لَثْمَ قرطاس

كأنّني قَلَمُ المُنْشيهِ مُعتمِداً

لكُلِّ حَرفٍ قياماً لي على الرّاس

أُوتيتُه بيمينِي ثُمَّ سِيقَ إلى ال

جِنانِ طَرْفي بَرغمِ الحاسِدِ الخاسي

من بَعدِ ما طالَ من بُعْدٍ تَرقُّبُه

وأَوجَسَ القلبُ خَوفاً أَيّ إيجاس

وسَجدةُ النُّجحِ إن فَتَّشْتَ أكثرُ ما

تَجيءُ والمرءُ يَتْلو آيةَ الياس

في أَصفهانَ أَتى والخُوزُ مَقْصدُه

والدَّهرُ ضاربُ أخماسٍ لأَسداس

سَهْمٌ تَوقَّفَ حتّى جاءه هدَفٌ

يَسعَى وما بمزيدِ العِزِّ من باس

لقد تَقَدَّم قَدْري مَنْ تأَخّرَهُ

حتّى تَتناولَنيهِ أَشْرَفُ النّاس

كأسٌ دِهاقٌ لآدابٍ صُبِحْتُ بها

من كَفّ موليَ ولكنْ طَرفيَ الحاسي

تَخِذْتُه عُوذةً لي من كرامتِه

تَنْفي عنِ القلبِ منّى كُلَّ وسواس

فما رأيتُ كتاباً قبلَ رُؤْيَتِه

على تقادُمِ أَزْمانٍ وأَحْراس

ما بينَ ضَمٍّ وفَتْحٍ منه قد سَعِدَتْ

بكَ الوزراةُ إرْغاماً لأنكاس

كالجفْنِ أُطبِقَ ليلاً ثُمَّ فُتِّقَ في

صُبْحٍ أَضاءَ لأبصارٍ وأَحساس

فَفُض عن كرمٍ غَمْرٍ وعن كَلِمٍ

غُرٍّ لجُرْحِ فؤادي كُلُّها آس

وفيه بَعضُ بِضاعاتي التّي سلَفتْ

أضحَتْ إليّ وقد رُدّتْ لإفلاس

وذِكْرُ عهدٍ مضَى ما كنتُ قَطُّ له

يا أَكرَم النّاسِ لولا أنت بالنّاس

أيّامَ تُصبِحُ دَلْوي غيرَ واصلةٍ

على إطالةِ اشطاني وأَمْراسي

فاليومَ تَجديدُ نُعمَى اللهِ فيكَ لنا

أَنسَى الورَى دِرّةٌ تَمرِي بإبساس

وِزارةٌ خُتِمَتْ خَتْماً بذي كرَمٍ

لم يَعْتَلِقْ عِرضُه يوماً بأَدْناس

بصاحبٍ عادلٍ في عَقْدِ حُبْوتِه

بَحرُ العطايا وطَودُ السُّؤْدَدِ الرّاسي

رَقيقُ وَجهٍ وأَلفاظٍ لسائلهِ

والقلبُ منه على أَموالهِ قاس

سَمْحٌ على الدّينِ بالدّنيا أناملُهُ

سُحْبُ النّدى وسِواهُ الطّاعمُ الكاسي

إليك يا شرفَ الدّينِ انتهَتْ رُتَبٌ

من العُلا لم تُقَسْ يَوماً بمِقْياس

للدَّسْتِ أصبحْتَ مثلَ الرُّوحِ في جَسَدٍ

منه فعاش ومثْلَ الرّاحِ في كاس

يَرَى ويَسمَعُ مَن يَلْقاهُ من أَحدٍ

وكان من قَبْلُ جِسماً غيرَ حَسّاس

فلْيَهْنِه شَرَفٌ في جُودِه سَرَفٌ

وبأْسُه الدَّهْرَ مَوزونٌ بقِسْطاس

لا فارقَ العِزُّ غاباً أنت ساكِنُه

من ضَيْغَمٍ لطُلَى الفُرْسانِ فَرّاس

أعمارُ أعدائه في عَصْرِه قِصَراً

مِقْدارُ لَبْثِ سهامٍ فوقَ أَعجاس

قُلْ للَّذي هو في ذا العَصْرِ إن نظَروا

أكفَى كُفاةٍ لمُلْكِ الأرضِ سُوّاس

ما للوِزارةِ قد جاءَتْكَ خاطِبةً

والخاطبونَ لها من كُلِّ أجناس

العِرْسُ تُخطَبُ ما زالتْ وإن صَغُرَتْ

وجَّل بَعْلٌ غدا مخْطوبَ أَعراس

أمّا القوافي فأحياها ندَى ملكٍ

أَضحَى مُثيراً لها من تحتِ أَرماس

زمانُه كربيعٍ عاد مُستَمِعاً

نُطْقَ الطُّيورِ به من بَعْدِ إخْراس

بالصّاحبِ العادلِ المأمولِ أَمطَر لي

أُفْقي وأَثمرَ بالأغراضِ أغراسي

لا تَرقُبِي يا ركابي بعدَها سفَراً

ففي ذُراه نَفَضتُ اليومَ أَحلاسي

نَفْضَ الحُطَيئةِ لمّا حَطّ أَرحُلَه

بعدَ ابنِ بَدْرٍ إلى النّدْبِ ابنِ شَمّاس

حَقرْتُ كُلَّ الورىَ لمّا اكتحلْتُ به

والشمسُ تُغني ضُحىً عن ضَوء نِبْراس

يَا شمسُ إن شِئتِ بعدَ اليوم فانتَقِبي

فمِن مُحيّاهُ إقماري وإشماسي

ويا سحابُ كَفاني فَضلُ نائلهِ

فأمطُرْ على دِمَنٍ بالبيدِ أَدْراس

يا أَعدلَ النّاسِ حَكِّمْ في الورى نظَراً

عَدْلاً وأَحكِمْ بناءً فوقَ آساس

لا تَترُكَنّ وَليّاً ذا مُخالَصةٍ

فيهمْ لَقىً بينَ أنيابٍ وأَضراس

فاليومَ لا رافعٌ مَن أنت واضِعُه

فاذكُرْ مقالةَ عبّاسِ بنِ مِرداس

لقد نثَرتُ سهامي من كِنانتِها

أَرمِي عِداكَ وقد وَتّرْتُ أقواسي

وقد شَهرتُ لساني وهْو ذو شُطَبٍ

وقد قَصْرتُ على مَدْحِيكَ أنفاسي

فادْلُلْ على حُسْنِ رأْيٍ منك تُضمِرُه

بحُسْنِ زِيٍّ بعِطْفِ المَرء مَيّاس

ما حِليةُ السَّيفِ إلاّ حَلْيُ لابسِه

فَخْراً فما شئْتَ فالْبَسْهُ بإلْباسي

اللهُ حارسُ ما أَولاكَ من نِعَمٍ

إذا الملوكُ اتَّقَوا يَوماً بحُرّاس

مُبقيكَ في المُلْكِ ما غَنّتْ مُطوَّقةٌ

وفاخَر الرَّوضُ بين الوَرْدِ والآس

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات