بالجد لا بالمساعي يبلغ الشرف

ديوان الشريف الرضي

بِالجَدِّ لا بِالمَساعي يُبلَغُ الشَرَفُ


تَمشي الجُدودُ بِأَقوامٍ وَإِن وَقَفوا


أَعيا مِنَ الدَهرِ خُلقٌ لا دَوامَ لَهُ


البَذلُ وَالمَنعُ وَالإِنجازُ وَالخُلُفُ


واطٍ بِجَفوَتِهِ أَعقابَ خُلَّتِهِ


يَوماً وَدودٌ وَيَوماً مَلَّةٌ طَرِفُ


راحَت تَعَجَّبُ مِن شَيبٍ أَلَمَّ بِهِ


وَعاذِرٌ شَيبَهُ التَهمامُ وَالأَسَفُ


وَلا تَزالُ هُمومُ النَفسِ طارِقَةً


رُسلُ البَياضِ إِلى الفَودينِ تَختَلِفُ


إِنَّ الثَلاثينَ وَالسَبعَ اِلتَوَينَ بِهِ


عَنِ الصِبا فَهوَ مُزوَرٌّ وَمُنعَطِفُ


فَما لَهُ صَبوَةٌ يُبكى بِها طَلَلٌ


وَلا لَهُ طَربَةٌ يُعلى بِها شَرَفُ


أَينَ الَّذينَ رَمَوا قَلبي بِسَهمِهِمُ


وَلَم يُداوُوا لِيَ القِرفَ الَّذي قَرَفوا


يَشكو فِراقَهُمُ القَلبُ الَّذي جَرَحوا


مِنّي وَتَبكيهِمُ العَينُ الَّتي طَرَفوا


كَم جاءَني الخَوفُ مِمّا كُنتُ آمَنَهُ


وَكَم أَمِنتُ الَّتي قَلبي بِها يَجِفُ


قَد يَأمَنُ المَرءُ سَهماً فيهِ مَوقِعُهُ


وَقَد يَخافُ الَّذي يَنأى وَيَنحَرِفُ


لَمّا رَأَيتُ مَرامي الظَنَّ خاطِئَةً


وَدونَ ما أَرتَجي مِنكُم نَوىً قُذُفُ


صَرَفتُ نَفسِيَ عَنكُم وَهيَ غانِيَةٌ


وَالنَفسُ تُصرَفُ أَحياناً فَتَنصَرِفُ


ما هَزَّ فَرعَكُمُ يَأسٌ وَلا طَمَعٌ


وَلا مَرى دَرَّكُم لينٌ وَلا عَنَفُ


وَلا لَكُم في ثَنايا الجودِ مُطَّلَعٌ


وَلا لَكُم في ظُهورِ المَجدِ مُرتَدَفُ


يَأبى لِيَ العِزُّ وَالغَرّاءُ مِن شِيَمي


إِمساكَ حَبلِ غُرورٍ ما لَهُ طَرَفُ


هَبها ضَبابَةَ لَيلٍ أَنتَ خابِطُها


إِنَّ الظَلامَ وَإِن عَنّاكَ مُنكَشِفُ


تَنَظَّرِ الصُبحَ إِنَّ الصُبحَ مُنتَظَرٌ


وَالفَجرُ يُعرِبُ عَمّا أَعجَمَ السَدَفُ


كَأَنَّني يَومَ أَستَعطي نَوالَكُمُ


دانٍ مِنَ الصَخرَةِ الصَمّاءِ يَغتَرِفُ


وَيَومَ أَدعوكُمُ لِلخَطبِ أَحذَرُهُ


داعٍ يُبَلِّغُ مَن قَد ضَمَّهُ الجَدَفُ


ما كُنتُمُ مِن سُيوفي إِذ هَزَزتُكُمُ


هَزَّ النَوابي إِذا أَمضَيتَها تَقِفُ


يا راعِيَ الذَودِ لا أَصبَحتَ في نَفَرٍ


تَروى البِكارُ وَتَظما الجِلَّةُ الشُرُفُ


ما أَعجَبَ القِسمَةَ العَوجاءَ يَقسِمُها


الدارُ واحِدَةٌ وَالوِردُ مُختَلِفُ


لَئِن حُرِمتُ مِنَ العَلياءِ ما رُزِقوا


لَقَد جَهِلتُ مِنَ الفَحشاءِ ما عَرَفوا


لَأُرحِلَنَّ المَطايا ثُمَّ أُبرِكُها


حَيثُ اِطمَأَنَّ النَدى وَاِستَوطَنَ الشَرَفُ


كَأَنَّما في رِجالِ الرَكبِ خاطِرَةٌ


تَعانَقَ الدَوُّ وَالنَأجِيَّةُ العُصُفُ


بِدارِ أَغلَبَ ما في وَعدِهِ خُلُفٌ


لِلراغِبينَ وَلا في حُكمِهِ جَنَفُ


حَيثُ الحُقوقُ قِيامٌ في مَقاطِعِها


وَكُلُّ مَن حاكَمَ الأَيّامَ مُنتَصِفُ


راضَ الأُمورَ عَلى أولى شَبيبَتِهِ


فَالرَأيُ مُحتَنِكٌ وَالعُمرُ مُؤتَنِفُ


يُحيي المَكارِمَ أَبناءٌ لَهٌ وَرَدوا


كَما بَنى المَجدَ أَباءٌ لَهُ سَلَفوا


يا اِبنَ الأولى نَزَلوا العَلياءَ خالِيَةً


مَنازِلَ الدُرِّ يُرمى دونَهُ الصَدَفُ


المُقدِمينَ فَلا ميلٌ وَلا عُزُلٌ


وَالحامِلونَ فَلا جَورٌ وَلا ضَعَفُ


لي فيهِمُ خَلَفٌ مِن كُلِّ مُفتَقَدٍ


وَرُبَّما جازَ قَدرَ الذاهِبِ الخَلَفُ


في كُلِّ يَومٍ عَدُوٌّ أَنتَ قائِدُهُ


قَودَ الجَنيبِ لِما عَسَّفتَ مُعتَسِفُ


في السَلمِ دافِقَةٌ شُؤبوبُها خَضِلٌ


وَالرَوعِ بارِقَةٌ ذو رَعدِها قَصَفُ


فَمِن شِعابِ نَدىً أَمواهُهُ دُفَعٌ


وَمِن طِعانِ قَناً آبارُهُ خُسُفُ


تَغدو كَأَنَّكَ وَالهاماتِ طائِرَةٌ


جانٍ مِنَ الحَنظَلِ العامِيِّ يَنتَقِفُ


كَأَنَّ سَيفَكَ ضَيفُ الشَيبِ لَيسَ لَهُ


عَنِ الرُؤوسِ إِذا ما جاءَ مُنصَرَفُ


فَاِستَأنِفوا العِزَّ مُخضَرّاً زَمانُكُمُ


كَأَنَّما الدَهرُ فيكُم رَوضَةٌ أُنُفُ


وَاِبقَوا بَقاءَ الدَراري في مَطالِعِها


إِلّا البُدورَ فَإِنَّ البَدرَ يَنكَسِفُ


تَسعى البِكارُ مُعَنّاةً وَقَد مَلَكَت


أولى الجُمامِ عَلَيها الجِلَّةُ الشُرُفُ


إِذا رَأَينا قِوامَ الدينِ راكِبَها


فَلَيسَ في ظَهرِها لِلقَومِ مُرتَدَفُ


فَقُل لِمُعتَسِفٍ يَرجو لَحاقَهُمُ


لَبِّث فَقَد بَلَغوا العَليا وَما اِعتَسَفوا


لَوَ اِنَّ عَينَ أَبيكَ اليَومَ ناظِرَةٌ


تَعَجَّبَ الأَصلُ مِمّا أَثمَرَ الطَرَفُ


وَنى عَنِ السَعيِ فَاِستَرعى مَساعِيَهُ


مُدَرَّباً بِطَريقِ المَجدِ لا يَقِفُ


قَد يَسبُقُ الخَيلَ تاليها وَإِن كَثُرَت


مِنها الفَوارِطُ يَومَ الجَريِ وَالسَلَفُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات