انهض فهذا النجم في الغرب سقط

ديوان صفي الدين الحلي

اِنهَض فَهَذا النَجمُ في الغَربِ سَقَط

وَالشَيبُ في فَودِ الظَلامِ قَد وَخَط

وَالصُبحُ قَد مَدَّ إِلى نَحرِ الدُجى

يَداً بِها دُرَّ النُجومِ تَلتَقِط

وَأَلهَبَ الإِصباحُ أَذيالَ الدُجى

بِشَمعَةٍ مِنَ الشُعاعِ لَم تُقَط

وَضَجَّتِ الأَوراقُ في أَوراقِها

لَمّا رَأَت سَيفَ الصَباحِ مُختَرَط

وَقامَ مِن فَوقِ الجِدارِ هاتِفٌ

مُتَوَّجُ الهامَةِ ذي فَرعٍ قَطَط

يُخَبِّرُ الراقِدَ أَنَّ نَومَهُ

عِندَ اِنتِباهِ جَدِّهِ مِنَ الغَلَط

وَالبَدرُ قَد صارَ هِلالاً ناحِلاً

في آخِرِ الشَهرِ وَبِالصُبحِ اِختَلَط

كَأَنَّهُ قَوسُ لُجَينٍ موتَر

وَاللَيلُ زِنجيٌّ عَليهِ قَد ضَبَط

وَفي يَديهِ لِلثُرَيّا نَدَبٌ

يَزيدُ فَرداً واحِداً عَنِ النَمَط

فَأَيُّ عُذرٍ لِلرُماةِ وَالدُجى

قَد عُدَّ في سِلكِ الرُماةِ وَاِنخَرَط

أَما تَرى الغَيمَ الجَديدَ مُقبِلاً

قَد مَدَّ في الأُفُقِ رِداهُ فَاِنبَسَط

كَأَنَّ أَيدي الزُنجِ في تَلفيقِهِ

قَد لَبَّدَت قُطناً عَلى ثَوبٍ شَمَط

يَلمَعُ ضَوءُ البَرقِ في حافاتِهِ

كَأَنَّ في الجَوِّ صِفاحاً تُختَرَط

وَأَظهَرَ الخَريفُ مِن أَزهارِهِ

أَضعافَ ما أَخفى الرَبيعُ إِذ شَحَط

وَلانَ عِطفُ الريحِ في هُبوبِها

وَالطَلُّ مِن بَعدِ الهَجيرِ قَد سَقَط

وَالشَمسُ في الميزانِ مَوزونٍ بِها

قِسطُ النَهارِ بَعدَ ما كانَ قَسَط

وَأَرسَلَت جِبالُ دَربِندَ لَنا

رُسلاً صَبا القَلبُ إِلَيها وَاِنبَسَط

مِنَ الكَراكي الحُزَرِيّاتِ الَّتي

تَقدَمُ وَالبَعضُ بِبَعضٍ مُرتَبِط

كَأَنَّها إِذ تابَعَت صَفوفَها

رَكائِبٌ عَنها الرِحالُ لَم تُحَطّ

إِذا قَفاها سَمعُ ذي صَبابَةٍ

مِثلي تَقاضاهُ الغَرامُ وَنَشَط

فَقُم بِنا نَرفُلُ في ثَوبِ الصِبى

إِنَّ الرِضى بِتَركِهِ عَينُ السَخَط

وَاِلتَقِطِ اللَذَّةَ حَيثُ أَمكَنَت

فَإِنَّما اللَذّاتُ في الدَهرِ لُقَط

إِنَّ الشَبابَ زائِرٌ مُوَدِّعٌ

لا يُستَطاعُ رَدُّهُ إِذا فَرَط

أَما تَرى الكَرَكِيَّ في الجَوِّ وَقَد

نَغَّمَ في أُفقِ السَماءِ وَلَغَط

أَنساهُ حُبُّ دِجلَةٍ وَطيبُها

مَواطِناً قَد زُقَّ فيها وَلَقَط

فَجاءَ يُهدي نَفسَهُ وَما دَرى

أَنَّ الرَدى قَرينُهُ حَيثُ سَقَط

فَابرِز قِسِيّاً مِن كَمَندِ أَتاتِها

إِنَّ الجِيادَ لِلحُروبِ تُرتَبَط

مِن كُلِّ سَبطٍ مِن هَدايا واسِطٍ

جَعدِ البَلاغِ مِنهُ في الكَعبِ نُقَط

أَصلَحَهُ صالِحٌ بِاِجتِهادِهِ

فَكُلُّ ذي لُبٍّ لَهُ فيهِ غِبَط

وَما أَضاعَ الحَزمَ عِندَ عَزمِها

بَل جاوَزَ القَيظَ وَلِلفَصلِ ضَبَط

حَتّى إِذا حَرُّ حُزَيرانَ خَبا

وَتَمَّ تَمّوزٌ وَآبٌ وَشَحَط

وَجاءَ أَيلولٌ بِحَرٍّ فاتِرٍ

في نُضجِ تَعديلِ الثِمارِ ما فَرَط

أَبرَزَ ما أَحرَزَ مِن آلاتِهِ

وَحَلَّ مِن ذاكَ المَتاعَ ما رَبَط

وَمَدَّ لِلصَنعَةِ كَفّاً أَوحَداً

وَظَلَّ يَستَقري بَلاغَ عودِها

فَنَبَّرَ الأَطرافَ وَاِختارَ الوَسَط

وُجَوَّدَ التَدفيقَ في لِهحامِها

فَأَسقَطَ الكِرشاتِ مِنها وَالسَقَط

وَلَم يَزَل يُبلِغُها مَراتِباً

تَلزَمُ في صَنعَتِهِ وَتُشتَرَط

فَعِندَما أَفضَت إِلى تَطهيرِها

صَحَّحَ داراتِ البُيوتِ وَالنِقَط

حَتّى إِذا قَمَّصَها بِدُهنِها

جاءَت مِنَ الصِحَّةِ في أَحلى نَمَط

كَأَنَّها النُواناتُ في تَعريقِها

يُعرُجُ مِنها بُندُقٌ مِثلُ النَقَط

مِثلَ السُيورِ في يَدِ الرامي فَلو

شاءَ طَواها وَحَواها في سَفَط

لَو يَقذِفُ اليَمَّ بِها مالِكُها

ما اِنتَفَضَ العودُ وَلا الزَورُ اِنكَشَط

كَأَنَّما بِندُقُها تَنازَلا

أَو مِن يَدِ الرامي إِلى الطَيرِ خِطَط

مِن كُلِّ مَحنيِّ البُيوتِ مُدمَجٍ

ما أَخطَأَ الباري بِهِ وَلا فَرَط

كَأَنَّهُ لامٌ عَليهِ أَلفٌ

وَقالَ قَومٌ إِنَّها اللامُ فَقَط

فَاَجلِ قَذى عُيونِنا بِبَرزَةٍ

تَنفي عَنِ القَلبِ الهُمومَ وَالقَنَط

فَما رَأَت مِن بَعدِ هورِ بابِلٍ

وَمائِهِ التَيّارِ عَيشاً مُغتَبِط

وَنَحنُ في مُروجِهِ في نَشوَةٍ

عِندَ التَحَرّي في الوُقوفِ لِلخِطَط

مِن كُلِّ مَقبولِ المَقالِ صادِقٍ

قَد قَبَضَ القَوسَ وَلِلنَفسِ بَسَط

يُقدِمُنا فيها قَديمٌ حاذِقٌ

لا كَسَلٌ يَشينُهُ وَلا قَنَط

يُحكُمُ فينا حُكمَ داوُدَ فَلا

يَنظُرُ مِنّا خارِجاً عَمّا شَرَط

لا يَشتَكي الأَسباقَ مِن جَفَّتِهِ

وَلَم يَكُن مِثلَ القِرِلّى في النَمَط

إِذا رَأى الشَرَّ تَعَلّى وَإِذا

لاحَ لَهُ الخَيرُ تَدَلّى وَاِنخَبَط

ما نَغَمَ المِزهَرُ وَالدُفُّ إِذا

فَصَّلَ أَدوارَ الضُروبِ وَضَبَط

أَطيَبُ مِن تَدفدُفِ التَمِّ إِذا

دَقَّ عَلى القَبضِ الجَناحَ وَخَبَط

وَالطَيرُ شَتّى في نَواحيهِ فَذا

قَد اِكتَسى الرَيشَ وَهَذا قَد شَمَط

وَذاكَ يَرعى في شَواطيهِ وَذا

عَلى الرَوابي قَد تَحَصّى وَلَقَط

فَمِن جَليلٍ واجِبٍ تَعدادُهُ

وَمِن مَراعٍ عَدُّها لا يُشتَرَط

يَعرُجُ مِنّا نَحوَها بَنادِقٌ

لَم يَنجُ مِنها مَن تَعَلّى وَاِختَبَط

فَمِن كَسيرٍ في العُبابِ عائِمٍ

وَمِن ذَبيحٍ بِالدِماءِ يَغتَبِط

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات