اليوم قد حكم الهوى بالمعدله

ديوان البوصيري

اليَوْمَ قد حَكَمَ الهَوَى بالمَعْدَلَهْ

وأَراحَ قَلْبِي مِنْ مُكابَدَةِ الوَلَهْ

وتَبَدَّلَتْ مِنِّي الصَّبابَةُ سَلْوَةً

صِينَتْ بها عَبَراتِي المُتَبَذَّلَهْ

مالي وَلِلعُشَّاقِ أَتْبَعُ منهمُ

أُمَماً تَضِلُّ عَنِ الرشادِ مُضَلَّلَهْ

مِنْ كلِّ مَنْ يَشْكُو جِنايَةَ نَفْسِهِ

وَيَرُومُ مِنْ أَحْبَابِهِ ما ليسَ لَهْ

إني امْرُؤٌ أُعْطَى السُّلُوَّ قيادَهُ

وَأًراحَ مِنْ تَعَبِ المَلامَةِ عُذَّلَهْ

وَدَعَا جميلَ ابنِ الزُّبَيْرِ مَدِيحَهُ

فأَطَاعُهُ وعَصَى الهَوَى وتَغَزُّلَهْ

مَوْلَىً عَرَفْتُ بِجاهِهِ وبمالِهِ

عِزَّ الغِنَى وجَهِلْتُ ذُلَّ المَسْأَلَهْ

وأَتَمَّ حَظِّي بَعْدَ نُقْصانٍ فَكَمْ

مِنْ عَائِدٍ لِي من نَدَاهُ ومِنْ صِلَهْ

وَجَبَتْ عليَّ لهُ حُقُوقٌ لَمْ

أَقُمْ منها بماضِيَةٍ ولا مُسْتَقْبِلَهْ

لا أَسْتَطِيعُ جُحُودَها وشُهُودُها

عِنْدِي بما أَوْلَتْ يَداه مُعَدَّلَهْ

ما طالَ صَمْتُ مَدائِحِي عَنْ مَجْدِهِ

إِلاَّ لأَنَّ صِلاتِهِ مُسْتَرْسِلَهْ

فمتى هَمَمْتُ بشُكْرٍ سالفِ نِعْمَةٍ

أَلْفَيْتُ سالِفَتي بأُخْرَى مُثْقَلَهْ

مَنْ مِثْلُ زَيْنِ الدِّيِنِ يَعْقُوبَ الذي

أَضْحَتْ بِهِ رَتَبُ الفَخَارِ مُؤَثَّلَهْ

عَمَّ الخَلائِقَ جُودُهُ فكأَنَّما

يَدُهُ بأَرْزاقِ الوَرَى مُتَكَفَّلَهْ

حَكَمَتْ أَنامِلُها لهُ بالرَّفْعِ مِنْ

أفعالِهِ الحُسْنَى بِخَمْسَةِ أمْثِلَهْ

وأَحَلَّهُ الشَّرَفَ الرَّفِيعَ ذَكاؤُهُ

فرَأَيْتُ منهُ عطارِداً في السُّنْبُلَهْ

سَلْ عنه وَاسْأَلْ عَنْ أبيهِ وجَدِّهِ

تَسْمَعْ أحاديثَ الكرامِ مُسَلْسَلَهْ

إنْ صالَ كانَ اللَّيْثُ منهُ شَعْرَةً

أَوْ جادَ كانَ البحْرُ منه أُنْمُلَهْ

كَمْ أَظْهَرَتْ أَقْلامُهُ مِنْ مُعْجِزٍ

لِلطَّرْسِ لَمَّا أنْ رَأَتْهُ مُرْسَلَهْ

مَلأَتْ بإمْلاَءِ الخواطِرِ كُتْبَهُ

حِكَماً عَلَى وفْقِ الصَّوابِ مُنَزَّلَهْ

وَبَدَتْ فَواصِلُهُ خِلالَ سُطُورِها

تُهْدِي لِقَارِئِها العُقودَ مُفَصَّلَهْ

ما صانَها نَقْصُ الكمال وَلَمْ تَفْتْ

في الحُسْنِ بَسْمَلَةُ الكِتابِ الحَمْدْلَهْ

قد أَغْنَتِ الفَقَراءَ وافْتَقَرَتْ لَهمْ

هِمَمُ الملوكِ فما تَزالَ مُؤَمِّلَهْ

مِنْ مَعْشَرٍ شَرَعُوا المَكارِمَ والعُلَى

وتَبَوَّءُوا مِنْ كلِّ مَجْدٍ أَوَّلَهْ

آلُ الزُّبَيْرِ المَرْتَجَى إِسْعَادُهُم

في كُلِّ نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمُعْضِلَهْ

المكْثِرُونَ طَعَامَهُم وَطِعَانُهُمْ

يَوْمَ النَّزالِ وَفي السِّنِينَ المَمْحِلَهْ

قَوْمٌ لِكُلِّهِمُ عَلَى كُلِّ الوَرَى

أَبَداً يَدٌ مَرْهُوبَةٌ ومَنَوَّلَهْ

إنْ يُسْأَلوا كَرَماً وَعِلْماً أُعْجَزُوا

بِبَدِيعِ أَجْوِبَةِ لتلكَ الأَسْئِلَهْ

أنِفُوا ذُنُوباً ودَّ كلُّ مُقَبَّلٍ

لو أنها حسناتُهُ المتَقَبَلَهْ

لولا مَناقِبُكُمْ لَكانت هذه الدُّ

نيا مِنَ الذِّكْرِ الجَميلِ مُعَطَّلَهْ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البوصيري، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات