قصيدة الجوديّ 

لستَ احتمالاً ولا نَسْياً ولستُ سُدى

أنا وأنتَ دمٌ يستعمرُ الجسَدا

وموقِنانِ بأنّ الأرضَ من خشَبٍ

إنْ لم تكنْ أنتَ فيها أو أكنْ بلدا

وأنّ ما كان ممّا كانَ من دمنا

يا أنتَ يومَ التقى الجمعانِ محضُ هُدى

وأنّنا لم نكنْ يوماً هُواةَ دمٍ

لكنْ هويناهُ حتّى لا يضيعَ سُدى

كنّا معاً حين كان الغارُ يجمعُنا

وقُلتَ لا يحزنُ القلبُ الذي اعتقدا

زمّلتُهُ بيقينِ الأنبياءِ إلى

أنْ ضمّهُ الماءُ بعدَ الماءِ فابتَردا

وكانَ في الغارِ ميلادٌ لأسئلةٍ

وكانتِ السّاعةُ المُثلى لأنْ نَفِدا

في ذروةِ الجبلِ الفضِّيِّ قال لقد

آنَ الصَّباحُ لقلبَيْنا فغِمتُ نَدى

في الجنّةِ البِكرِ لي تفّاحةٌ ولها

لو أنّها نسيتني لم أعِشْ أبدا

ولا حملتُ لهذا الكونِ أو حملَتْ

قلوبُنا الحُبَّ والتّفّاحَ والبرَدا

جئنا فعُلِّمَتِ الأشجارُ لوعتّنا

وغنّتِ الطيرُ إلّا واحداً مرَدا

لأنّني أنا لم يسجدْ ولم أرهُ

في السّاجدينَ وطيني ضاءَ واتّقدا

مذ فار تنّورُ هذا الكونِ قُمتُ إلى

بحري أشدُّ عليهِ اللّوحَ والوتدا

في ساعةِ البَدءِ كانَ البحرُ ملتطماً

ناديتُه يا بُنيَّ اركبْ فما رشَدا

لا يعصمُ الجبلُ الجوديُّ وافِدَهُ

ما لم يكنْ بحبالِ اللهِ معتضِدا

إنّي أنا البحرُ والطّوفانُ مَن ركِبوا

سيولَدون غداً أو يكبرون غدا

سيزرعونَ بأرضِ الشامِ غيمتَهم

ويقرؤونَ وجوهَ السّادةِ الشُّهدا

ويقرؤون: هنا كانوا هنا هتَفوا

هنا أُريقوا دماً كي يُزهِروا بردى

لا شيءَ يُشبِهُ موتاً باذخاً قلِقاً

لا شيءَ يُقلِقُ طاغوتاً كأنْ تَلِدا

هذي السّلاسلُ لم يُضرَبْ لها زرَدٌ

لو كانَ في الأرضِ من لا يقبلُ الزّرَدا

واللهِ ما حُمِدَ المولى بمثلِ دمٍ

يُراقُ حتى تُرى حُرّاً ولا عُبِدا

لا أكتبُ الشِّعرَ إنّ الشِّعرَ يكتبُني

فحينَ تقرأ شعري تقرأ الكبِدا

أنا الموزَّعُ في اوجاعِ خارطةٍ

تمتدُّ حتى إلى أن لا يظلِّ مدى

هناك عند حدودِ الصّينِ أزرعُني

قمحاً ليأكلَني في الغربِ مَن فقَدا

قلبي مشاعٌ لكلِّ النّازلينَ بهِ

كأنّه والدُ الدّنيا وما وُلِدا

لو أنّ شاةً بأقصى الأرض قد عثرَتْ

سُئلتُ عنها وذابتْ أضلُعي كمّدا

ومنذ قدّمتُ للرّحمنِ سنبلةً

جعلتُ روحي لكلّ الطّاعمينَ فِدى

فإن مددتَ يداً نحوي لتقتلني

كففتُ عنكَ لنحيا سالِمَينِ يَدا

قسّمتُ قلبي على مليارِ مئذنةٍ

فحيثما أذّنت أجزاؤهُ سجدا

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات