اصبر النفس عند كل ملم

ديوان أمية بن أبي الصلت

اِصبِرِ النَفسَّ عِندَ كُلِّ مُلِمٍّ

إِنَّ في الصَبرِ حيلَةَ المُحتالِ

لا تَضيقَنَّ بِالأُمورِ فَقَد

يُكشَفُ غَمّاؤُها بِغَيرِ اِحتيالِ

رُبَّما تَجزَعُ النُفوسُ مِنَ

الأَمرِ لَهُ فَرجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ

سَمِعَ اللَهُ لِاِبنِ آدَمَ نوحٍ

رَبُّنا ذو الجَلالِ وَالإِفضالِ

حينَ أوفى بِذي الحَمامَةِ

وَالناسُ جَميعاً في فُلكِهِ كَالعِيالِ

فَهيَ تَجري فيهِ وَتَجتَسِرُ

البَحرَ بِأَقلاعِها كَقِدحِ المُغالي

حابِساً جَوفَهُ عَلَيهِ رَسولاً

مِن خِفافِ الحَمامِ كَالتِمثالُ

فَرَشاها عَلى الرِسالَةِ طوقاً

وَخِضاباً عَلامَةً غَيرَ بالي

فَأَتَتهُ بِالصِدقِ لَمّا رَشاها

وَبِقَطفٍ لَمّا غَدا عِثكالِ

تَصرُخُ الطَيرُ وَالبَريَةُ فيها

مَعَ قَويِّ السِباعِ وَالأَفيالِ

حينَ فيها مِن كُلِّ ما عاشَ

زَوجٌ بينَ ظَهَريِّ غَوارِبٍ كَالجِبالِ

وَلِإِبراهيمَ الموَّفي بِنَذرٍ

اِحتِساباً وَحامِلَ الأَجزالِ

بِكرَهُ لَم يَكُن ليَصبِرَ عَنهُ

لَو رآهُ في مَعشَرٍ اَقتالِ

أَبُنَيَّ إِنّي نَذَرتُكَ لِلَّهِ شَحيطاً

فَاِصبِر فِدىً لَكَ حالي

أَجابَ الغُلامُ أَن قالَ فيهِ

كُلُّ شَيٍ لِلَّهِ غَيرُ اِنتِحالِ

أَبُتي إِنَّني جَزَيتُكَ بِالَّلهِ تَقيّاً

بِهِ عَلى كُلِ حالِ

فَاِقضِ ما قَد نَذَرتَ لِلَّهِ وَاَكفُف

عَن دَمي أَن يَمَسُّهُ سِربالي

وَاِشدُد الصَفدَ لا أَحيدَ عَن

السِكّينِ حَيدَ الأَسيرِ ذي الأَغلالِ

إِنَّني آلَمُ المَحَزَّ وَإِنّي

لا أَمَسُّ الأَذقانَ ذاتَ السِبالِ

وَلَهُ مُديَةٌ تُخايَلُ في اللَحمِ

حَذامٌ حَنِيَّةٌ كالهِلالِ

جَعَلَ اللَهُ جيدَهُ مِن نُحاسٍ

إِذ رَآهُ زَولاً مِنَ الأَزوالِ

بَينَما يَخلَعُ السَرابيلَ عَنهُ

فَكَّهُ رَبُّهُ بِكَبشٍ جُلالِ

قالَ خُذهُ وَأَرسِل اِبنَكَ

إِنّي لِلَّذي قَد فَعَلتُما غَيرُ قالِ

والِدٌ يَتَّقي وَآخَرُ مَولودٍ

فَطارا مِنهُ يَسمَعَ فِعالِ

حَيِّ داودَ وَاِبنَ عادٍ وَموسى

وَفُرَيعٌ بُنيانُهُ بِالثِقالِ

إِنَّني زارِدٌ الحَديدِ الحعَلى الناسِ

دُروعاً سَوابِغَ الأَذيالِ

لا أَرى مَن يُعينَني في حَياتي

غَيرَ نَفسي إلاّ بَني اِسرَلِ

أَيُّما شاطِنٌ عَصاهُ عَكاهُ

ثُمَّ يُلقى في السِجنِ وَالأَغلالِ

وَلَهُ الدينُ واصِباً وَلَهُ المُلكُ

وَحَمدٌ لَهُ عَلى كُلِّ حالِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في الشعراء المخضرمون، ديوان أمية بن أبي الصلت، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات