إن الظباء غداة سفح محجر

ديوان البحتري

إِنَّ الظِباءَ غَداةَ سَفحِ مُحَجَّرِ

هَيَّجنَ حَرَّ جَوىً وَفَرطَ تَذَكُّرِ

مِن كُلِّ ساجي الطَرفِ أَغيَدَ أَجيَدٍ

وَمُهَفهَفِ الكَشحَينِ أَحوى أَحوَرِ

أَقبَلنَ بَينَ أَوانِسٍ مالَ الصِبا

بِقُلوبِهِنَّ وَبَينَ حورٍ نُفَّرِ

فَبَعَثنَ وَجداً لِلخَلِيِّ وَزِدنَ في

بُرَحاءَ وَجدِ العاشِقِ المُستَهتِرِ

لِلحُبِّ عَهدٌ في فُؤادي لَم يَهِن

مِنهُ السُلُوُّ وَذِمَّةٌ لَم تُخفَرِ

لا أَبتَغي أَبَداً بِسَلمى خُلَّةً

فَلتَقتَرِب بِالوَصلِ أَو فَلتَهجُرِ

قَد تَمَّ حُسنُ الجَعفَريِّ وَلَم يَكُن

لِيَتِمَّ إِلّا بِالخَليفَةِ جَعفَرِ

مَلِكٌ تَبَوَّأَ خَيرَ دارِ إِقامَةٍ

في خَيرِ مَبداً لِلأَنامِ وَمَحضَرِ

في رَأسِ مُشرِفَةٍ حَصاها لُؤلُؤٌ

وَتُرابُها مِسكٌ يُشابُ بِعَنبَرِ

مُخضَرَّةٌ وَالغَيثُ لَيسَ بِساكِبٍ

وَمُضيأَةٌ وَاللَيلُ لَيسَ بِمُقمِرِ

ظَهَرَت بِمُنخَرِقِ الشَمالِ وَجاوَرَت

ظُلَلَ الغَمامِ الصَيِّبِ المُستَعزِزِ

تَقريرُ لُطفِكَ وَاختِيارُكَ أَغنَيا

عَن كُلِّ مُختارٍ لَها وَمُقَدَّرِ

وَسَخاءُ نَفسِكَ بِالَّذي بَخِلَت بِهِ

أَيدي المُلوكِ مِنَ التِلادِ الأَوفَرِ

وَعُلُوِّ هِمَّتِكَ الَّتي دَلَّت عَلى

صِغَرِ الكَبيرِ وَقِلَّةِ المُستَكثَرِ

فَرَفَعتَ بُنياناً كَأَنَّ زُهاءَهُ

أَعلامُ رَضوى أَو شَواهِقُ صَنبَرِ

أَزرى عَلى هِمَمِ المُلوكِ وَغَضَّ مِن

بُنيانَ كِسرى في الزَمانِ قَيصَرِ

عالٍ عَلى لَحظِ العُيونِ كَأَنَّما

يَنظُرنَ مِنهُ إِلى بَياضِ المُشتَري

بانيهِ باني المَكرُماتِ وَرَبُّهُ

رَبُّ الأَخاشِبِ وَالصَفا وَالمَشعَرِ

مَلَأَت جَوانِبُهُ الفَضاءَ وَعانَقَت

شُرُفاتُهُ قِطَعَ السَحابِ المُمطِرِ

وَتَسيرُ دِجلَةُ تَحتَهُ فَفَناؤُهُ

مِن لِجَّةٍ غَمرٍ وَرَوضٍ أَخضَرِ

شَجَرٌ تُلاعِبُهُ الرِياحُ فَتَنثَني

أَعطافُهُ في سائِحٍ مُتَفَجِّرِ

فَاِسلَم أَميرَ المُؤمِنينَ مُسَربَلاً

سِربالَ مَنصورِ اليَدَينِ مُظَفَّرِ

وَاِستَأنِفِ العُمُرَ الجَديدَ بِبَهجَةِ ال

قَصرِ الجَديدِ وَحُسنِهِ المُتَخَيَّرِ

أَعطَيتَهُ مَحضَ الهَوى وَخَصَصتَهُ

بِصَفاءِ وُدٍّ مِنكَ غَيرِ مُكَدَّرِ

اللَهُ أَعطاكَ المَحَبَّةَ في الوَرى

وَحَباكَ بِالفَضلِ الَّذي لَم يُنكَرِ

وَاِسمٍ شَقَقتَ لَهُ مِنِ اِسمِكَ فَاِكتَسى

شَرَفَ العُلُوِّ بِهِ وَفَضلَ المَفخَرِ

خَفَتَ الغُبارُ وَقَد عَلَوتَ تُريدُهُ

وَسَرى الغَمامُ بِوابِلٍ مُثعَنجِرِ

وَتَحَلَّتِ الدُنيا بِأَحسَنِ حَليِها

وَغَدَت بِوَجهٍ ضاحِكٍ مُستَبشِرِ

قَد جِئتَهُ فَنَزَلتَ أَيمَنَ مَنزِلٍ

وَرَأَيتَهُ فَرَأَيتَ أَحسَنَ مَنظَرِ

فَاِعمُرهُ بِالعُمرِ الطَويلِ وَنِعمَةَ

تَبقى بَشاشَتُها بَقاءَ الأَعصُرِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات