إن أحبابنا وهم سادة الحي

ديوان عبد الغني النابلسي

إن أحبابنا وهم سادةُ الحَيْ

هجروا بعد وصلهم مغرماً عَيْ

وعلى البعد مذ لوى ركبَهم لَيّْ

لمعت نارُهم وقد عسعسَ اللَيْ

لُ ومَلَّ الحادي وتاه الدليلُ

هيَّ بي يا محبهم نحوهم هيّْ

لا تموِّهْ بزينبٍ لا ولا ميْ

نارهم في الحشى بدت وكوت كيْ

فتأملتها وفكري من البيْ

ن عليلٌ ولحظُ عيني كليلُ

جن عقلي بهم إذا الليل جنّا

والحشى كلما تذكر حنّا

ليت شعري كيف السلوُّ وأنَّى

وفؤادي هو الفؤاد المعنَّى

وغرامي ذاك الغرام الدخيل

لذَّ لي في هوى المليحة سلبي

وكشفت الحجاب عن عين قلبي

لا تلمني قضيت يا صاح نحبي

ثم قابلتها وقلت لصحبي

هذه النار نار ليلى فميلوا

أنا من أجلها أحب المليحا

وفؤادي يهوى القوام الرجيحا

ضج قومي وحاولوا الترجيحا

فرموا نحوها لحاظاً صحيحا

ت فعادت خواسئاً وهي حول

ليتهم أقصروا بها ما استطالوا

وبأيمانهم على القرب آلوا

قصدوها فخابت الآمال

ثم مالوا إلى الملام وقالوا

خلَّبٌ ما رأيت أم تخييل

هل أتدري وعلم حالي لديها

ويح أهل الملام لا موا عليها

ثم لي موَّهوا بها تمويها

فتجنبتهم وملت إليها

والهوى مركبي وشوقي الزميل

صار ختمي في حب علوة بدءا

وتقربت مسمعاً بل ومرأى

ثم إني دنوت والغير ينأى

ومعي صاحبٌ أتى يقتفي الآ

ثار والحب شرطه التطفيل

قد شربنا في حبها خمرة الدنّْ

وعلينا الساقي المليح بها منّْ

ثم جئنا والقلب من شوقه حنّْ

وهي تعلو ونحن ندنو إلى أنْ

حجزت بينها طلولٌ حلول

منية القلب بالجمال تعالت

وإليها ملنا نهيم فمالت

وقصدنا طلولها حين طالت

فدنونا من الطلول فحالت

زفزاتٌ من دونها وغليل

قد تناءت ديارها وطريحُ

أنا والجفن بالدموع قريحُ

ثم مذ جئت والغرام صحيحُ

قلت من بالديار قالوا جريحُ

وأسير مكبَّلٌ وقتيل

دار سلمى ما دار فيها كثيفُ

قطُّ إلا وناله تلطيفُ

قيل لي حين جئتها يا شريفُ

ما الذي جيتَ تبتغي قلت ضيفُ

جاء يبغي القرى فأين النزول

يا لسلمى تُعز قوماً وتحقرْ

وأسير الهوى يرى الحر في القرْ

جئتها والفنا من الغير مفقرْ

فأشارت بالرحب دونك فاعقرْ

ها فما عندنا لضيف رحيل

حبنا العز والعلى من لدنْهُ

والكمالات والمفاخر منْهُ

لا ترمنا فما لما رمت كنْهُ

من أتانا ألقى عصا السير عنْهُ

قلت من لي بها وأين السبيل

حثَّنا الشوقُ في مهامه لومٍ

لديار الهوى وبهجة يومٍ

ثم سرنا نزيل آثار نومٍ

فحططنا إلى منازل قومٍ

صرعتهم قبل المذاق الشمول

لفؤادي في الحب أوفر قسمِ

والهوى قد هوى بروح وجسمِ

ونداماي ليس منهم سوى اسمِ

درس الوجدُ منهمو كلَّ رسمِ

فهو رسم والقوم فيه حلول

هو قلبي عن الهوى ليس ينفكّْ

فاقطع اللوم صاح من حيثما رَكّْ

إنما القوم طودهم بالهوى أندكّْ

منهمو من عفا ولم يَبقَ للشكْ

وى ولا للدموع منه مقيل

منزل الغانيات إياك منْهُ

فهو للسلب في المحبة كنْهُ

ولكم عاشق عهدت لدنْهُ

ليس إلا الأنفاس تخبر عنْهُ

وهو منها مبرَّأٌ معزول

ركن أهل الملام من صبوتي ارتَجّْ

وأخلاي في الهوى صبرُهم عجّْ

فترى منهم الطريح وقد لجّْ

ومن القوم من يشير إلى وجْ

دٍ تبقَّى عليه منه القليل

أنا أهوى نواظراً وقواما

ذاك رمحاً أرى وتلك سهاما

ولأهل الهوى غدوتُ إماما

ولكلٍّ رأيت منه مقاما

شرحه في الكتاب مما يطول

اتركو اللوم يا عواذلُ وَيكمْ

وامنحوني يا سادتي ما لديكمْ

أنا أرسلت بالكتاب إليكمْ

قلت أهل الهوى سلامٌ عليكمْ

لي فؤاد بحبكم مشغول

عَرْفُ ليلى من النسائم أشتمّْ

وفؤادي بزائد الحب يهتمّْ

لي ضلوع من كثرة الشوقِ في غمّْ

وجفون قد قرحتها من الدمْ

ع حثيثاً إلى لقاكم سيول

ليس في الحق يا ابن ودِّيَ جحدُ

وجدك اسلَمْ به وهل لك وجدُ

يا كراماً لضدهم ضمَّ لحدُ

لم يزل حادثٌ من الشوق يحدو

ني إليكم والحادثات تحول

سال دمعي دماً من الماء أميَعْ

وحديثي من كل ما شاع أشيَعْ

ضعت والود بين قومي أضيَعْ

واعتذاري ذنب فهل عند من يَعْ

لَمُ عذري في ترك عذري قبول

إن ذاك الحمى وذاك المكانا

خطفتني بروقُهُ لمعانا

يا رعاة الحمى أماناً أمانا

جئتُ كي أصطلي فهل لي إلى نا

رِكُمو هذه الغداةَ سبيل

أهل ودي أهل الهوى فائْتَمِنْهُمْ

فالوفا قد وجدته من لدنهمْ

ورجوت الكرام أطلب منهمْ

فأجابت شواهد الحال عنهمْ

كل حدٍّ من دونها مفلول

إن هذا الضيا وهذا البريقا

لسليمى فاسلك إليها الطريقا

وإذا الكون أظهر التزويقا

لا تروقنَّك الرياض الأنيقا

ت فمن دونها رُبىً ودخول

قف على الباب للمحبة مُدْمِنْ

فهواها غالي لدى القوم مُثْمِنْ

هي سلمى لم يدرها غير مؤمنْ

كم أتاها قوم على غرةٍ مِنْ

ها وراموا أمراً فعز الوصول

حسبوا ماءها يزيلُ أُواما

فأذيبوا وأعدموا إعداما

ثم لما أبدت لهم أعلاما

وقفوا شاخصين حتى إذا ما

لاح للوصل غرةٌ وحُجول

عرفات الهوى بها الشجُّ والعجّْ

لك طوبى يوما إذا فزت بالحجّْ

فاقصد الركب إن تجد شوقهم لجّْ

وبدت رايةُ الوفا بيدِ الوجْ

دِ ونادى أهل الحقائق جولوا

إن عهدي الوثيق في الحب ما انحلّْ

وأخو الصدق دام والمدعي ملّْ

وعلوم الهوى تقول الهوى جلّْ

أين من كان يدَّعينا فهذا الْ

يوم فيه صِبْغُ الدعاوي يحول

نحن قومٌ مقامنا بالعلى خُصّْ

وعلينا في محكم الذكر قد نُصّْ

معشر للهدى بهم كلما اقتُصّْ

حملوا حملةَ الفُحولِ ولا يُصْ

دَعُ يومَ اللقاءِ إلا الفحول

أهل أيد كالغيث بالبذل سحَّتْ

طالما بالعداة في الحرب ضحَّتْ

ثم لما النوى عليهم ألحَّتْ

بذلوا أنفساً سخت حين شحَّتْ

بوصالٍ واستُصغرَ المبذول

سادةٌ قلعةُ الأنا هدموها

أيُّ حال في الحرب ما علموها

دخلوا في الوغى ليخترموها

ثم غابوا من بعدما اقتحموها

بين أمواجها وجاءت سيول

سادة عن قلوبهم زالَ غلٌّ

ولهم في عز الحقيقة ذلٌّ

ثم لما بهم لهم كان ظلٌّ

قذفتهم إلى الرسوم فكلٌّ

دمُهُ في طلولها مطلول

صرَّح القوم لي بما فكرهم حسّْ

يحرق الكف للجهول إذا جسّْ

ثم قالوا لكلِّ من يطلب المسّْ

نارها هذه تضيء لمن يَسْ

ري بليلٍ لكنها لا تُنيل

كم عزيز في الحب لذَّ له الذُلّْ

ثم من روانق النعيم قد استُلّْ

شَرُفَتْ حالةً بها شُغِفَ الكُلّْ

منتهى الحظ ما تزود منه الْ

لَحْظُ والمدركونَ ذاكَ قليل

هي ذاتٌ قد أظهرتنا لباسا

وبنا منشأً زَكَتْ وأساسا

ثم يا عقل مذ تركتَ قياسا

جاءها من عرفت يبغي اقتباسا

وله البسطُ والمنى والسول

نفَّرتْهُ عن حبِّها واشمأزَّتْ

وعليه من قدِّها الرمحَ هزَّتْ

كل نفس همَّت بها واستفزَّتْ

فتعالت عن المثال وعزَّتْ

عن دنوٍّ إليه وهو رسول

أخذتنا مقيدين أسارى

والجوى قد أقام والصبر سارا

يا ابن ودي كنا بها نتجارى

فوقفنا كما عهدتَ حيارى

كلُّ عزمٍ من دونها مخذول

عللتنا بما تشير الملاهي

فسمعنا منها ولم ندر ما هي

ثم رحنا والفكر بالشوق ساهي

ندفع الوقت بالرجاء وناهي

كم بقلب غذاؤُهُ التعليل

يا أخا الوجد من لصبٍّ أسيرٍ

بين شوق نما وصبر يسيرٍ

ويح قلبي في حب ظبيٍ غريرٍ

كلما ذاق كأس يأس مريرٍ

جاء كأسٌ من الرجا معسول

لم يجد في هوى المهفهف صبرا

وبه الشوق قد توقَّد جمرا

مغرم القلب سرُّهُ صار جهرا

فإذا سولت له النفس أمرا

حيدَ عنه وقيل صبر جميل

حرم نحن فيه والغير في الحلّْ

رح سليماً ومن ملامتنا قلّْ

فإذا ما سئلت يا أيها الخِلّْ

هذه حالنا وما وصل العل

مُ إليه وكل حالٍ تحول

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عبد الغني النابلسي، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات