إني أرقت وذكر الموت أرقني

ديوان أبو العتاهية

إِنّي أَرِقتُ وَذِكرُ المَوتِ أَرَّقَني

وَقُلتُ لِلدَمعِ أَسعِدني فَأَسعِدني

يا مَن يَموتُ فَلَم تُحزِنهُ ميتَتُهُ

وَمَن يَموتُ فَما أَولاهُ بِالحَزَنِ

تَبغي النَجاةَ مِنَ الأَجداثِ مُحتَرِساً

وَإِنَّما أَنتَ وَالعِلّاتُ في قَرَنِ

يا صاحِبَ الروحِ ذي الأَنفاسِ في بَدَنِ

بَينَ النَهارِ وَبَينَ اللَيلِ مُرتَهَنِ

لَقَلَّما يَتَخَطّاكَ اِختِلافُهُما

حَتّى يُفَرِّقَ بَينَ الروحِ وَالبَدَنِ

طيبُ الحَياةِ لِمَن خَفَّت مَؤونَتُهُ

وَلَم تَطِب لِذَوي الأَثقالِ وَالمُؤَنِ

لَم يَبقَ مِمّا مَضى إِلّا تَوَهُّمُهُ

كَأَنَّ مَن قَد مَضى بِالأَمسِ لَم يَكُنِ

وَإِنَّما المَرءُ في الدُنيا بِساعَتِهِ

سائِل بِذالِكَ أَهلَ العِلمِ بِالزَمَنِ

ما أَوضَحَ الأَمرَ لِلمُلقي بِعِبرَتِهِ

بَينَ التَفَكُّرِ وَالتَجريبِ وَالفِطَنِ

أَلَستَ يا ذا تَرى الدُنيا مُوَلِّيَةً

فَما يَغُرُّكَ فيها مِن هَنٍ وَهَنِ

لَأَعجَبَنَّ وَأَنّي يَنقَضي عَجَبي

الناسُ في غَفلَةٍ وَالمَوتُ في سَنَنِ

وَظاعِنٍ مِن بَياضِ الرَيطِ كُسوَتُهُ

مُطَيَّبٍ لِلمَنايا غَيرِ مُدَّهِنِ

غادَرتُهُ بَعدَ تَشيِيعَيهِ مُنجَدِلاً

في قُربِ دارٍ وَفي بُعدٍ مِنَ الوَطَنِ

لا يَستَطيعُ اِنتِقاصاً في مَحَلَّتِهِ

مِنَ القَبيحِ وَلا يَزدادُ في الحَسَنِ

الحَمدُ لِلَّهِ شُكراً ما أَرى سَكَناً

يَلوي بِبَحبوحَةِ المَوتى عَلى سَكَنِ

ما بالُ قَومٍ وَقَد صَحَّت عُقولُهُمُ

فيما اِدَّعوا يَشتَرونَ الغَيَّ بِالثَمَنِ

لِتَجذِبَنّي يَدُ الدُنيا بِقُوَّتِها

إِلى المَنايا وَإِن نازَعتُها رَسِيَ

وَأَيُّ يَومٍ لِمَن وافى مَنِيَّتَهُ

يَومٌ تَبَيَّنُ فيهِ صورَةُ الغَبَنِ

لِلَّهِ دُنيا أُناسٍ دائِنينَ لَها

قَدِ اِرتَعَوا في رِياضِ الغَيِّ وَالفِتَنِ

كَسائِماتٍ رَواعٍ تَبتَغي سِمناً

وَحَتفُها لَو دَرَت في ذَلِكَ السِمَنِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أبو العتاهية، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات