إلى الله نرفع أمرا ألم

ديوان عبد الغني النابلسي

إلى الله نرفع أمراً ألمّْ

لنا منه في كل وقت ألمْ

ونشكو إليه أموراً دهت

وقد خصنا الحزن منها وعمّْ

ونلجأ في شأننا كله

إليه ليكفيَنا ما أهمّْ

ونطلب منه جميع الذي

نريد فيتحفنا بالنعم

وندعوه في كل أحوالنا

بقلب منيب إليه وفم

عساه يفرج كرباً لنا

يضيق به الصدر منا وغم

عساه يعالجنا بالمنى

ويكشف خطباً دجا وأدلهم

عساه يوفِّقنا كلَّنا

إلى أمره الندب والملتزم

فإنا جميعاً عبيد له

وفي بابه قد وقفنا خدم

وكم نعمة قد حبانا بها

وأعظمها خلقُنا من عدم

وكم رحمة منه وافت لنا

وكم نقمة قد تولت وكم

يكفُّ أولي البغيِ عن قهرنا

ويدفع ظلمَ الذي قد ظلم

وأكرمنا دون كل الورى

وعلَّمنا علمَهُ بالقلم

وقد خلق الكل من أجلنا

ومن أجله الخلق منا استتم

ومع ذاك نكثر عصيانه

فيا ويح عبد له ما احترم

ونذنب سراً وجهراً ولا

نبالي بما فيه زلّ القدم

نباديه بالسوء وهو الذي

لنا منعم محسن من قدم

فيا مالك الملك يا ذا الجلا

ل يا صاحب الجود يا ذا الكرم

ويا خالق الخلق يا من له

أيادٍ علينا تفيضُ الحكم

بحرمة طه نبي الهدى

ومن جاء بالنور يمحو الظُلَم

وإخوانِهِ الأنبيا كلِّهِم

وبالتابعين لهم في الأمم

تفضلْ علينا بعفو ولا

تدعنا لنهلكَ في المزدحم

وسهل لنا توبة نحتمي

بها في غد من لهيب الضرم

ولا تحرق الجسم يا سيدي

بنيرانِه فهو لحم ودم

وكن راحماً ذلَّ أرواحنا

إذا ما أتيناك يوم الندم

وهبنا جميعاً لرحماك يا

رحيم وأجزل لنا في القسم

وعنا تجاوز وكن منعماً

وداو من القلب هذا السقم

وسامح ولا تخزنا في غد

فإنك أولى حكيم حكم

شرعت لنا الدين نمشي به

إليك على ذا الطريق الأمم

وآياتك الواضحات اهتدى

لها في الورى كل ذوق وشمّ

تسمت بأشياء وهي التي

عليها لسان الجهول انبكم

فيا فوز عبد تراءت له

إلى أن رآها لها فالتزم

وأمسى وأصبح يسمو بها

وبالعز في فهمها والحشم

فيا ظاهراً والسوى باطن

ويا باطناً والسوى مرتسم

تجليت في كل شيء كما

أردت فداء الضلال انحسم

وبصرتنا بالتجلي وفي

بصائرنا نورك المحض تم

وحولت عنا حجاب العمى

وأوضحتَ ما كان فينا انبهم

وأنت المنزه عن كل ما

يرام من الكون أو لم يرم

وأنت المُسبَّح في ملكه

بقبح الصياح وحسن النغم

وأنت الموحَّد منّا ومن

جميع البرايا بحالٍ أتمّ

وشرك أولى الجهل دعوى فقط

كما يقتضي ذاك حلم الحكم

بل الشرك والكفر قد وحَّدا

لأنهما نوع خلق هجم

فما في الوجود سوى واحد

وأفعاله لا سوى ذاك ثم

فلا تعرضوا عنه أنتم به

كما الفعل من فاعل ما انقسم

وقوموا إلى باب إحسانه

لتحيوا بإقبال محيي الرمم

ولا تكسلوا أو تخافوا على

نفوسكمو منه فاللطف جم

ولا تنفروا عنه فهو الذي

دعاكم إليه بأهل العصم

فعين الجلال إليكم رنت

ووجه الجمال زها وابتسم

وأنتم عبادُ كريمٍ وما

ببخل إلهكمو متهم

فإن الذي هو رب لنا

قريب إلينا سناه وهم

وجدنا به ومددنا به

وضُمَّ به شملُنا وانتظم

فلا تقنطوا منه والجوا إلى

حماه ولوذوا بهذا الحرم

وإن عطاياه مبذولة

وقد فاز قاصدها واغتنم

فسبحان من أعجز الكل عن

معاني الوصول إذا الكل همّ

وجل الذي أوقف العقل في

قصور وحير كلّ النسم

فلا الفكر يعرفه لا ولا

له يدرك الفهم حيث اقتحم

فسلم إليه وكن طالباً

له باجتهاد وخل الوهم

وإن شئت قم بعد هذا له

بنفسك سعياً وإن شئت نم

وكن سائراً بشراع التقى

إليه به إن جدواه يمّ

فيا ربنا كن معيناً لنا

وساعد على ما دهى واصطلم

ولا تترك القلب في حيرة

وجهل به البعد عنك انتقم

وصل وسلم على المصطفى

شفيع البرية زاكي الشيم

ومن قد أتى رحمة للورى

وعنا به قد أزيلت نقم

ورضوان ربيَ عن آله

ذوي المجد والقدر فينا الأشم

وأصحابه الغر أهل التقى

كواكب فضل إليها يؤم

وعن تابعيهم بخير وعن

مشايخنا القوم أهل الهمم

وعن كل إخواننا دائماً

بغير انتهاء وغير عدم

مدى الدهر ما هب ريح وما

توالى على الروض صوب الديم

وما قال يدعوه عبد الغني

إلى الله نرفع أمراً ألم

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عبد الغني النابلسي، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات