إعجب من الغيم كيف ارفض فانقشعا

ديوان البحتري

إِعجَب مِنَ الغَيمِ كَيفَ اِرفَضَّ فَاِنقَشَعا

وَصالِحِ العَيشِ كَيفَ اِعتيقَ فَاِرتُجِعا

لَولا الفَقيدُ الَّذي عَمَّت نَوافِلُهُ

ماضاقَ مِن جانِبِ الأَيّامِ ما إِتَّسَعا

فَجيعَةٌ مِن صُروفِ الدَهرِ مُعضِلَةٌ

لَو يَعلَمُ الدَهرُ فيها كُنهَ ماصَنعا

خَلّى أَبو القاسِمِ الجُلّى عَلى عُصَبٍ

إِن حاوَلوا الصَبرَ فيها بَعدَهُ اِمتَنَعا

إِنَّ النَعِيَّ بِمَروِ الشاهِجانِ غَداً

لَباعِثٌ رَهَجاً في الشَرقِ مُرتَفَعا

تَنثالُ أَنجِيَةُ الوادي إِلى خَبَرٍ

بَنو سُوَيدٍ عَلَيهِ عاكِفونَ مَعا

يُخفونَ ماوَجَدوا مِنهُ وَبَينَهُمُ

وَجدٌ إِذا أَطفَأوا مَشبوبَهُ سَطَعا

لَأَبكِيَنَّ ضُيوفاً فيكَ حائِرَةً

أَسبابُها وَرَجاءً مِنكَ مُنقَطِعا

وَكَيفَ تَنسى وَما اِستُنزِلتَ عَن خَطَرٍ

وَلا نَسيتَ النُهى خَوفاً وَلا طَمَعا

لاتَحسِبَنّي اِغتَفَرتُ الرُزءَ فيكَ وَلا

ظَلِلتُ فيهِ لِرَيبِ الدَهرِ مُنخَدِعا

وَقَد تَقَصَّيتُ عُذري في التَجَمُّلِ لَو

أَحمَدتَ غايَتَهُ وَالحُزنِ لَو نَفَعا

نَفسٌ سَلَكتُ بِها التَهجينَ رائِدَةً

فَما رَأَت جَلَداً أَغنى وَلا هَلَعا

كَلَّفتُها الصَبرَ فَاِعتاصَت مُمانِعَةً

وَسامَحَت لَكَ إِذ كَلَّفتُها الجَزَعا

وَالدَمعُ سَيلٌ مَتى عَلَّيتَ جَريَتَهُ

أَبى الرُجوعَ وَإِن صَوَّبتَهُ اِندَفَعا

تَنَكَّرَ العَيشُ حَتّى صارَ أَكدَرُهُ

يَأتي نِظاماً وَيَأتي صَفوُهُ لُمَعا

وَآنَسَت مِن خُطوبِ الدَهرِ كَثرَتُها

فَلَيسَ يُرتاعُ مِن خَطبٍ إِذا طَلَعا

قُل لِأَبي صالِحٍ إِمّا عَرَضتُ لَهُ

تَحمَدهُ قائِلَ أَقوامٍ وَمُستَمِعا

قَد آنَ لِلصَبرِ أَن تُرجى مَثوبَتُهُ

وَمولَعٍ بِهُمولِ الدَمعِ أَن يَدَعا

فَقدُ الشَقيقِ غَرامٌ ما يُرامُ وَفي

فَقدِ التَجَمُّلِ وَهنٌ يُعقِبُ الظَلَعا

كِلاهُما عِبءُ مَكروهٍ إِذا اِفتَرَقا

فَكَيفَ ثِقلُهُما الموهي إِذا اِجتَمَعا

لَيسَ المُصيبَةُ في الثَأوى مَضى قَدَراً

بَلِ المُصيبَةُ في الباقي هَفا جَزَعا

إِنَّ البُكاءَ عَلى الماضينَ مَكرُمَةٌ

لَو كانَ ماضٍ إِذا بَكَّيتَهُ رَجَعا

صُعوبَةُ الرُزءِ تُلقى في تَوَقُّعِهِ

مُستَقبَلاً وَاِنقِضاءُ الرُزءِ أَن يَقَعا

وَفي أَبيكَ مُعَزٍّ عَن أَخيكَ إِذا

فَكَّرتَ فيهِ وَفي الوَفدِ الَّذي تَبِعا

هُمُ وَنَحنُ سَواءٌ غَيرَ أَنَّهُمُ

أَضحَوا لَنا سَلَفاً نُمسي لَهُم تَبَعا

قَد رَدَّ في نُوَبِ الأَيّامِ شِرَّتَها

أَن لَم تَكُن غَمَراً فيها وَلا ضَرَعا

عَزيمَةٌ مِنكَ أَن حَشَّمتَها جَشِمَت

وَرُكنُ رَضوى إِذا حَمَّلتَهُ اِضطَلَعا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان البحتري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات