إذا المجد شادته القنا والصوارم

ديوان عبد الغفار الأخرس

إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ

وقامت به بالمكرمات دعائمُ

فثمَّ المعالي والرياسة والعلى

نوالٌ وإقدامٌ ورمحٌ وصارم

وليس يسود المرءُ إلاَّ بنفسه

وإن نجبت فيه أُصولٌ أكارم

ولا حرَّ إلاَّ والزَّمان كما أرى

يحاربه طوراً وطوراً يسالم

شديدٌ على الأيام يقسو إذا قستْ

وإنْ عَبست أيَّامهُ فهو باسم

أخو الحزم يقظان البصيرة لم تنم

له أعينٌ والجاهل الغمر نائم

ذرّ اللَّوم إنِّي بالمعالي متيَّمٌ

وإن لامني فيها على الحبِّ لائم

تركت الهوى بعد المشيب لأهله

وراجعني حلم لسَلمى يصارم

وما أنْسَ لا أنسى زماناً قضيته

وعود الصبا ريَّان والعيش ناعم

أشيمُ به برق الثنايا وأصطلي

سنا نار كأس والحبيب ملائم

طروقاً إلى من كنتُ أهوى بليلةٍ

كأَنَّ دجاها عارض متراكم

بحيث المواضي والأَسنَّة شرَّعٌ

وموج المنايا حوله متلاطم

إذا زأرَ الليث الهزبر بحيّة

يجاوبه ريم من السرب باغم

واسمرَّ نفَّاث المنون سنانه

كما نفث السمَّ الزعاف الأَراقم

يسامرني إذ لا سمير اعتقلته

وجنح الدُّجى في مهلك البيد فاحم

وعانقني ما نمت عضب مهنَّد

من البيض لا البيض الحسان النواعم

ولي من رياض القول كلّ حديقة

زها ناظم فيها وأعْجَب ناظم

سقتها يد من ناصر فتفتَّحت

بنوَّار أزهار الكلام كمائم

تترجم عن إحسانه وجميله

فيا حسنَ ما أبدته تلك التراجم

بمتّخذ زرق الأَسنَّة سلَّماً

على المجد والسّحر العوالي سلالم

من العالم العلويّ نفساً وهمَّة

رفيع المباني والأنام دعائم

رزقت من النعماء أرفع سؤدد

من العزّ ما تنحطّ عنها النعائم

فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسَّداً

لأنف الأَعادي حدّ سيفك راغم

أبا فالح سُدْتَ الأُمور بحكمةٍ

وأنت خبيرٌ بالسِّياسة عالم

ورأي يريك الأمر قبل وقوعه

فما ريع ذو لبّ من الأَمر حازم

أمستعصمَ الملهوف ممَّا ينوبه

لك الله من شرّ النوائب عاصم

وترعاك من عين الإِله عناية

تصاحب من صاحبته وتسالم

فمن ناله منك الرضا هو رابحٌ

ومن فاته منك الرضا فهو نادم

رفعت منار المجد فيها وحلَّقت

خوافٍ إلى جوِّ العُلى وقوادم

إليك انتهى الفعل الجميل بأسره

وما تنتهي إلاَّ إليك المكارم

مكارم ترتاح النفوس لذكرها

وفيها الغنى يرجى ومنها الغنائم

غياث غوث كلَّما انهلَّ ساجم

تتابع في آثارها منك ساجم

يميزك الإِقدام والبأس والندى

وما تستوي أُسْدُ الشرى والبهائم

وما قَعَدت عمَّا أمرتَ قبيلةٌ

وأنت عليها بالمهنَّد قائم

وإنَّك لو دمَّرت قوماً بذنبهم

فإنَّك مأمورٌ وما أنتَ آثم

لقد أعرَبتْ عنك الصوارم والقنا

وقد أفصحت شكراً وهنَّ أعاجم

وقد ترجمت عن طول باعك في الوغى

وشاعت وذاعت عنك تلك التراجم

فيا لك من يشقى لديه عدوّه

لك السعد والإِقبال عبد وخادم

وكم لك ما بين الخميسين وقفة

وقد أحجمت عنها الأُسود الضراغم

وردت المنايا والسّيوف مناهل

وما لك في ذاك الورود مزاحم

تركت بها القتلى تمجّ دماؤها

وللطير منها والوحوش ولائم

فللأرض من تلك الدّماء مشارب

وللوحش من تلك اللّحوم مطاعم

بطشت بمن يبغي عليك بكيده

وأنت رؤوفٌ بالرعيَّة راحم

وأبقيت دار المفسدين بلاقعاً

خلا عالم منها وأقوت معالم

وأنصفْتَ بين الناس بالحكم عادلاً

فلا ثَمَّ مظلوم ولا ثَمَّ ظالم

يُمَدُّ عليها منك ظلٌّ مظلِّلٌ

إذا لفحتها بالخطوب سمايم

أعدت شباب الدهر بعد مشيبه

فعاد علينا عهده المتقادم

لئن ذكروا في الجود كعباً وحاتماً

فأنت لهذا العصر كعب وحاتم

وما بَرِحَتْ تنهلُّ جوداً ونائلاً

يمينُك لا ما تستهلّ الغمائم

ولله منها عارض سحّ ممطراً

دنانيرها من قطرها والدراهم

تطوّقني نعماك تترى بمثلها

بأحسن ممَّا طوّقته الحمائم

وكم لي بكم يا آل سعدون مدحة

من القول يستوفى بها الشكر ناظم

إذا أُنْشِدَتْ سرَّت نفوساً وطأطأت

رؤوساً ومالت من رجال عمائم

وإنِّي بكم يا آل سعدون شاعر

وها أنا في وادي ثنائك هائم

بطلعتك الغرَّاء موسم ثروتي

ولي منك في نيل الثراء مواسم

فأنت لعمري للمكارم فاتح

وأنت لعمري للأكارم حاتم

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان عبد الغفار الأخرس، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات