أيها المنتاب عن عفره

ديوان أبو نواس

أَيُها المُنتابُ عَن عُفُرِه

لَستَ مِن لَيلي وَلا سَمَرِه

أَذودُ الطَيرَ عَن شَجَرٍ

قَد بَلَوتُ المُرَّ مِن ثَمَرِه

فَاِتَّصِل إِن كُنتَ مُتَّصِلاً

بِقُوى مَن أَنتَ مِن وَطَرِه

خُفتُ مَأثورَ الحَديثِ غَداً

وَغَدٌ دانٍ لِمُنتَظِرِه

خابَ مَن أَسرى إِلى بَلَدٍ

غَيرِ مَعلومٍ مَدى سَفَرِه

وَسَّدَتهُ ثِنيَ ساعِدِهِ

سِنَةٌ حَلَّت إِلى شَفرِه

فَاِمضِ لا تَمنُن عَلَيَّ يَداً

مِنُّكَ المَعروفَ مِن كَدَرِه

رُبَّ فِتيانٍ رَبَأتُهُمُ

مَسقِطَ العَيّوقِ مِن سَحَرِه

فَاتَّقوا بي ما يُريبُهُمُ

إِنَّ تَقوى الشَرِّ مِن حَذَرِه

وَابنُ عَمٍّ لا يُكاشِفُنا

قَد لَبِسناهُ عَلى غَمَرِه

كَمَنِ الشَنآنُ فيهِ لَنا

كَكُمونِ النارِ في حَجَرِه

وَرُضابٍ بِتُّ أَرشُفُهُ

يَنقَعُ الظَمآنَ مِن خَصَرِه

عَلَّنيهِ خوطُ إِسحِلَةٍ

لانَ مَتناهُ لِمُهتَصِرِه

ذا وَمُغبَرٍّ مَخارِمُهُ

تَحسِرُ الأَبصارُ عَن قُطُرِه

لا تَرى عَينُ المُبينِ بِهِ

ما خَلا الآجالَ مِن بَقرِه

خاضَ بي لُجَّيهِ ذو حِرَزٍ

يُفعِمُ الفَضلَينِ مِن ضَفرِه

يَكتَسي عُثنونُهُ زَبَداً

فَنَصيلاهُ إِلى نَحرِه

ثُمَّ يَعتَمُّ الحِجاجُ بِهِ

كَاعتِمامِ الفوفِ في عُشرِه

ثُمَّ تَذروهُ الرِياحُ كَما

طارَ قُطنُ النَدفِ عَن وَتَرِه

كُلُّ حاجاتي تَناوَلَها

وَهوَ لَم تَنقُص قُوى أَشَرِه

ثُمَّ أَدناني إِلى مَلِكٍ

يَأمَنُ الجاني لَدى حُجرِه

تَأخُذُ الأَيدي مَظالِمَها

ثُمَّ تَستَذري إِلى عُصُرِه

كَيفَ لا يُدنيكَ مِن أَمَلٍ

مَن رَسولُ اللَهِ مِن نَفَرِه

فَاسلُ عَن نَوءٍ تُؤَمِّلُهُ

حَسبُكَ العَبّاسُ مِن مَطَرِه

مَلِكٌ قَلَّ الشَبيهُ لَهُ

لَم تَقَع عَينٌ عَلى خِطَرِه

لا تُغَطّى عَنهُ مَكرُمَةٌ

بِرُبى وادٍ وَلا خَمرِه

ذُلِّلَت تِلكَ الفِجاجُ لَهُ

فَهوَ مُختارٌ عَلى بَصَرِه

سَبَقَ التَفريطَ رائِدُهُ

وَكَفاهُ العَينَ مِن أَثَرِه

وَإِذا مَجَّ القَنا عَلَقاً

وَتَراءى المَوتُ في صُوَرِه

راحَ في ثِنيَي مُفاضَتِهِ

أَسَدٌ يُدمى شَبا ظُفُرِه

تَتَأَيّا الطَيرُ غُدوَتَهُ

ثِقَةً بِالشَبعِ مِن جَزَرِه

وَتَرى الساداتِ ماثِلَةً

لِسَليلِ الشَمسِ مِن قَمَرِه

فَهُمُ شَتّى ظُنونَهُمُ

حَذِرَ المَكنونِ مِن فِكَرِه

وَكَريمُ الخالِ مِن يَمَنٍ

وَكَريمُ العَمِّ مِن مُضَرِه

قَد لَبِستَ الدَهرَ لِبسَ فَتىً

أَخَذَ الآدابَ عَن عِبَرِه

فَاِدَّخِر خَيراً تُثابُ بِهِ

كُلُّ مَدخورٍ لِمُدَّخِرِه

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أبو نواس، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات