أيها القاسم القسيم رواء

ديوان ابن الرومي

أيها القاسمُ القسيمُ رُواءَ

والذي ضمَّ ودُّهُ الأهواءَ

والذي ساد غيرَ مُستنكَرِ السُّؤ

دُدِ في الناس واعتلى كيف شاءَ

قمرٌ نجتليهِ ملءَ عيونٍ

وصدورٍ بَرَاعةً وضياءَ

لم يزل يجعلُ المساءَ صباحاً

كلما بُدِّل الصباحُ مساءَ

قتل اليأس وهو مستحكم الأمْ

ر وأحيا المطامعَ الأنضاءَ

وارتضاهُ الأميرُ حين رآه

وارتأى فيه رؤيةً وارتياءَ

قال رأسُ الرؤوس لما رآه

وصف البدرُ نفسَه لا خَفَاءَ

بَشَّرَ البرقُ بالحيا وسنا الصبـ

ـح بأن يَقلبَ الدُّجى أضواءَ

كلُّ شيء أراه منك بشيرٌ

صَدَّق الله هذه البُشراءَ

وإذا ما مَخابرُ الناس غابتْ

عنك فاستَشْهِدِ الوجوهَ الوِضاءَ

قال بالحق فيه ثم اجتباهُ

واصطفاهُ وما أساء اصطفاءَ

فغدا يُوسعُ الرعيَّةَ عَدلاً

غير أني لقيتُ منه اعتداءَ

أجميلٌ بك اطِّراحِي وقد قد

دَمتُ في رأيك الجميلِ رجاءَ

وَليَ الطائرُ السعيد الذي كا

ن بريداً بدولةٍ زهراءَ

ما تعرَّفتَ مُذْ تَعيَّفتَ طيري

غير نَعماء ظَاهرتْ نعماءَ

ثم أدنيتني فزادَك يُمْنِي

من أميرٍ مؤيَّدٍ إدناءَ

وتناولتَني ببرِّ فبرَّتْ

ك يد الله ثَرَّةً بيضاءَ

وكذا كلّما نويتَ لمولا

كَ مزيداً أوتيتَهُ والهناءَ

أنا مولاك أنت أعتقتَ رِقِّي

بعدما خِفتُ حالةً نكراءَ

فعَلام انصراف وجهِك عني

وتَناسيكَ حاجتي إلغاء

كان يأتينيَ الرسولُ فيُهدي

لِي سروراً ويَكبتُ الأعداءَ

فقطعْتَ الرسول عنِّيَ ضَنّاً

باتِّخاذِيهِ مَفْخَراً وبهاءَ

إن أكن غيرَ مُحسنٍ كلَّ ما تطْـ

ـلبُ إني لَمُحْسنٌ أجزاءَ

فمتى ما أردتَ صاحبَ فحصٍ

كنتُ ممن يُشارك الحكماءَ

ومتى ما أردتَ قارض شعرٍ

كنتُ ممن يُساجلُ الشعراءَ

ومتى ما خطبتَ مني خطيباً

جلَّ خطبي ففاق بي الخُطباءَ

ومتى حاول الرسائلَ رُسْلي

بلَّغَتْني بلاغتي البُلغاءَ

غيرَ أني جعلتُ أمري إلى صفـ

ـحِكَ عن كل عورةٍ إلجاءَ

أنت ذاك الذي إذا لاح عيبٌ

جعل السِّترَ دونَهُ الإغطاءَ

أنا عارٍ من كلِّ شيء سوى فَضْـ

ـلكَ لا زلت كِسوةً وغِطاءَ

ولقائي إياك ماءُ الحياتيْ

نِ فلا تَقْطَعَنَّ عني اللقاءَ

سُمْنيَ الخَسْف كلّه أَقبلِ الخسـ

ـفَ بشكر ولا تَسُمْني الجفَاءَ

ليس بالناظِرَيْن صبرٌ عن الوجـ

ـه الذي يجمع السَّنا والسناءَ

منظرٌ يملأ القلوبَ مع الأب

صارِ نُوراً ويَضْرحُ الأقذاءَ

ليت شِعري عن الفِراسِيِّ والزج

جاجِ هل يرعيان مني الإخاءَ

فيقولان إنّ موضعَ مولا

ك عَميراً أشفُّ منه خلاءَ

يا لَقَوْمٍ أأثقلَ الأرضَ شخصي

أم شكْت من جفاءِ خَلقي امْتِلاءَ

أنا من خَفَّ واستدقَّ فما يُثـ

ـقِلُ أرضاً ولا يسدُّ فضاءَ

إن أكن عاطلاً لديك منَ الآ

لاتِ حاشاك أن تجورَ عَثاءَ

فلأكن عُوذةً لمجلسك المُو

نِقِ أرْدُد عينَ الردى عمياءَ

أنا مولاك بالمحبة والمَيْ

ل فحمِّل عواتقي الأعباءَ

وأنا المرءُ لا يُحمَّلُ إلّا

شُكرَ آلائكُم لكم آلاءَ

أَدْنِ شخصي إذا شَدَتْ لك بستا

نُ وغنت غناءها غَنَّاءَ

فاستثارت من اللحودِ المغنيـ

ـنَ فأضحى أمواتُهم أحياءَ

يا لإحضارها مع ابن سُرَيْجٍ

مَعْبَداً والغريضَ والمَيْلاءَ

وتلتها عجائبٌ فتغَنّتْ

مُشبهاتِ اسمها صُيابا ولاءَ

فحكتْ هذه وتلك يَمينَي

كَ إذا ما تبارتا إعطاءَ

وأبىَ الله عند ذلك أشبا

هَ غناءٍ مُعلِّلٍ إغناءَ

ما مُغَنٍّ غَنَّاكِ نِدَّاً لمُغْنٍـ

ـرِفْدُهُ يجمع الغِنى والغناءَ

ذا ولا تَنْسَني إذا نَشَرَ البُس

تانُ أصنافَ وَشْيهِ وتَراءى

وحَكَتك الرياض في الحسنِ والطِّيـ

ـبِ وإن كانَ ذاك منها اعتداءَ

وتغنَّى القُمْريُّ فيها أخاه

وأجابت مُكَّاءةٌ مُكَّاءَ

وَأَبَدَّتْكَ لحظها قُضُبُ النر

جس ميلاً إليك تحكي النساءَ

بُقعةٌ لا تَني تُفاخر عطَّا

راً وتُشْجي بوَشْيِها وَشَّاءَ

لم تزل تستعيرُ منك جَمالاً

تكتسيه وتستميرُ ثَناءَ

فجمالٌ لمنظرٍ وثناءٌ

لمَشمٍّ يحكي ثَناكَ ذكاءَ

واهْوَ قُربي إذا شَرعت على دِجْـ

ـلةَ في ظل ليلةٍ قَمْراءَ

وحكت دجلةُ انْهِلالَك بالنا

ئل والعلم واكتستْ لألاءَ

وأعارتْ هواءَ دارِكَ ثوباً

من نَداها فَكانَ ماءً هواءَ

فحكى منك نَعمة الخُلُقِ النا

عم في كُلِّ حالةٍ إثناءَ

وأجاب الملّاحُ في بطنها الملـ

ـلاحَ يَحْتَثُّ بالسَّفين الحُداءَ

وادَّكِرْني إذا استثرتَ سحاباً

ذات يومٍ عشيةً أو ضَحاءَ

فتعالتْ فَوّارَةٌ تحسدُ الخضـ

ـراءُ إغداقَ مائِها الغبراءَ

كلما أخلفتْ سماءٌ زماناً

خلّفت فيه ديمةً هَطْلاءَ

سَحْسَحَتْ ماءها عَلَى كل أرضٍ

بعدما صافحت به الجوزاءَ

فحكت كفّك التي تَخْلُفُ المُزْ

نَ علينا فتُرغمُ الأَنواءَ

وتأمَّلْ إذا لَحَظْتَ بعينيْ

ك صحونا لا تعرف الانتهاءَ

وحكْتكَ الصَّمَّانُ في سَعَةِ الصدْ

رِ وإن كان صدرُكَ الدهناءَ

جعل الله كلَّ ذاك فداءً

لكَ إن كان للفداء كِفاءَ

لو بذلنا فداءك الشمسَ والبدْ

رَ لقال الزمانُ زيدوا فداءَ

لا تَجاهلْ هناك يا من أبي اللَّـ

ـهُ عليه أن يشبه الجُهَلاءَ

حُسنُ علمي إذ ذاك بالحَسَنِ المَوْ

قِع مما يُروي القلوبَ الظِّماءَ

وارتفاعي عن الجُفاةِ المُسَوِّيْـ

ـنَ بِشَدْوِ المُجيدة الضوضاءَ

مُوجِبٌ أن أكون أدنى جليس

لك أعلو بحقِّيَ الجلساءَ

أرَكيكاً رأيتَ عبدك صِفْراً

لا جَنىً فيه أم جنَى شَنْعاءَ

لا تدعْ مَغْرِسَ الكريم من الغَرْ

سِ خَلاءً من الكريم قَواءَ

أين مثلي مُفاتشٌ لك أم أيْـ

ـن نديمٌ تَعُدُّهُ نُدماءَ

شهد الله والموازينُ والقِس

ط جميعاً شهادةً إمضاءَ

أنَّ رأيي لذو الرجاحةِ وزناً

دَعْ يميني وزِنْهُ والآراءَ

أنت شهمٌ مُحصِّلٌ فاترك الأس

ماءَ للبُلْه واكشفِ الأنباءَ

ما تقصَّيتَ ما لديَّ ولا استقْ

صيتَ فاجعل إقصاءَكَ استقصاءَ

وانتبهْ لي من رقدةِ الملك تَعْلَمْ

أن لله مَعْشراً علماءَ

وتذكّر مَعاهِدي إنك المرْ

ءُ الذي ما عَهِدْتُهُ نَسَّاءَ

وارعَ لي حُرمةَ المودَّةِ والخد

مةِ والمدحِ تُعْجِبِ الكرماءَ

وجديرونَ بالرعايةِ قومٌ

جعلتْهم رُعاةُ ملْكٍ رِعاءَ

قد تجرعتْ من جَفائك لما

سُمْتَني ذاك شَربةً كدراءَ

ولقد يَقْلبُ الكريمُ من السا

دات نَعماءَ عبدِه بأساءَ

ظالماً أو مُقَوِّماً ثم يرعا

هُ ويَقْنَى حُرِّيّةً وحياءَ

فإذا زالت المَسرَّةُ عادتْ

وإذا ما تحسَّر الظلُّ فاءَ

فلماذا رمى هناكَ صَفاتي

أصفيائي عَدِمْتُهم أصفياءَ

إنما كان حقُّ مثليَ أن يُر

حَمَ لاقَوْا أعداءهم رُحماءَ

بل رأوا رحمةَ الأعادي ولاقَو

هم مِلاءً بعَسْفهم أوفياءَ

وجزاهم ربُّ الجزاء على ذا

لك ما يُشبه اللئيمَ جزاءَ

معشرٌ كنتُ خلتهم قبل بلوا

يَ أَوِدَّاءَ صِفْوةً أصدقاءَ

صادفوا نكبتي فكانت لديهم

للقلوبِ المِراضِ منهم شفاءَ

وأَظَنُّوك أن ذاك وفاءٌ

من مَوالٍ يُصَحِّحون الولاءَ

فبدا منهمُ بلاءٌ ذميمٌ

أشبعوه خيانةً ورياءَ

ما أتى منهمُ نذيرٌ بعَتْبٍ

فَيُلَقَّى هناك داءٌ دواءَ

لا ولا جاء بعد ذاك بشيرٌ

برِضاً ثابتٍ يقيم الذَّماء

لا ولا جاء بين ذاك وهذا

مُتَرَتٍّ يُعلَّلُ الحَوْباءَ

لم يُواسُوا ولم يُؤسُّوا خليلاً

سوءةً سوءةً لهم سَوآءَ

مَنعوا خيرهم ولا تأمن الضُّر

رَ من المانعين منك الجَداءَ

فأتى شرُّهم على كلِّ بُقيا

لا لَقوا من مُلمَّةٍ إبقاءَ

خَلَفوني خلافةَ الذئب في الشا

ء وكانوا في جهل حقِّيَ شاءَ

وإذا ما حَماك عُودٌ جَناه

فاخْشَ من حدِّ شوِكه أنكاءَ

وكأني غداً أراهم وكلٌّ

ينشر العذرَ طاوياً شَحناءَ

سَعَر اللَّه في الجوانح منهم

سَعْرَةَ النار تكلُمُ البَغْضاءَ

لا عَدَتْهم هناك هاتيك ناراً

وأصابتْ من شخصيَ الإخطاءَ

حَرَّقتْهم وأرّقتْهم ولا زا

لت وبالاً عليهمُ ووباءَ

رَتَعوا في وخِيمة الغيب مني

لا تَلَقَّى مَنِ ارْتعاها مَرَاءَ

أظهروا للوزير جهلاً وغدراً

وعماهُم يُراهُمُ أُدباءَ

فجلَوا عورةً لطرفٍ جَليٍّ

حَسِبوا شمسَه تَغَشَّت عَماءَ

جعلوا العبدَ كُفءَ مولاه فانظر

هل تراهم لعاقل أكفاءَ

ما تَعدَّوا بذاك أنْ وَزنوني

بك ضَلَّت عقولُهم عقلاءَ

غَفْلةً فوقَ غفلةٍ ثم سَهْواً

فوق سهوٍ عَدِمْتُهم أذكياءَ

فَلَهُم لائمون فيما أتَوهُ

ورأوه لا يَعْدَموا اللَّوماءَ

خذلوني وطأطئوا البدرَ جهلاً

وتَظنَّوْهُ يخبط الظَّلماءَ

لا عفا اللَّه عنهم بل عَفَاهُم

وزَوَى العفوَ عنهمُ لا العَفاءَ

ما أُلاك الإخوان كلّا بلِ الخُو

وَان قاسُوا أمثالهم خُلطاءَ

آفتي فيك أنْ رأَيتَ محبَّاً

لا يرى عنك بالغنى استغناءَ

لا تَطاوَلْ بحسنِ وجهِك والدو

لةِ واذكر من شانِئيك الفناءَ

واحتشمْ أن يراك مُعطيك ما أعـ

ـطاك تَجزِي نَعْماءه خُيَلاءَ

وارتفعْ أن يراك تكسو الفتى الحُر

رَ إذا ما ملكتَهُ الإزراءَ

إن من أَضعفِ الضِّعاف لدى اللَّـ

ـه قويّاً يستضعف الضعفاءَ

ولأهلِ العقول فِيه رجاءٌ

وعزاء يقاوم العَزَّاءَ

وتَعلَّمْ متى حَميت على عبـ

ـدك تلك المياه والأَكْلاءَ

أنَّ للَّهِ غيرَ مَرْعاك مرعىً

يَرْتعيه وغيرَ مائِك ماءَ

وتيقَّنْ متى جنيتَ على عبـ

ـدك ضَيْماً وضَيعة وعَناءَ

أنَّ للَّه بالبريَّةِ لُطْفاً

سَبَقَ الأُمهاتِ والآباءَ

قد أطلتُ العتابَ جداً وأكثر

ت فضولي لكنَّ لي شركاءَ

مَن دعاني إلى الذي كان مني

فهو مثلي جَلِيَّةً لا امتراءَ

أنا ذو القصد غير أني متى آ

نَستُ جوراً رأيتَ لي غلُواءَ

والحليمُ العليم من يُحسن الإي

قاد بدءاً ويحسن الإطفاءَ

والطبيبُ اللبيب من يُتبِع الدا

ءَ دواءً يشفيه لا الداءَ داءَ

وعسى قائلٌ يقول بجهلٍ

إنما يطلب الغِنى والغِناءَ

ولهذين مَطلبٌ عند قوم

لست أُلفَى لرَحْلِهم غَشّاءَ

والغنى واسع بكفَّيْ جوادٍ

يَرزُقُ الأغنياء والفقراءَ

ليَ خمسون صاحباً لو سألتُ الـ

ـقوتَ فيهم ألفيتهُم سُمَحَاءَ

أتُرى كلَّ صاحبٍ ليَ منهم

يمنعُ الشهرَ بُلْغَتي إجْراءَ

ليَ في درهمين في كل شهرٍ

من فئامٍ ما يطرُدُ الحَوْجاءَ

والغناء الشديد شدواً وضرباً

سَحْنةٌ قد ملأتُ منها الإناءَ

وبِحَسْبي عرفانُ آل بُنانٍ

وَبُنانٌ شِرْباً معيناً رَواءَ

ظلْتُ عشراً كواملاً في مغاني

ه أُغَنَّى وأسْمَعُ الأَنجاءَ

فلْيقم كاشحي بنقضِ الذي قلـ

ـتُ وإلّا فليُطرقِ اسْتِحياءَ

أو فرَغماً له هناك ودَغْماً

ألحمَ اللَّهُ أنفَه البَوْغاءَ

لا تقدّر بحسنِ وجهِك صَيْدي

بعد نَفْري كما تَصيد الظِّباءَ

صدْ بذاك المَها تَصِدْها وهيها

تَ تصيدُ المُصمِّمَ الأَبّاءَ

أنا ليثُ الليوثِ نفْساً وإن كن

تُ بجسمي ضئيلةً رَقشاءَ

إنني إنْ نفرتُ أمعنتُ في النَّف

رِ ومثلي عمن تَناءَى تناءَى

لستُ باللُّقْطةِ الخسيسةِ فاعرفْ

ليَ قَدْرِي واسألْ به الفُهماءَ

وانتفع بالعُلا بذهِنك واذمُمْ

كلَّ ذهن لا ينفع الذُّهَناءَ

قد بغى قبلَك الدعيُّ فلم أحـ

ـفلْ بأنْ كان باغياً بغّاءَ

بل تَصبَّرتُ وانتظرت من اللَّـ

ـه نآداً تُصيبه دَهْياءَ

فاعتبر بابن بلبلٍ إنَّ فيه

عِبرةً لامرئٍ أعدَّ وعاءَ

والعلاء بنُ صاعدٍ قبلَ هذا

قد حمى دون رائدي الأَحْماءَ

فارمِ بالطَرْفِ شخصَه هل تراه

وادْعه الدهرَ هل يُجيب دُعاءَ

ليس إلّا لأنني كنتُ شمساً

قابلتْ منه مُقْلةً عَشْواءَ

فأَرانيه ناصِري وأباه

وله الحمدُ مُثلْةً شَوْهاءَ

أنا عبدُ الإنصاف قِرْنُ التَّعدِّي

فاسْلكِ القَصْدَ بي وَعدِّ العَداءَ

أنا ذو صفحتين ملساءَ حسنا

ءَ وأخرى تَمَسُّها خَشْناءَ

خاشعٌ تارةً وجبّارُ أخرى

فتراني أرْضاً وطَوراً سماءَ

لا بحولٍ ولا بقوّةِ رُكْنٍ

غير لُبسي تَجلُّداً وحياءَ

أنا جَلْدٌ على عِناد الأَحاظِي

وأبيٌّ أنْ أَرْأمَ النَّكْراءَ

فمتى شئتَ فامتحنِّي وأَولى

بك عفوٌ يُقابل استعفاءَ

أنا ذاك الذي سَقَتْهُ يدُ السُّقْ

م كؤوساً من المُرارِ رِواءَ

ورأيت الحِمام في الصُّوَر الشُّنْـ

ـعِ وكانت لولا القضاءُ قضاءَ

ورماه الزمان في شُقَّة النفـ

ـسِ فأَصْمَى فؤادَه إصْماءَ

وابتلاهُ بالعُسْر في ذاك والوَحْ

شةِ حتى أملّ منه البلاءَ

وثَكِلْتُ الشبابَ بعد رضاعٍ

كان قبلَ الغِذاء قِدْماً غذاءَ

كلُّ هذا لقيتُه فأبتْ نف

سيَ إلّا تَعزُّزاً لا اخْتِتاءَ

وأَرى ذِلّتي تُريك هَواني

ودُنوِّي يَزيدُني إقصاءَ

ومتى ما فزعتُ منك إلى الصَّبْـ

ـرِ فناديتُه أجاب النداءَ

ومتى ما دعوتُ ربي على الده

رِ وظلمِ الخُطُوب لبّى الدعاءَ

وإباءُ الهوانِ عَدْوَى أتتْني

منك والعبدُ يَقْبل الإعداءَ

أنت علَّمتَني إباءَ الدَّنايا

يا مليكي فما أسأتُ الأَداءَ

وعزيزٌ عليَّ أنْ قلتُ ما قلـ

ـتُ ولكنْ حرَّقْتَني إحْماءَ

أنت شجعتني على الصدق في القو

ل وأرْكبتَ جنبيَ العوصاءَ

قد نَفَثتُ الأدواءَ نَفْثَ وليٍّـ

ـوالعدوُّ المُكَمِّنُ الأَدواءَ

أنت أعلى من أن تُقَوِّلَ أعدا

ءَك قولاً يُضرِّب الأولياءَ

إنَّ وزني في الرأي وزنٌ ثقيل

فاسألِ الرأيَ عنه لا الأهواءَ

يا جواداً هجا مَديحيه بالحر

مان ما اسطاع لا تكن هجّاءَ

إنَّ بخس الثواب إن دام ظلماً

قَلَب المدحَ ذاتَ يومٍ هجاءَ

ليس من قائِل المديح ولكنْ

من أناسٍ تدعوهم الغوغاء

أو من المنكرين وعْظَ المحقِّي

نَ وإن لم يُلَقَّبوا شعراءَ

وبرغمي هناك تسمع أُذنا

ي وَلكنْ من يَضبطُ الدهماءَ

والتكاليف لا تُحَدّ اتساعاً

وكثيرٌ من ينصر البُعَداءَ

كم رأيتُ المُكلَّفين جنوداً

ينصرون الأباعد الغُرباءَ

ولحى اللَّهُ مسمِعاً ليَ فيكم

يَتوخَّى بمُسخِطٍ إرضاءَ

ولَمَا سرَّ جائعاً رِفْدُ كفٍّ

أَطعمتْه من شِلْوهِ أعضاءَ

لو سوايَ استمال مال إليه

وَلأَلْقى لناره حَلْفاءَ

لكن اللَّهُ شاهدٌ أنَّ نفسي

تمنح السيفَ عند ذاك انْتِضاءَ

ليَ عَينٌ هواي فيكم يُريها

منْ جَلاهَا بلومكم إقذاءَ

وجميلُ المقالِ فيكم وحظي

من جَداكم مما أراه سَواءَ

وأرى حَرَّ أن تُلاموا حريقاً

وأرى حرَّ ظُلمكم رَمْضاءَ

فاظلموا جُهدَكم فلن تستطيعوا

أبداً أن تُوغِّروا الأحْشاءَ

رَسَخَ الحبُّ في عظامي وجارى

في عروقي من قبلِ ذاك الغذاءَ

ومن الجَوْر أن تُجازَى يدٌ بي

ضاءُ من مخلصٍ يداً سوداءَ

كم أُعَنَّى فلا أُسيء عتاباً

كم أُمَنَّى فلا أسيء اقْتِضاءَ

فاستِوائي إذا رأيتُ استواءً

والْتِوائِي إذا رأيت الْتِواءَ

أين عنّي سعادةٌ من سعيدٍ

جَدِّكم لا برحتُمُ سُعَداءَ

أين عنّي سلامة من سليما

نَ تَقيني بدرعِها أنْ أساءَ

أين عنّي قَسْمُ الوزير أبي القا

سم أحرارَ ماله أنصباءَ

أين عنّي إحسانُ صِنْوَينِ قدَّا الـ

ـحسنَ قدّاً تَسَمِّياً واكْتِناءَ

ما توهَّمْتُ أنَّ حَقّي عليكم

آل وهْبٍ يُجَشِّمُ استبطاءَ

يا ابن من لم يزل يخوض الوزارا

ت ومن قبل يخلُف الوزراءَ

قد مضى أكثر الشتاء وجاء الصي

فُ يعدو فلا تَزِدْهُ التِظاءَ

يا عليماً بما أكابِدُ فيه

لا تُعاونْه إنَّ فيه اكتفاءَ

أنا راجٍ جميلَ رَدْعِك إيَّا

ه فلا تَجعلنَّهُ إغراءَ

لا تُعِنْ نارَه على الشَّيِّ والطب

خ كَفَى طابخاً بها شَوّاءَ

الأمانَ الأمانَ منك ومنه

جَنِّباني لظَاكما الكَوّاءَ

بل إذا ما عدا فأَعْدِ عليه

لا تكونَنَّ مثلَه عَدّاءَ

لا تُعاقبْ بما التَّواءُ أخوه

أعِقاباً تريد بي أم تَواءَ

إن تأرَّى عليَّ عتبُك والصي

فُ وحاشايَ كان ذاك الجَلاءَ

لا تَدَعْني سُدىً فَتَرْقِيَ منِّي

حيّةً لا تُطاوع الرَّقّاءَ

لا عَدِمْتُم بحلمكم آل وهب

مِن وَلِيٍّ تَسَحُّباً واجْتراءَ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الرومي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات