أيا شجر العرا أوسعت ريا

ديوان أبو العلاء المعري

أَيا شَجَرَ العُرا أوسِعتِ رِيّاً

فَقَد جَفَّ العِضاهُ وَلَم تَجُفّي

وَما يَبقى إِذا فَتَّشتَ حَيٌّ

تَخَيُّرُهُ الحَوادِثُ أَو تُنَفّي

لِكافورٍ غَدا الكافورُ زاداً

وَجَفَّت أَبحُرٌ مِن آلِ جُفِّ

وَهَل فاتَ الحتوفَ أَخو هُذَيلٍ

كَأَنَّ مُلاءَتَيهِ عَلى هِجفِّ

أَو العادي السُلَيكُ وَصاحِباهُ

أَو الأَسَدِيُّ كَالصَعلِ الهِزَفِّ

تَجُمُّ جُيوشُها فَيَضِلُّ فيها

فَتىً يَجتابُ صَفّاً بَعدَ صَفِ

تَكَلَّفتَ الوَفاءَ وَحُمَّ يَومٌ

أَراحَ مِنَ التَوافي بِالتَوَفّي

وَدَهري بِالمُغارِ أَغارَ صَبري

وَعَلَّمَني التَعَفُّفَ بِالتَعَفّي

أَما شُغِلَ الأَنامُ عَنِ التَقافي

بِما وَعَدَ الزَمانُ مِنَ التَقَفّي

وَقَد صَدَقَت ظُنونٌ مِن رِجالٍ

تَخَفّوا ما تَوارى بِالتَخَفّي

رَأوا مُتَسَتِّراً عَنهُم بِسُدٍّ

لِيَأجوجَ كَمُستَتِرٍ بِشَفِّ

لَقَد عَجَبَ القَضاءُ لِرَكبِ مَوجٍ

يُقابِلُهُ بِمِزمارٍ وَدُفِّ

وَلَو نالَت عُقابُ اللوحِ لُبّاً

عَداها عَن تَكَفُّئِها التَكَفّي

وَقَد يُغني المُسِفَّ إِلى الدَنايا

تَعَيُّشُهُ مِنَ الخوصِ المُسَفِّ

وَوَطءُ السُفِّ يَحمي الرِجلَ مِنهُ

بَكورُ يَدٍ عَلى ذُرَةٍ بِسَفِّ

وَكَم بُسِطَ البَنانُ فَعادَ صِفراً

وَزارَ الجودُ كَفّاً ذاتَ كَفِّ

وَما رَفُّ الكِعابِ سِوى عَناءٍ

وَإِن عُنِيَت لِمَسواكٍ بِرَفِّ

وَكَم زُفَّت إِلى جَدَثٍ عَروسٌ

وَقَد هَمَّت إِلى عُرُسٍ بِزَفِّ

أَرى دُنياكَ خالَطَها قَذاها

وَأَعيَت أَن يُهَذِّبَها مُصَفّي

بَنوها مِثلُها فَحَلِلتَ مِنها

بِوَهدٍ أَو بِهَضبٍ أَو بِقُفِّ

تَهيجُ صَغائِرُ الأَشياءِ خَطباً

جَليلاً ما سَناهُ بِمُستَشَفِّ

وَإِنَّ القَتلَ في أُحُدٍ وَبَدرٍ

جَنى القَتلَينِ في نَهرٍ وَطَفِّ

وَإِن لَذَّ القَبيحَ غُواةُ قَومٍ

فَإِنَّ الفَضلَ يُعرَفُ لِلأَعَفِّ

وَلَيسَ عَلَيَّ غَيرُ بُلوغُ جُهدي

وَضَيفي قانِعٌ مِنّي بِضَفِّ

إِذا اِستَثقَلتُ أَثوابي وَنَعلي

فَثِقلي في التَجَرُّدِ وَالتَحَفّي

لَعَلَّ مَطيَّةً مِنّي قَريبٌ

فَيَحمِلُ سَيرُها قَدَماً بِخُفِّ

وَما سَلُّ المُهَنَّدِ لِلتَوَقّي

كَسَلِّ المَشرِفيَّةِ لِلتَشَفّي

وَلَيسَ الخَمسُ ضارِبَةً بِسَيفٍ

نَظيرَ الخِمسِ ضارِبَةً بِدُفِّ

أَباغي حَظِّهِ بِقَناً وَخَيلٍ

كَباغيهِ بِمُنوالٍ وَحَفِّ

وَما الجَبَلُ الوَقورُ لِجاذِبيهِ

عَلى العِلّاتِ كَالجُزءِ الأَخَفِّ

وَجِسمي شَمعَةٌ وَالنَفسُ نارٌ

إِذا حانَ الرَدى خَمَدَت بِأُفِّ

أَعَيَّرتِ النِعامَ أولاتُ فَرعٍ

خُلُوَّ الهامِ مِن ريشٍ وَزِفِّ

لَعَلَّ النَبعَ تَثنيهِ اللَيالي

أَخا وَرَقٍ وَنَورٍ مُستَكِفِّ

إِذا ما القائِلُ الكِنديُّ ذَلَّت

لَهُ الأَوزانُ فَاِعتَرِفي بِشِفِّ

فَإِنَّ عُطارِداً في الجَوِّ أَولى

بِأَن يَزِنَ الكَلامَ وَأَن يُقَفّي

وَأَقصي عَن مَآرِبِكَ البَرايا

وَلا يَغرُركَ خِلٌّ بِالتَحَفّي

وَفَذٌّ في مَقاصِدِهِ بَليغٌ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِن إِلفٍ أَلَفِّ

لَعَمرُ أَبيكَ ما خالي بِخالٍ

لِشائِمِهِ وَلا شُهدي بِهَفِّ

فَإِن أُعطِ القَليلَ يَكُن هَنيئاً

يَجيءُ المُستَميحَ بِغَيرِ شَفِّ

إِذا وَرَدَ الفَقيرُ عَلى اِحتِياجي

أَغَثتُ لَهيفَهُ بِالمُستَدَفِّ

وَلَو كانَ الكَثيرُ لَقَلَّ عِندي

وَأَهوَنَ بِالطَفيفِ المُستَطَفِّ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أبو العلاء المعري، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات