أهلا ببدر دجى يسعى بشمس ضحى

ديوان صفي الدين الحلي

أَهلاً بِبَدرِ دُجىً يَسعى بِشَمسِ ضُحىً

بِنَورِهِ صِبغَةَ اللَيلِ البَهيمِ مَحا

حَيّا بِها وَالدُجى مُرخٍ غَدائِرَهُ

فَخِلتُ أَنَّ جَبينَ الصُبحِ قَد وَضَحا

راحاً إِذا مَلَأَ الساقي بِها قَدَحاً

ظَنَنتَ جُذوَةَ نارٍ في الدُجى قَدَحا

لَم يُبقِ طولُ المَدى إِلّا حُشاشَتَها

عَنَّت لَنا فَتَراءَت بَينَنا شَبَحا

يَسعى بِها ثَمِلُ الأَعطافِ يُرجِعُها

سَكرَى بِأَلفاظِهِ إِن جَدَّ أَو مَزَحا

يَجلو لَنا وَجهُهُ في اللَيلِ مُغتَبِقاً

بِها فَيُحسَبُ بِالآلاءِ مُصطَبِحَا

نادَمتُهُ وَجَناحُ النِسرِ مُنقَبِضٌ

عَنِ المَطارِ وَجِنحُ اللَيلِ قَد جَنَحا

حَتّى اِنثَنى وَالكَرى يَهوي بِجانِبِهِ

إِلى الوِسادِ فَإِن طارَحتَهُ اِنطَرَحا

وَظَلَّ مِن فَرطِ جِرمِ الكَأسِ مُنقَبِضاً

عَنِ المَطارِ وَجِنحُ اللَيلِ قَد جَنَحا

يَضُمُّهُ وَالكَرى يُرخي أَنامِلَهُ

فَكُلَّما أَوثَقتَهُ كَفُّهُ سَرَحا

حَتّى رَأَيتُ مِياهَ اللَيلِ غائِرَةً

في غَربِها وَغَديرَ الصُبحِ قَد طَفَحا

وَلِلشُعاعِ عَلى ذَيلِ الظَلامِ دَمٌ

كَأَنَّ طِفلَ الدُجى في حِجرِهِ ذُبِحا

وَقامَ يَهتِفُ مِن فَوقِ الجِدارِ بِنا

مُتَوَّجَ الرَأسِ بِالظَلماءِ مُتَّشِحا

كَأَنَّهُ شامَتٌ بِاللَيلِ عَن خَنَقٍ

فَكُلَّما صَدَعَ الصُبحُ الدُجى صَدَحا

نَبَّهتُهُ وَالكَرى يَثني مَعاطِفَهُ

وَنَشوَةُ الراحِ تَلوي جيدَهُ مَرَحا

فَهَبَّ لي وَحُمَيّا النَومِ تَصرَعُهُ

وَالشُكرُ يُطبِقُ مِن جَفنَيهِ ما فَتَحا

جَشَّمتُهُ وَهوَ يَثني جيدَهُ مَلَلاً

كَأساً إِذا بَسَمَت في وَجهِهِ كَلَحا

يُلقي سَناها عَلى تَقطيبِ حاجِبِهِ

أَشِعَّةً فَيُرينا قَوسَهُ قُزَحا

فَظَلَّ يَنزو وَريحَ الراحِ مُمتَعِضاً

وَيَستَشيطُ إِذا عاطَيتَهُ قَدَحا

حَتّى إِذا حَلَّتِ الكَأسُ النَشاطَ لَهُ

أَتبَعتُهُ بِثَلاثٍ تَبعَثُ الفَرَحا

وَنِلتُ مِن فَضلِها ما كانَ أَسأَرَهُ

بِقَعرِها مِن رُضابٍ نَشرُهُ نَفَحا

ريقاً لَوِ اِستاقَهُ الصاحي لَمالَ بِهِ

سُكراً وَلَو رَشَفَ السَكرانُ مِنهُ صَحا

فَقالَ لي وَغَوادي الدَمَعِ تَسبُقُني

مِنَ السُرورِ وَقَد يَبكي إِذا طَفَحا

قَد كُنتَ تَشكو فَسادَ العَيشِ مُعتَدِياً

أَنّي وَقَد طابَ بِاللَذّاتِ وَاِنفَسَحا

فَقُلتُ قَد كانَ صَرفُ الدَهرِ أَفسَدَهُ

لَكِنَّهُ بِالمَليكِ الصالِحِ اِنصَلَحا

مَلِكٌ إِذا ظَلَّ فِكرِيَ في مَدائِحِهِ

أَمسَت تُعَلِّمُنا أَوصافُهُ المِدَحا

فَضلٌ يَكادُ يُعيدُ الحُرسَ ناطَقَةً

تَتلو الثَناءَ وَلَفظٌ يُخرِسُ الفُصَحا

وَطَلعَةٌ كَجَبينِ الشَمسِ لَو لَمَعَت

يَوماً لِمُغتَبِقٍ بِالراحِ لَاِصطَبَحا

وُجودُها كَهِلالِ الفِطرِ مُلتَمَحاً

وَجودُها كَاِنهِلالِ القَطرِ مُنفَسِحا

يُخفي مَكارِمَهُ وَالجودُ يُظهِرُها

وَكَيفَ يَخفى أَريجُ المِسكِ إِذ نَفَحا

يَكادُ يَعقُمُ فِكري إِذ أُفارِقُهُ

عَنِ المَديحِ وَإِن وافَيتُهُ لَقِحا

فَما أَرَتنا اللَيالِيَ دونَهُ مِحَناً

إِلّا سَخا فَأَرَتنا كَفُّهُ مِنَحا

ثَبتُ الجَنانِ مَريرُ الرَأيِ صائِبُهُ

إِذا تَقاعَسَ صَرفُ الدَهرِ أَو جَمَحا

لا يَستَشيرُ سِوى نَفسٍ مُؤَيَّدَةٍ

مَن أَخطَأَ الرَأيَ لا يَستَذنِبُ النُصَحا

وَلا يُقَلِّدُ إِلّا ما تَقَلَّدَهُ

مِن حَدِّ عَضبٍ إِذا شاوَرتَهُ نَصَحا

وَلا يُذيلُ عَليهِ غَيرَ سابِغَةٍ

كَأَنَّما البَرقُ مِن ضَحضاحِها لُمِحا

مَسرودَةٍ مِثلِ جِلدِ الصِلِّ لَو نُصِبَت

قامَت وَلو صُبَّ فيها الماءُ ما نَضَحا

غَصَّت عُيونُ الرَدى وَالسَوءُ عَن مَلِكٍ

طَرفُ الزَمانِ إِلى عَليائِهِ طَمَحا

ما ضَرَّ مَن ظَلَّ في أَفناءِ مَنزِلِهِ

إِن أَغلَقَ الدَهرُ بابَ الرِزقِ أَو فَتَحا

يَوَدُّ باغي النَدى لَو نالَ بُلغَتَهُ

حَتّى إِذا حَلَّ في أَفنائِهِ اِقتَرَحا

لَمّا رَأى المالَ لا تَلوي عَلَيهِ يَدي

أَولانِيَ الوُدَّ إِذ أَولَيتُهُ المِدَحا

يا أَيُّها المَلِكُ المَحسودُ آمِلُهُ

وَالمُجتَدى جودُ عافيهِ لِما مُنِحا

لَوِ اِدَّعَت جودَكَ الأَفواهُ لَاِتُّهِمَت

وَلَو تَعاطاهُ لُجُّ البَحرِ لَاِفتَضَحا

حُزتَ العُلى فَدَعاكَ الناسُ سَيِّدَهُمُ

وَالكَأسُ لَولا الحُمَيّا سُمِّيَت قَدَحا

في وَصفِنا لَكَ بِالإِنعامِ سَوءُ ثَناً

وَالغَيثُ يُنقِصُهُ إِن قيلَ قَد سَمَحا

يا باذِلاً مِن كُنوزِ المالِ ما ذَخَروا

وَقابِضاً مِن صُيودِ الشُكرِ ما سَنَحا

وَمُلبِسي النَعَمَ اللاتي يُباعِدُني

عَنها الحَياءُ فَلا أَنفَكُّ مُنتَزِحا

لَئِن خَصَصتُكَ في عيدٍ بِتَهنِئَةٍ

فَما أَجَدتُ وَلا عُذري بِهِ وَضَحا

العيدُ نَذكُرُهُ في العامِ واحِدَةً

وَجودُ كَفِّكَ عيدٌ قَطَّ ما بَرِحا

لَكِن أُهِنّي بِكَ الدينَ الحَنيفَ فَقَد

أَتَيتَ لِلدينِ مَخلوقاً كَما اِقتَرَحا

فَاِسلَم فَما ضَرَّني ما دامَ جودُكَ لي

سِواكَ إِن مَنَعَ الإِحسانَ أَو مَنَحا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات