أنى شبابك قد مضى محمودا

ديوان بشار بن برد

أَنّى شَبابُكَ قَد مَضى مَحمودا

وَدَعِ الغَوانِيَ إِن أَرَدنَ صُدودا

وَصَرَمنَ حَبلَكَ بَعدَ أَوَّلِ نَظرَةٍ

وَبِما يَكُنَّ إِلى حَديثِكِ صيدا

أَيّامَ يَنبَعِثُ القَريضُ بِمَجلِسٍ

شافٍ لِدائِكَ أَو تَبيتُ عَميدا

تَصطادُ مِن بَقرِ الأَنيسِ وَتَصطَفي

كَأسَ المُدامَةِ عِندَهُنَّ رَكودا

وَلَقَد شَرِبتُ رُضابَهُنَّ عَلى الصَدا

وَعَلى الصَبابَةِ وُدَّهُنَّ بَرودا

مِن كُلِّ مُقبِلَةِ الشَبابِ كَأَنَّها

صَنَمٌ لِأَعجَمَ لا يَني مَعبودا

تُدني القِناعَ عَلى مَحاسِنِ مُشرِقٍ

كَالبَدرِ يَحفِلُ عُصفُراً وَعُقودا

وَكَأَنَّما نَظَرَت بِعَينَي شادِنٍ

حَيرانَ أَبصَرَ شادِناً مَطرودا

وَيَشُكُّ فيها الناظِرونَ إِذا مَشَت

أَتسيلُ أَم تَمشي لَهُم تَأويدا

أَرخَت عَلى قَصَبِ الرَوادِفِ فَاِنثَنَت

كَالخَيزُرانَةِ لَدنَةً أَملودا

وَكَأَنَّها شَرِبَت سُلافَةَ بابِلٍ

بِالساهِرِيَّةِ خالَطَت قِنديدا

فِتَنٌ مُبَتَّلَةٌ تَميلُ إِلى الصِبى

وَلِمَن تَصَيَّدَها تَكونُ صَيودا

وَصَفَت مَجاسِدُها رَوادِفَ فَعمَةً

وَمُهَفهَفاً قَلِقَ الوِشاحِ خَضيدا

وَعَلى التَرائِبِ زَينَهُنَّ كَأَنَّهُ

وَسنانُ جاذَبَ مَضجَعاً لِيَؤودا

وَإِذا بَدا لَكَ وَجهُها أَكبَرتَهُ

عَجَباً وَيا لَكَ في القَلائِدِ جيدا

وَكَفى بِمُضطَرِبِ العُقودِ فَإِنَّهُ

نَحرٌ يَزينُ زَبَرجَداً وَفَريدا

وَلَئِن صَدَدنَ لَقَد قَضَيتُ لُبانَةً

وَغَنيتُ دَهراً ناعِماً غِرّيدا

وَدُمىً أَوانِسُ مِن بَناتِ مُحَرِّقٍ

حورٌ نَواعِمُ أَوجُهاً وَجُلودا

أَرسَلنَ في لُطفٍ إِلَيَّ أَنِ اِئتِنا

غابَ الرَقيبُ وَما تَخافُ وَعيدا

فَأَتَيتُهُنَّ مَعَ الجَرِيِّ يَقودُني

طَرِباً وَيا لَكَ قائِداً وَمَقودا

لَمّا اِلتَقَينا قُلنَ هاتِ فَقَد مَضَت

سَنَةٌ نُؤَمِّلُ أَن نَراكَ قَعيدا

حَدِّث فَقَد رَقَدَ الوُشاةُ وَلَيتَهُم

حَتّى القَيامَةِ يَلبَثونَ رُقودا

قُلتُ اِقتَرِحنَ مِنَ الهَوى فَسَأَلنَني

طُرَفَ الحَديثِ فُكاهَةً وَنَشيدا

حَتّى إِذا بَعَثَ الأَذينُ فِراقَنا

وَرَأَيتُ مِن وَجهِ الصَباحِ خُدودا

جَرَتِ الدُموعُ وَقُلنَ فيكَ جَلادَةٌ

عَنّا وَنكرَهُ أَن نَراكَ جَليدا

فَالآنَ حينَ صَحَوتَ إِنِّي إِن أُرى

كَلِفاً فَيَرجَعُ وُدُّهُنَّ جَديدا

لا تَعصِ ذا رَشَدٍ وَيُمنِ مَشورَةٍ

وَمِنَ السَعادَةِ أَن تَكونَ رَشيدا

مَتِّع صَديقَكَ غَيرَ مُخلِقِ وَجهِهِ

وَإِذا سُئِلتَ فَلا تَكُن جُلمودا

وَفَتىً يَذُبُّ عَنِ المَتاعِ وَيَبتَغي

ما في يَدَيكَ إِذا رَآكَ مُفيدا

شَيَّعتُهُ لِيُهينَ بَعضَ مَتاعِهِ

يَوماً وَيُكرِمَ نَفسَهُ فَيَسودا

فَدَنا فَأَشرَقَ ثُمَّ أَظلَمَ وَجهُهُ

عَرَفَ الوَلاءَ فَزادَهُ تَربيدا

أَبلِغ سُراةَ بَني الحُصَينِ بِأَنَّني

قَلَّدتُهُم مِدَحي وكُنتُ وَدودا

حَمَّلتُ قَرمَهُمُ الفَنيقَ قَصائِدي

حُذّاً يَلَذُّ بِها الرُواةُ نَشيدا

وَإِذا ذَكَرتُ بَني قُتَيبَةَ أَصبَحَت

نَفسي تُنازِعُني القَريضَ جَديدا

الذائِدينَ عَنِ الحَريمِ بِجَدِّهِم

وَالمُنعِمينَ أُبُوَّةً وَجُدودا

قَومٌ لَهُم كَرَمُ الإِخاءِ وَعِزَّةٌ

لا يُمكِنونَ بِها الظَلامَةَ صيدا

تَأبى قُلوبُهُمُ المَذَلَّةَ وَالخَنا

وَأَبَت أَكُفُّهُمُ البُحورُ جُمودا

فُطُنٌ لِمَعروفٍ وَإِن لَم يَفطُنوا

لِلغَيِّ يَعرِفُهُ الخَليلُ مُعيدا

وَتَرى عَلَيهِم نَضرَةً وَمَهابَةً

شَرَفاً وَإِن مَلَكوا أَمِنتَ وَعيدا

مُتَوازِرونَ عَلى المَحامِدِ وَالنَدى

لا يَحسَبونَ غِنىً يُديمُ خُلودا

وَكَأَنَّهُم في نَحرِ كُلِّ مَخوفَةٍ

أُسُدٌ جَعَلنَ لَها المَلاحِمَ عيدا

يَغدونَ في حَلَقِ النَعيمِ وَتارَةً

في المِسكِ يُصبِحُ لِلجُلودِ جُلودا

وَمُرَفَّلينَ عَلى العَشيرَةِ أَصبَحوا

سَبقاً مَرازِبَةَ العِراقِ قُعودا

وَبَنى لَهُم مُلكاً أَطالَ عِمادَهُ

سَلَفٌ يَرَى بِمَجَرَّةٍ أُخدودا

غَيرانُ وَقَّرَ سَمعَهُ وَضَميرَهُ

وَقعُ الحَديدِ بِهِ يَشُقُّ حَديدا

تَنشَقُّ رَوعاتُ الوَغى عَن رَأسِهِ

صَلَتانَ يَفتِكُ بِالأُمورِ وَحيدا

كَم مِن عُفارِيَةٍ أَبَلَّ مُتَوَّجٍ

قَتَلَ الإِلَهُ بِهِ وَكانَ مَريدا

قادَ الجُنودَ مِن البُصَيرَةِ لِلعِدى

حَتّى وَقَعنَ بِصينِ ثَغرٍ قودا

خَيلاً مُخَفَّفَةً وَخَيلاً حُسَّراً

لا يَعتَلِجنَ مَعَ الشَكائِمِ عودا

أَنزَلنَ غَوزَكَ مِن صَياصي عِزِّهِ

ظَهراً وَكانَ غِزِيُّهُ مَجدودا

وَأَفَأنَ نِسوَةَ نَيزَكٍ وَتَرَكنَهُ

جَزَراً وَرَهطَ بَني الأَشَلِّ حَصيدا

وَحَمَلنَ رَبَّهُمُ الأَجَلَّ هَدِيَّةً

في الشاكِرَيَّةِ عانِياً مَصفودا

وَمَنَعنَ خاقانَ المَسارِحَ فَاِنثَنى

عَجِلاً يَشُلُّ سَوامَهُ مَزؤودا

وَأَقَمنَ قَتلى لِلمَقانِبِ وَالقَنا

بَعدَ الحَصانَةِ مَنهَلاً مَورودا

تِلكَ المَكارِمُ لا مَقامَ مُعَذِّرٍ

بَرَقَ الحَبِيُّ لَهُ فَحادَ مَجيدا

وَأَبو قُتَيبَةَ في الكَريهَةِ مِثلُهُ

يُعطي الجَزيلَ وَيَقتُلُ الصِنديدا

مَلِكٌ عَلى مَضَضِ العَدُوِّ مَحَلُّهُ

يُعطي الجَزيلَ وَيَقتُلُ الصِنديدا

تُهدى لَه فِلقُ الرُؤوسِ إِذا غَدا

وَإِذا تَرَوَّحَ حادِياً لِيَجودا

وَلَقَد أَقولُ لِقافِلينَ رَأَيتُهُم

بِقَفا المَسالِحِ يَقسِمونَ قَصيدا

كَيفَ الأَميرُ لِزائِرٍ مُتَخَيِّرٍ

تَرَكَ الأَقارِبَ وَالبَعيدَ بَعيدا

وُدّاً وَمُختَبِطاً وَدائِمَ عِشرَةٍ

يَسعى لِجارِيَةٍ تُريدُ نُقودا

تَأبى صَواحِبُها وَيَأبى أَهلُها

إِلّا العَلاءَ فَكَلَّفوهُ كَؤودا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات