أنى دعاه الشوق فارتاحا

ديوان بشار بن برد

أَنّى دَعاهُ الشَوقُ فَاِرتاحا

مِن بَعدِ ما أَصبَحَ جَمّاحا

ذَكَّرَهُ عَهدَ الصِبى صاحِبٌ

كانَ لَهُ إِذّاكَ مِفتاحا

أَيّامَ عَبّادَةُ مِن شَأنِهِ

إِن لَم يَزُرها باكِراً راحا

القَلبُ مَشغوفٌ بِما قَد مَضى

يَلقى مِنَ الأَحزانِ أَتراحا

وَكَيفَ لا يَصبو إِلى غادَةٍ

تَكفيكَ في الظَلماءِ مِصباحا

سَحّارَةُ العَينِ لَها صورَةٌ

جادَ عَلَيها الحُسنُ سَحّاحا

كَأَن ثَلجاً بَينَ أَسنانِها

مُستَشرِكاً راحاً وَتُفّاحا

كاتَمتُ ما أَلقى إِلى وَجهِها

حَتّى إِذا عَذَّبَني باحا

كَفى خَليلَيَّ هَوىً شَفَّني

لا يَعدِمُ الناصِحُ أَنصاحا

قولا لِمَن لَم تَرَيا مِثلَهُ

في مَحفَلٍ جِسماً وَأَلواحا

كُرّي لَنا العَيشَ الَّذي قَد مَضى

ما كانَ ذاكَ العَيشُ ضَحضاحا

لا كُنتُ إِن كُنتُ تَناسَيتُكُم

لِهائِجٍ بَعدَكُمو ناحا

في حُلَّتي جِسمُ فَتىً ناحِلٍ

لَو هَبَّتِ الريحُ لَهُ طاحا

كانَ الشَقا حُبّي مَدينِيَّةً

راحَت بِها دارٌ وَما راحا

أَرعى بِها النَجمَ وَما رَغبَتي

نَجماً بِطَرفِ العَينِ لَمّاحا

أَذابِحي الشَوقُ إِلى قُربِها

ما كانَ ذاكَ الشَوقُ ذَبّاحا

لَم أَنسَ ما قالَت وَأَترابُها

في مَعرِكٍ يَنظِمنَ مِسباحا

أَقلِل مِنَ الطيبِ إِذا زُرتَنا

إِنّي أَخافُ المِسكَ إِن فاحا

لا تَترُكَنّا غَرَضاً لِلعِدى

إِن كُنتَ لِلأَهوالِ سَبّاحا

لَم أَدرِ أَنَّ المِسكَ واشٍ بِنا

إِنَّ حارَ بابُ الدارِ مِسباحا

فَسَمَّحَت أُخرى وَقالَت لَها

لا تَحرِما ما كانَ إِصلاحا

لا بُدَّ مِن طيبٍ لِمُعتادِهِ

يَغدو بِهِ نَفساً وَأَرواحا

كَم لَيلَةٍ قَد شَقَّ إِصباحُها

عَنّا نَعيماً كانَ زَحزاحا

لَم نَنبَسِط فيهِ إِلى مُحرَمٍ

حَتّى رَأَينا الصُبحَ وَضّاحا

إِلّا حَديثاً مُعَجِباً أُنسُهُ

أَكبَرتُهُ غُنماً وَأَرباحا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات