أما لو علمنا أنه ينطق الرسم

ديوان لسان الدين بن الخطيب

أَمَا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَنْطِقُ الرَّسْمُ

وَلَمْ يَبْقَ يَوْماً مِنْ مُسَمَّاهُ إِلاَّ اسْمُ

وَأَنَّ سُؤَالَ الرَّبْعِ يَنْقَعُ غُلَّةً

فَيَحْصُلُ مِنْ أَنْبَاءِ مَنْ ظَعَنَ الْعِلْمُ

لَطَالَ وُقُوفٌ وَاسْتَهَلَّتْ مَدَامِعٌ

وَبُثَّ غَرَامٌ طَالَمَا صَانَهُ كَتْمُ

وَلَكِنَّهُ جِسْمٌ تَحَمَّلَ رُوحَهُ

وَمَهْمَا تَوَلَّى الرُّوحُ لاَ يُسْأَلُ الْجِسْمُ

وَحَتَّى مَتَى شُغْلٌ بِمَا شَاءَهُ الْهوَى

وَكَيْفَ بِعَزْمٍ بَعْدَ مَا خُذِلَ الْعَزْمُ

لَهَا اللهُ مِنْ نَفْسٍ شُعَاعٍ وَمُهْجَةٍ

هِيَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ يُثْبِتُهُ السَّهْمُ

يَصُولُ عَلَيَّ الشَّوْقُ صَوْلَةَ جَائِرٍ

إِذّا اغْتَاظَ لاَ عَفْوٌ لَدَيْهِ وَلاَ نَظْمُ

وَيَنْفِرُ عَنْ عَيْنِي الْمَنَامُ كَأَنَّمَا

قَطاً صَدَّهُ عَنْ وِرْدِ مَشْرِعِهِ سَهْم

وَيُسْلِمُنِي الصَّبْرُ الْجَمِيلُ إِلَى الْجَوَى

فَتَعْرُونِي الْبُؤَسَى وَيَكْسُونِي السُّقْمُ

لَقَدْ شَقِيتْ طَوْعَ الصَّبَابَةِ أَنْفُسٌ

حَبَا الرُّشْدُ مَثْوَاهَا وَبَايَنَهَا الْحِلْمُ

وَمَا فَتِئتْ أَنْ أَمْكَنَتْ مِنْ قِيَادِهَا

يَداً سَاءَ فِي الأَمْلاَكِ مِنْهَا لَهَا حُكْمُ

تُمَنِّي بِورْدِ الظَّلْمِ غُلَّةَ هَائِمٍ

وَمَا هُوَ إِلاَّ الظَّلْمُ أَوْ دُونَهُ الظَّلْمُ

وَتَهْلِكُ دُونَ الشَّهْدِ شَأَنَ ذُبَابَةٍ

وَمِنْ دُونِ ذَاكَ الشَّهْدِ لَمْ تَشْعُرُ السُّم

عَلاَقَةُ وَهْمٍ فِي الْخَيَالِ تَحَكَّمَتْ

وَيَا شَدَّ مَا يَجْنِي إِذّا اسْتَحْكَمَ الْوَهْمُ

إِذَا لَمْ يَقُدْهَا بِالْغَرَامِ وُجُودُهَا

إِلَى عَدَم أَلْوَى بِمَوْجُودِهَا الْعُدْمُ

فَكُنْ لِلْمَعَالِي وَالْفَضَائِلِ عَاشِقاً

وَإِنْ عَسُرَ الْمطْلُوبُ أَوْ ثَقُلَ الْعَزْمُ

خِلاَلُ النَّدَى وَالْبَأَسِ تَسْتَلْزِمُ الثَّنا

إِذَا مَا تَسَنَّى لاِمْرِئٍ مِنْهُمَا قَسْمُ

وَلاَ يُشْهِرُ الإِنْسَانَ إِلاَّ امْتِيَازُهُ

بِفَضْلٍ فَلَوْلاَ الْخَمْرُ مَا كَرُمَ الْكَرْمُ

فَلاَ دَرَّ إِلاَّ دَرُّ مُكْتَمِلِ النُّهَى

بِغَيْرِ الْمَعَالِي لاَ يُرَى وَهْوَ مُهْتَمُّ

أَعَارَ جَنَابَ اللَّهْوِ صَفْحَة مُعْرِضٍ

وَعَافَ الْهَوَى وِرْداً وَإِنَ عَذُبَ الطَّعْمُ

وَأَضْرَبَ عَنْ خَطِّ الْهَوَى عِنْدَمَا اسْتَوَى

وَقَدْ أَجْمَلَتْ جُمْلٌ وَقَدْ أَنْعَمَتْ نُعْمُ

حَمَى سَاحةَ الطَّبْعِ الْعَفِيفِ كَمِثْلِ مَا

حَمَى سَاحَةَ الْمُلْكِ الْمُنِيفِ أَبُو حَمُّو

وَمَا هُنَّ فِي الَّتحْقِيقِ إِلاَّ صَفَاتُهُ

بِهِنَّ إِلَى إِطْرَائِهِ اسْتَطْرَدَ النَّظْمُ

وَمَنْ مِثْلُهُ قَدْ أَعْجَزَ الدَّهْرَ مِثْلُهُ

إِ ذَا ذُكِرَ الْعَزْمُ الصَّرِيحُ أَوِ الْحَزْمُ

أَوِ الدِّينُ مَرْفُوعاً عَلَى عَمَدِ التُّقَى

أَوِ الْكلِمُ الْحِكْمِيُّ يُشْفَى بِهِ الْكَلْمُ

يَغُضُّ عَن الطَّيْفِ الْمُلِمِّ لِعِفَّةٍ

وَفَضْلِ حَيَاءٍ لاَ يَكِيدُهُمَا الْحِلْمُ

وَيُخْجِلُ سُحْبَ الْغَيْثِ فَالْبَرْقَ خَجْلَةً

إِذَا مَا هَمَى فِي كَفِّهِ وَابِلٌ سَجْمٌ

وَيُسْمِعُ يَوْمَ الْخَطْبِ خُطْبَةَ فَيْصَلٍ

وَمِنْ ضَرْبِهِ نَثْرٌ وَمِنْ طَعْنِهِ نَظْمُ

غَنِيٌّ بِتَصْهَالِ الْجِيَادِ عَنِ الْقَنَا

فَلاَ الزِّيرُ يَسْتَهْوِي نُهَاهُ وَلاَ الْبَمُّ

وَبِالْبِيضِ رَاقَ الْوَسْمُ فَوْقَ صِفَاحِهَا

عَنِ الْبِيضِ يُصْبِي فِي مَعَاصِمِهَا الْوَشْمُ

إِذَا مَا بَنَى يَوْماً بنَاءَ صَنِيعَةٍ

تَعَاهَده مِنْهُ التَّفَقُّدُ وَالرَّمُّ

وَمَهْمَا اسْتَلَّتْ فِي الرِّقَابِ حُقُوقُهُ

فَلاَ يُعْدَمُ الإِبْرَاءُ فِيهَا وَلاَ الْهَضْمُ

وَيُعْلِمُ ثَوْبَ الْمَجْدِ بِالْخُلُقِ الرِّضَى

كَمَا يُعْلِمُ الثَّوْبَ الطِّرَازُ أَوِ الرَّقْمُ

وَجَاءَتْ بِهِ الدُّنْيَا النَّزُورُ فَأَنْجَبَت

وَأَرْحَامُهَا فِي مِثْلِهِ شَأَنُهَا الْعُقْمُ

أَجَلُّ الْمُلُوكِ الصِّيدِ ذَاتاً وَمَحَتِداً

فَمَا فَوْقَهُ مَسْمىً لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَسْمُو

وَفَخْرُ بَنِي زَيَّانَ يُحُضِرُ إِنْ خَطَوْا

وَيُسْرِعُ إِنْ أَبْطَوْا وَيَمْضِي إِذَا هَمُّوا

فَلَوْلاَ وَلِيُّ الْعَهْدِ مَا ضَلَّ قَائِلٌ

بِهِ الْبَدْءَ فِي عَلْيَائِهِمْ وبِهِ الْخَتْمُ

وَلَكِنَّهُ إِرْثٌ قَدِيمٌ وَحَادِثٌ

وَمَنْبِتُ فَضْلٍ لَيْسَ يُزْرَى لَهَ جِذْمُ

وَإِنَّ بَنِي زيَّانَ فِي أُفُقِ الْعُلَى

لأَنْجُمُ هَدْيٍ كُلَّمَا أَفَلَ النَّجْمُ

غُيُوثٌ إِذَا أَعْطَوْا لُيُوثٌ إِذَا سَطَوْا

أَهِلَّةُ هَالاَتِ الْبَهَاءِ إِذَا اعْتَمُّوا

أَمُعْمِلَهَا فِي حَوْمَةِ الْجُودِ غَارَةً

تَأَزَّرَ فِيهَا النَّصْرُ وَاسْتَبْحَرَ الْغُنْمُ

وَوَقَّادَهَا فِي هَضْبَةِ الْحَرْبِ جِذْوَةً

رَمَتْ شَرَراً يَشْقَى بِهِ الْعُرْبُ وَالْعُجْمُ

تَبَارَكَ مُعْطِيكَ الْكَمَالَ كَأَنَّمَا

تَصَوَّرْتَ مُخْتَاراً وَكَانَ لَكَ الْحُكْمُ

ظَهَرْتَ وُجُوداً وَاحْتَجَبْتَ لَطَافَةً

كَأَنَّكَ رُوحٌ لاَ يُصَاحِبُهُ جِسْمُ

يَقُولُونَ مُمْتَازٌ بِنِصْبَةِ مَوْلِدٍ

وَمَا إِنْ يُنِيلُ الْحَظَّ شَمْسٌ وَلاَ نَجْمُ

وَمَا هِيَ فِي التَّحْقِيقِ إِلاَّ مَوَاهِبٌ

مِنَ اللهِ قَبْلَ الْكَوْنِ عَيَّنهَا الْقَسْمُ

أَمُوسَى لَقَدْ أَمْسَى حَدِيثُكَ فِي الْوَرَى

صَحَائِفَ تُتْلَى مَا لِشَائِعِهَا كَتْمُ

عَلَى قَدَر قَدْ جِئْتَ قَوْمَكَ عِنْدَمَا

تَنَاهَتْ بِهَا الْبُؤسَى وَأَجْهَدَهَا الأَزْمُ

طَلَعْتَ لَهَا فِي الْجُنْحِ شَمْساً مُنِيرَةً

فَأَشْرَقَتِ الأَرْجَاءُ وانْفَرَجَ الْغَمُّ

وَجَدَّدْتَ فِيهَا دَوْلَةً مُوسَويَّةً

سَجِيَّتُهَا عَدْلٌ وَشِيمَتُهَا حِلْمُ

أَبُو تَاشَفِينٍ حَدُّهَا وَحُسَامُهَا

فَقَدْ صَحَّ مِنْهَا الْحَدُّ فِي الْمَجْدِ وَالرَّسْمُ

فَأَنْتَ بِهَا لاَزِلْتَ شَمْسَ ظَهِيرَةٍ

وَهَا هُوَ فِي إِمْدَادِكَ الْقَمَرُ التِّمُّ

أَمَا وَالَّذِي أَغْنَى أقنى وَمَنْ لَهُ

مِنَ النَّسِمِ الرُّجْعَى بَلَى وَلَهُ الْحُكْمُ

وَمَنْ أَوْجَد الْكَوْنَ اخْتِرَاعاً وَلَمْ يَكُنْ

مِثَالٌ لَهُ يُحْذَى عَلَيْهِ وَلاَ رَسْمُ

وَدَارَ الْمُحِيطُ الْمُسْتَدِيرُ بِأَمْرِهِ

عَلَى قُطُبٍ بَادٍ وَإِنْ عَظُمَ الْجِرْمُ

وَمَنْ سَجَدَ الْخَلْقُ اعْتِرَافاً لِعِزِّهِ

فَلاَ شَجَرٌ يَأَبَى السُّجُودَ وَلاَ نَجْمُ

لَقَدْ فُزْتَ بِالْقِدْحِ الْمُعَلَّى مِنَ الْهُدَى

وَسَلَّمَ فِي الْحَقِّ الصَّرِيحِ لَكَ الْخَصْمُ

وَبَانَتْ لِرَبِّ الْخَلْقِ فِيكَ عِنَايَةٌ

وَآيَاتُ لُطْفٍ لاَ يُخَيِّلُهَا الْحِلْمُ

فَكَمْ فُتَّ مِنْ خَطْبٍ وَجَاوَزْتَ مِنْ رَدىً

تَذُوبُ لِمَجْرَاهُ الْمُلَمْلَمَةُ الصُّمُّ

فَمَا كُنْتَ إِلاَّ دُرَّةَ الْمَجْدِ كُلَّمَا

تَرَدَّدَ فِيهَا الْوَصْفُ لَمْ يُعْرَفِ الْوَصْمُ

وَياقُوتَةً قَدْ مَحَّصَ الدَّهْرُ سِنْخَهَا

صَلِيّاً فَلاَ ثَلْبٌ لَدَيْهَا وَلاَ ثَلْمُ

عَلِقْتَ بِحَبْلِ اللهِ كَفّاً تَمَكَّنَتْ

مِنَ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي مَا لَهَا فَصْمُ

وَقَدْ ذَغَرَ الْعُرْبَانَ مِنْكَ غَضَنْفَرٌ

أَزَلُّ عَريضُ الصَّدْرِ سَاعِدُهُ فعْمُ

وَمُلْتَفِتٌ عَنْ حُذْوَتَيْنِ إِذَا هَوَى

أَوانْقَضَّ قُلْتَ الشُّهْبُ يَقْدُمُهَا الرَّجْمُ

إِذَا ضَمَّ أَبْطَالَ الْهِيَاجِ مُعَانِقاً

فَكَمْ مُفْرَدٍ أَوْدَى عَلاَمَتُهُ الضَّمُّ

فَقُلْ لَهُمُ لِلْحَقِّ فِي الْخَلْق صَوْلَةٌ

وَلَوْ نَفَرَتْ يَاجُوجُ وَارْتَفَعَ الرَّدْمُ

وَلَوْ أَجْلَبَتْ لِلْحَرْبِ عَادٌ وَجُرْهُمُ

وَلَبّتْ جَدِيساً إِذْ دَعَتْ أُخْتُهَا طَسْمُ

وَلَوْ أَقْسَمَتْ أَنْ تَغْلِبَ الْجَمْعُ تَغْلِبٌ

وَتَنْسِفَ جِرْمَ الأَرْضِ إِنْ حَمَلَتْ جَرْمُ

وَرَاءَ كُمُ عَمَّا أَرَدْ تُمْ فَإِنَّهَا

لَدَائِرَةٌ فِي الرَّأيِ دَاخَلَهَا الْخَرْمُ

مَتَى تَرْجَحُ الشُّهُبَ الْحَصَى لاِفْتِخَارِهَا

بِكَثْرَتِهَا أَوْ تَذْعَرَ الأُسُدَ الْبَهْمُ

فَلَوْلاَ التَّغَاضِي جَبَّ غَارِبَهَا الرَّدَى

وَلَوْلاَ التَّجَافِي عَاثَ فِي ظَهْرِهَا الْقَصْمُ

لِمُوسَى أَبِي حَمُّو بْنِ يُوسُفَ آيَةٌ

وَبُرْهَانُ صِدْقٍ لاَ يُعَانِدُهُ خَصْمُ

وَرُبّتَمَا نَل الْمُسَمَّى مِنِ اسْمِهِ

نَصِيبٌ عَلَى حُكْمِ الْعِنَايَةِ أَوْ قَسْمُ

أَدَالَ مِنَ الْبُؤسَى وَنَجَى مِنَ الرَّدَى

فَعَمَّتْ بِهِ فِي قَوْمِهِ النِّعَمُ الْعُمُّ

وَأَنْقَذَهُمْ مِنْ حَيْرَةِ التِّيهِ بَعْدَمَا

تَقَطَّعَتِ الاسْبَابُ وَانْتَثَرَ النَّظْمُ

وَهَشَّ عَلَى يَمِّ الشَّدَائِدِ بَالْعَصَا

وَوَافَقَ إِذْنَ اللهِ فَانْفَرَقَ الْيَمُّ

لَكَ اللهُ مِنْ مَبْنى عَلَى مَشْرقِ السّنَا

حَرَامٌ عَلَى أًرْكَانِهِ الْهَدُّ وَالْهَدْمُ

وَمِنْ جَبَلٍ لِلْحِلْمِ أَشْرَفَ وَاعْتَلَى

فَدَانَتْ لَهُ بِالْعِزَّةِ الْقُلَلُ الشُّمُّ

لَكَ اللهُ مِنْ قَلْبٍ لَهُ خُلِقَ الْهُدَى

لَكَ اللهُ مِنْ كَفٍّ لَهَا خُلِقَ اللَّثْمُ

لَكَ اللهُ مِنْ وَجْهٍ وَجِيهٍ يَجِلُّ عَنْ

شَبِيهٍ فَلاَ فَظُّ اللِّقَاءِ وَلاَ جَهْمُ

لَهُ الْحُسْنُ خَالٌ وَالْقَبِيلُ قَبيلَةٌ

وَمِنْ مَحْتِدِ الْفضْلِ الْمُبِينِ لَهُ عَمُّ

إِذَا زَعَمَتْ شَمْسُ الظَّهِيرَةِ أَنَّهُ

أَخُوهَا بِلا شَكٍّ فَقَدْ صَدَقَ الزَّعْمُ

تُوَالِى مَنِ اسْتَرْعَيْتَ أَمْناً وَرَأَفَةً

وَرِفْقاً كَمَا تَحْنُو عَلَى الْمُرْضِعِ الأُمُّ

وَتَبْلُغُ أَعْنَانَ السَّمَاءِ بِهِمَّةٍ

بِغَيْرِ جَمِيلِ الذِّكْرِ لَيْسَ لَهَا هَمُّ

وَتُوجِفُ مَنِ فَصْلِ الْخِطَابِ لِغَايَةٍ

أَنَافَتْ وَجَلَّتْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا وَهْمُ

وَتُصْمِي رَمَايَا الْغَائِبَاتِ بَفِكْرَةٍ

يُسَدِّدُهَا التَّقْوَى وَيُنْجِدُهَا الْعِلْمُ

كَمَالٌ وَلاَ نَقْصٌ وَرُشْدٌ وَلاَ هَوىً

وَمَنْحٌ وَلاَ مَنْعٌ وَحَمْدٌ وَلاَ ذَمُّ

وَمَاشِئْتَ مِنْ فَضْلِ وَلُطْفِ سِيَاسَةٍ

يُطِيعُ بِهَا الْعَاصِي وَتُسْتَنْزَلُ الْعُصْمُ

وَمَعْقِدُ مُلْكٍ طَالِبِيٍّ نِجَارُهُ

عُلاَهُ مُرَدىٍّ بِالْمَهَابِةِ مُعْتَمُّ

مَلِيءٌ بِأَوْصَافِ الإِمَامِ بِمِثْلِهِ

وَلاَ مِثْلَ مَنْ يَبْغِي الإِمَامَةَ يَأتَمُّ

إِذَا اجْتَمَعَ الإِقْدَامُ وَالرَّأيُ وَالتُّقَى

وَسَاعَدَ سَعْدٌ وَاسْتَقَلَّ بِهِ عَزْمُ

وَلاَحَتْ بآفَاقِ السَّمَاحِ مَخِيلَةٌ

مِنَ الْجُودِ يَتْلُو بَرْقَهَا الْعَارِضُ السَّجْمُ

وَقَامَ عَلَى التَّقْوَى بِنَاءَ سِيَاسِيةٍ

يُمَهِّدُ مِنْ آسَاسِ أَرْكَاَنِهَا عِلْمُ

وَرَفَّتْ عَلَيْهَا نِسْبَةٌ طَالِبِيَّةٌ

فَلَيْسَ ظَلاَمٌ فِي الْوُجُودِ وَلاَ ظُلْمُ

هَنِيئاً لِضَيْفٍ فِي ذَرَاكَ قَرَارُهُ

بِحَيْثُ النَّوالُ الْغَمْرُ وَالْكَرَمُ الْجَمُّ

فَآمَالُهُ لِلْفِكْرِ نَصْبٌ وَعَيْشُهُ

كَمَا شَاءَ هُ خَفْضٌ وَطَاعَتُهُ جَزْمُ

أَطِيَّةَ تَهْجِيِري وَبَاعِثَ رِحْلَتِي

فَلَوْلاَكَ لَمْ يُذْكَرْ عِقَالٌ وَلاَ خَطْمُ

أَتَتْكَ عَلَى حُكْمِ الْوِدَادِ غَرِيبَةً

نَتِيجَةَ فِكْرٍ لاَ يَبينُ لَهَا رَسْمُ

وَهَلْ مِنَّةٌ تُرْضِي إِذَا كَلَّتِ الْقُوَى

وَبَانَ اشْتِعَالُ الرَّأَسِ أَوْ وَهَنَ الْعَظْمُ

عَلَى أَنَّهَا الْبُرْدُ الْيَمَانِيُّ كُلَّمَا

تَقَادَمَ أَهْوَى نَحْوَهُ اللَّثْمُ وَالشَّمُّ

وَأُذِْر مَهْمَا رِييءَ أَرْضٌ بَعِيدَةٌ

وَبَانَ لَهُ فَضْلٌ وَرَاقَ لَهُ رَقْمُ

فَلَوْ زَمَنُ ابْنِ الْجَهْمِ أَشْرَقَ بِشْرُهُ

لَمَا سُرَّ بِ ابْنِ الْجَهْمِ وَالِدُهُ الْجَهْمُ

وَلَوْ نُشِرَ الطَّائِي يَوْمَ اجْتِلاَئِهَا

لَجَلَّلَهُ مِنْ أَجْلِ إِيثَارِهَا غَمُّ

جَعَلْتُكَ مَرْمَى هِمَّتِي وَمُؤَمَّلاً

لِنَيْلِ الَّتِي مَا همّنا غَيْرهَا هَمُّ

وَقَوَّضْتُ رَحْلِي عَنْ بِلاَدٍ نَبَا بِهَا

مِهَادِي إِلَى حَيْثُ السَّلاَمَةُ وَالسِّلْمُ

وَمَا كُنْتُ أَخْشَى الْجَوْرَ فِي حُكْمِ جِيرَةٍ

أَجَرْتُهُمُ فَاعْتُدَّ ذَلِكَ لِي جُرْمُ

آتَيْتُهُمُ بِالصُّبْحِ لَكِنَّهُمْ عَمُوا

وَآذَنْتُهُمْ بِالصلْحِ لَكِنَّهُمْ صَمُّوا

سَأَذْكُرُهُمْ حَيْثُ احْتَلَلْتُ وَإِنْ نَسُوا

وَأَمْدَحُهُمْ مَهْمَا قَدَرْتُ وَإِنْ ذَمُّوا

وَأَنْتَ لَهَا مِنْ بُغْيَةٍ مَطَلَتْ بِهَا

صُرُوفُ زَمَانٍ نَالَ أَنْفِي لَهَا رَغْمُ

إِلِى أَنْ أُقَضَّى فِي مُنَى الْفَوْزِ بِالْمُنَى

وَيَثْبُتُ فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ لِي سَهْمُ

فَيَا مَنْ رَآنِي وَالْحُدَاةُ مُرِنَّةٌ

بشِعْرِي إِذَا مَا زَمْزَمَ الْقَوْمُ أَوْ زَمُّوا

تَخُبُّ بَرِحْلِي كُلُّ شَاكِيَةِ الْوَجَى

هِيَ الْقَوْسُ تَرْمِي الرُّكْنَ رَاكِبُهَا سَهْمُ

حَمَتْهَا النَّوَى قُرْبَ الْقَضِيمِ أَوِ النَّوَى

فَلَمْ تَبْقَ إِلاَّ جِلْدَةٌ تَحْتَهَا عَظْمُ

وَقَدْ حُطَّ كُوِي فِي جِوَارِ مَثَابَةٍ

بِهَا تُكْتَبُ الزُّلْفَى وَيُغْتَفَرُ الإِثْمُ

وَكَانَ مَحَجُّ الْبَيْتِ بَدْئِي وَبَعْدَهُ

بِقَصْدِ رَسُولِ اللهِ يُسِّرَ لِي خَتْمُ

وَلِم لاَ يَنَالُ السؤُلَ عِنْدَكَ قَاصِدٌ

وَمِثْلُكَ مَنْ لمْ يُخْطِ قَاصِدَهُ غُنْمُ

فَلاَزِلْتَ فِي عِزٍّ مَنِيعٍ جَنَابُهُ

مُطِلٌّ عَلَى الأَيَّامِ مَنْكِبُهُ الضَّخْمُ

لِذِكْرِكَ فِي الآفَاقِ عَرْفٌ مُؤَرَّجٌ

كَمَا انْتُشِقَ الرَّيحَانُ وَالرَّوْحُ يُشْتَمُّ

وَمَثْوَاكَ مَقْصُودٌ وَحُبُّكَ طَاعَةٌ

وَأَمْرٌ عَلَى الأَعْيَانِ مُفْتَرَضٌ حَتْمُ

أَعَدْتَ عَلَى الأَيَّامِ رَوْنَقَ بِشْرِهَا

فَمَنْظَرُهَا بَادِي الْكَآبَةِ مُغْتَمُّ

وَصَارَتْ لَيَالِي الدَّهْرِ غُرّاً وَجُوهُهَا

وَنَاصِعَةً أَوضَاعُهَا وَهْيَ الدُّهْمُ

فَدُمْ مَا بَدَا صُبْحٌ وَدُمْ مَا دجَا دُجىً

وَدُمْ مَا هَمَى غَيْثٌ وَدُمْ مَا بَدَا نَجْمُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات