أما ذعرت بنا بقر الخدور

ديوان الشريف الرضي

أَما ذُعِرَت بِنا بَقَرُ الخُدورِ


وَغِزلانُ المَنازِلِ وَالقُصورِ


عَشِيَّةَ ما التَفَتنَ عَلى رَقيبٍ


وَلا اِستَحيَينَ مِن نَظَرِ الغَيورِ


أَما وَاللَهِ لَو أَطلَقتُ شَوقي


لَفاضَ عَلى التَرائِبِ وَالنُحورِ


أَكُنتَ مُعَنِّفي لَمّا التَقَينا


عَلى وَطَرٍ مِنَ الدِمَنِ الدُثورِ


نَبُلُّ مِنَ الدُموعِ عَلى زَفيرٍ


مَراتِعَ ذَلِكَ الظَبيِ الغَريرِ


وَقَد أَظما الهَوى مِنّا قُلوباً


كَرَعنَ مِنَ الصَبابَةِ في غَديرِ


وَلِلسَيرِ اِلتِدامٌ في المَطايا


وَلِلبَينِ اِحتِدامٌ في الصُدورِ


أَحينَ جَذَبتُمُ الأَوطانَ عَنّا


بِأَعناقِ المُخَطَّمَةِ النَفورِ


وَجَدنَ الشَجوَ في نَغَمِ الأَغاني


وَنَشوَ الشَوقِ في نُطَفِ الخُمورِ


بَواقينا تُتَيَّمُ بِالمَواضي


وَزائِرُنا يَتيهُ عَلى المَزورِ


سَقى اللَهُ البِطاحَ وَما تَصَدّى


لَنا بَينَ الخَوَرنَقِ وَالسَديرِ


وَآراماً بَرامَةَ كُلَّ غَيثٍ


تَمَلَّسَ مِن سَحائِبِهِ مَطيرِ


فَفيها هَزَّني أَرَجُ الخُزامى


وَأَعداني عَلى نارِ الهَجيرِ


قَبَضتُ يَدَ السَحابِ بِفَيضِ دَمعي


وَأَسكَتُّ الحَمايِمَ بِالزَفيرِ


رَكِبتُ إِلَيكَ أَعجازَ اللَيالي


أَخوضُ مِنَ المَساءِ إِلى البُكورِ


وَفِتيانٍ تَهُزُّهُمُ المَذاكي


بِأَطرافِ الحَمايِلِ وَالسُيورِ


فَجِئتُكَ راكِباً صَهَواتِ دَهرٍ


كَثيرِ وَقائِعِ الجَدِّ العَثورِ


لَحى اللَهُ اِمرَأً يَنضو حُساماً


فَيَجبُنُ وَهوَ مَلآنُ الضَميرِ


أَما في هَذِهِ الدُنيا نَجيبٌ


يُساعِدُني عَلى حَربِ الدُهورِ


فَنَشرَبَ آجِنَ الغُدرانِ فيها


إِذا ما الذُلُّ حامَ عَلى النَميرِ


وَنَلقى أَشهَبَ الأَمواهِ تَرمي


بِرَغبَتِنا إِلى شِبهِ البُحورِ


أَبيتُ إِذا المَطامِعُ أَيقَظَتني


أُلا حِظهُنَّ عَن طَرفٍ كَسيرِ


وَأَملَأُ مُقلَتَيَّ مِنَ العَوالي


إِذا اِمتَلَأَت مِنَ العَلَقِ الغَزيرِ


وَيُعجِبُني أَطيطُ الرَحلِ تَرمي


أَزِمَّتُهُ السُهولَ إِلى الوُعورِ


وَلا أَرضى مُصاحَبَةَ الهَوَينا


إِلى طُرُقِ المَطالِبِ وَالشُقورِ


وَيَصحَبُني ذُؤالَةُ مُستَريباً


بِشَخصي في الأَماعِزِ كَالخَفيرِ


لِأَنّي ما تَحَيَّفَني زَمانٌ


فَأَحوَجَني الحُسامُ إِلى نَصيرِ


وَلا اِقتَضَتِ الهَواجِرُ لَثمَ خَدّي


فَماطَلَها لِثامي عَن سُفوري


وَكُنتُ إِذا تَوَعَّدَني قَبيلٌ


وَرَبّى الطِعنَ في البيضِ الذُكورِ


رَمَيتُهُم بِمُحتَبِلِ الأَعادي


وَقاطِعِ حَبوَةِ المَلِكِ الخَطيرِ


كَأَنّي لَم أَشُقُّ عَلى اللَيالي


بِحَربٍ أَو خِصامٍ أَو مَسيرِ


وَلاأَضحَكتُ سَيفي في جِهادٍ


يُمَزِّقُ عَنهِ تَعبيسَ الثُغورِ


غَديري مِن بِلادٍ لَيسَ تَخلو


سِوائي مِن مَليكٍ أَو أَميرِ


تَضَنَّ وَقَد ضَنَنتُ فَما أَراها


بِعَينِ المُستَعيرِ وَلا المُعيرِ


إِذا أَدنَيتُ رِجلي مِن ثَراها


فَزِعتُ بِها إِلى قَتَدِ البَعيرِ


أَرى تَركَ الصَلاةِ بِها حَلالاً


فَما أَمتاحُها ماءَ الطَهورِ


وَكَيفَ تَتِمُّ في بَلَدٍ صَلاةٌ


وَجُلُّ بِقاعِهِ قِبَلَ الفُجورِ


أُلاحِظُ في جَوانِبِها رِجالاً


فَأَعرِفُ مَن أَرى غَيرَ النَظيرِ


تُغَمِّضُ عَن وُجوهِهِمُ الدَراري


وَتُسحَبُ فيهِمُ غُرَرُ البُدورِ


عَلَت أَصواتُهُم صَوتي وَلَكِن


صَهيلُ الخَيلِ يُطرِقُ لِلهَريرِ


مَضَوا إِلّا بَقايا سَوفَ تَمضي


وَشَرُّ القَومِ شَذَّ عَنِ القُبورِ


وَما زالَت جِمامُ الماءِ تَفنى


وَتُختَمُ مَدَّةُ الثَمَدِ الجَرورِ


وَنِكسٍ شاطَرَتهُ مِنَ اللَيالي


يَدٌ عَن شيمَتي كَرَمٍ وَخَيرِ


فَأَصبَحَ لا يَرى لِلمالِ عِتقاً


وَتَملِكُ كَفُّهُ رِقَّ البُدورِ


تَخَيَّلَ ضَوءَ دِرهَمِهِ الأَماني


مَضاجِعَ هامَةِ القَمَرِ المُنيرِ


صَحِبنا الدَهرَ وَالأَيّامُ بيضٌ


وَنَحنُ نَواضِرٌ سودُ الشُعورِ


فَلَمّا اِسوَدَّتِ الدُنيا بَرَزنا


لَها بيضَ الذَوائِبِ بِالقَتيرِ


تَميلُ عَلى مَناكِبِنا اللَيالي


بِأَلوانِ الغَدائِرِ وَالضُفورِ


وَنَرسُبُ في مَصائِبِها وَنَطفو


لِغَيرِ بَني أَبينا بِالسُرورِ


إِذا لَحَظَت عَزائِمُنا التَقَينا


إِلى مُقَلٍ مِنَ الأَيّام حورِ


تُرينا في جِباهِ الأُسدِ ذُلّاً


وَفي حَدَقِ الأَراقِمِ كَالفُتورِ


أَقولُ لِناقَتي وَاليَومُ يَملا


إِناءَ البيدِ مِن ماءِ الحُرورِ


وَقَد سَحَبَت ذَوائِبَها ذُكاءٌ


عَلى قِمَمِ الجَنادِلِ وَالصُخورِ


نَمُرُّ عَلى الظِباءِ مُكَنِّساتٍ


كَما قَطَنَ العَذارى في الخُدورِ


تُعاتِبُها المَراتِعُ في الفَيافي


وَيَشكوها الكِباثُ إِلى البَريرِ


إِذا بابُ الحُسَينِ أَضافَ رَحلي


أَذُمُّ عَلى المَطِيِّ مِنَ المَسيرِ


فَثَمَّ الغَيثُ مَعقودُ النَواصي


وَليثُ الغابِ مَحلولُ الزَئيرِ


أَطالَ العُشبَ مِن سُرَرِ الرَوابي


وَحَطَّ الماءَ في قِطَعِ الصَبيرِ


سَماحٌ في جَوانِبِهِ إِباءٌ


كَحُسنِ الماءِ في السَيفِ الشَهيرِ


فَطىً يَصلى بِأَطرافِ المَواضي


وَنارُ الحَربِ طائِشَةُ السَعيرِ


وَيَمشُقُ بِالعَوالي في الهَوادي


وَطُرسُ اليَومِ مُختَلِطُ السُطورِ


يَرُدُّ الشَمسَ مَطروفاً سَناها


وَقَد حُجِبَت بِأَجنِحَةِ النُسورِ


هُمامٌ جَرَّ أَرسانَ المَعالي


إِلَيهِ وَطاسَ أَطنابَ الأُمورِ


يُشاوِرُ وَهوَ أَعلَمُ بِالقَضايا


فَيَسبُقُ رَأيُهُ قَولَ المُشيرِ


وَيُفرِغُ صائِباتِ الرَأيَ فيها


كَإِفراغِ النِبالِ مِنَ الجَفيرِ


رَمى بِالنارِ في ثَغرِ الدِياجي


وَأَدَّبَ شيمَةَ الكَلبِ العَقورِ


لَمَزؤودٍ تَقاذَفُهُ المَطايا


وَيُسنِدُهُ إِلى ظَهرٍ حَسيرِ


عَلى ظَلماءَ قابِضَةٍ إِلَيهِ


بِلَحظِ المُجتَلي وَيدِ المُشيرِ


تَناغَسَ نَجمُها عَن كُلِّ سارٍ


فَيَقظٌ بَينَ راحِلَةٍ وَكورِ


مَتى أَلقاكَ قائِدَها عِراباً


مُثَلَّمَةَ الأَشاعِرِ وَالنُسورِ


تَهادى كَالعَذارى حالِياتٍ


مَعاقِدُ حُزمِها بَدَلُ الخُصورِ


فَأَسبَحُ مِن دِمائِكَ في خَلوقٍ


وَأَرفُلُ مِن عَجاجِكَ في عَبيرِ


إِذا رَكَضَت بِساحَتِكَ اللَيالي


فَلا زالَت تَقاعَسُ في الشُهورِ


وَإِن طالَت بِها أَيدي الأَماني


فَلا اِمتَدَّت يَدُ الوَعدِ القَصيرِ


وَلا زالَت رِماحُكَ مُطلَقاتٍ


تُرَدِّدُها إِلى الأَجَلِ الأَسيرِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات