أما الشباب فقد مضت أيامه

ديوان الشريف المرتضى

أمّا الشّبابُ فقد مضت أيّامُهُ

وَاِستُلّ من كفّي الغداةَ زِمامُهُ

وتنكّرتْ أيّامُهُ وتَغيّرتْ

جاراتُه وتقوّضتْ آطامُهُ

ولقد درى من في الشبابِ حياتهُ

أنّ المشيبَ إذا علاه حِمامُهُ

عوجا نحيّي الرَّبعَ يدللنا الهوى

فلربّما نفع المحبَّ سَلامُهُ

واِستعبرا عنّي به إنْ خانني

جَفني فلم يمطرْ عليه غمامُهُ

فمن الجفون جوامِدٌ وذوارفٌ

ومن السّحاب رُكامُهُ وجَهامُهُ

دِمَنٌ رضعتُ بهنّ أخلافَ الصِّبا

لو لم يكن بعد الرَّضاعِ فطامُهُ

ولقد مررتُ على العقيق فشفّني

أنْ لم تغنّ على الغصون حَمامُهُ

وكأنّه دَنِفٌ تجلّد مؤنساً

عُوّادَه حتّى اِستَبان سَقامُهُ

من بعد ما فارقتُه فكأنّه

نشوانُ تمسح تربه آكامُهُ

مَرِحٌ يهزّ قناتَه لا يأتلي

أَشَرُ الصِّبا وغرامُهُ وعُرامُهُ

تندى على حرّ الهجير ظِلالُهُ

وَيضيء في وقت العشيّ ظَلامُهُ

وكأنّما أطيارُه ومياهُهُ

للنّازليه قِيانُه ومُدامُهُ

وكأنّ آرامَ النّساءِ بأرضه

للقانِصِي طَرْدِ الهوى آرامُهُ

وكأنّما برد الصّبا حَوْذانُه

وكأنّما ورق الشّباب بَشامُهُ

وَعَضيهةٍ جاءتك من عَبِقٍ بها

أزرى عليك فلم يجُزه كلامُهُ

ورماك مجترئاً عليك وإنّما

وافاك من قعر الطَّوِىّ سِلامُهُ

وكأنّما تَسْفِي الرّياحُ بعالِجٍ

ما قال أو ما سطّرتْ أقلامُهُ

وكأنّ زُوراً لفّقتْ ألفاظُهُ

سِلْكٌ وَهى فَاِنحلّ عنه نظامُهُ

وَإِذا الفتى قعدتْ به أخوالُهُ

في المجدِ لَم تَنهض به أعمامُهُ

وإذا خصالُ السّوءِ باعَدْن اِمرءاً

عن قومه لم تُدنِهِ أرحامُهُ

وَلكَمْ رماني قبل رَمْيكِ حاسدٌ

طاشتْ ولم تخدش سواه سهامُهُ

ألقى كلاماً لم يَضِرْني وَاِنثَنى

وندوبهُ في جلده وكِلامُهُ

هَيهاتَ أَن أُلفى رَسيلَ مُسافِهٍ

ينجو به يوم السّبابِ لِطامُهُ

أو أن أُرى في معركٍ وسلاحُهُ

بدلَ السّيوف قِذافُهُ وعِذامُهُ

ومن البلاء عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفه لعُلىً ولا قُدَّامُهُ

كَثُرتْ مَساويه فصارَ كَمدحه

بين الخلائق عيبُهُ أوْ ذامُهُ

والخُرْقُ كلُّ الخُرق من متفاوت ال

أفعالِ يتلو نقضَه إبرامُهُ

جَدِبِ الجَناب فجارُهُ في أزْمةٍ

والضّيفُ موكولٌ إليه طعامُهُ

وإذا علقتَ بحبله مستعصماً

فكفقعِ قَرْقَرَةٍ يكون ذِمامُهُ

وإذا عهودُ القومِ كنّ كنبعهمْ

فالعهد منه يَراعُهُ وثُمامُهُ

وَأَنا الّذي أَعييتُ قبلك مَن رَسَتْ

أَطوادُه واِستشرفتْ أعلامُهُ

وتتبّع المعروفَ حتّى طُنِّبتْ

جوداً على سَنَنِ الطّريقِ خِيامُهُ

وتناذرتْ أعداؤه سطواتِهِ

كاللّيث يُرهب نائباً إرزامُهُ

وترى إذا قابلته في وجههِ

كالبدر أشرق حين تمّ تمامُهُ

حتّى تذلّل بعد لأْيٍ صعبُهُ

وَاِنقادَ مَنبوذاً إليَّ خِطامُهُ

يُهدى إليّ على المغيب ثناؤُهُ

وإذا حضرتُ أظَلَّنِي إكرامُهُ

فمضى سليماً من أداة قوارصي

وَاِستام ذمّي بعده مستامُهُ

والآن يوقظني لنحتِ صَفاتِهِ

مَن طال عن أخذ الحقوق نيامُهُ

وَيَسومني ما لم أزلْ عن عزّةٍ

ونزاهةٍ آباه حين أُسامُهُ

ويلُسُّنِي ولئنْ حَلَوْتُ فإّنني

مَقِرٌ وفي حنكِ العدوّ سِمامُهُ

فلبئسما منّتْه منِّي خالياً

خطراتُه أو سوّلتْ أحلامُهُ

أمّا الطّريفُ من الفخار فعندنا

ولنا من المجد التّليد سنامُهُ

ولنا من البيت المحرّم كلّما

طافتْ به في موسم أقدامُهُ

ولنا الحَطِيمُ وزَمْزَمٌ وتراثنا

نِعْمَ التّراثُ عن الخليل مَقامُهُ

ولنا المشاعر والمواقفُ والّذي

تهدي إليه من مِنىً أنعامُهُ

وبجَدّنا وبصنْوِه دُحِيَتْ عن ال

بيت الحرامِ وزُعزعتْ أصنامُهُ

وهما علينا أطلعا شمس الهدى

حتّى اِستَنارَ حلالُهُ وحرامُهُ

وَأَبى الّذي تَبدو على رغم العِدا

غُرّاً محجَّلةً لنا أيّامُهُ

كالبدر يكسو اللّيلَ أثواب الضّحى

والفجرُ شُبّ على الظلام ضِرامُهُ

وَهو الّذي لا يقتضي في موقفٍ

إِقدامُهُ نُكْصٌ به أقدامُهُ

حتّى كأنّ حياتَه هي حتفُه

ووراءَه ممّا يخاف أمامُهُ

ووقى الرّسول على الفراش بنفسه

لمّا أرادَ حِمامَه أقوامُهُ

ثانِيهِ في كلّ الأمور وحصنُه

في النّائباتِ وركنُه ودِعامُهُ

للَّه دَرُّ بلائه ودفاعِه

واليومُ يغشي الدّارعين قَتامُهُ

وكأنّما أُجمُ العوالي غِيلُهُ

وكأنّما هو بينها ضِرغامُهُ

وترى الصّريعَ دماؤه أكفانُه

وحَنوطُه أحجارُه ورَغامُهُ

والموْت من ماء التّرائب وِرْدُه

ومن النّفوسِ مَرادُه ومَسامُهُ

طلبوا مداه ففاتهمْ سبقاً إلى

أمَدٍ يشقّ على الرّجالِ مَرامُهُ

فمتى أجالوا للفخارِ قِداحَهمْ

فالفائزاتُ قداحُهُ وسهامُهُ

وَإِذا الأمور تَشابَهت واِستَبهمتْ

فَجِلاؤها وشفاؤها أحكامُهُ

وَتَرى النديَّ إِذا اِحتَبى لقضيّةٍ

عوجاً إليها مُصْغِياتٍ هامُهُ

يُفْضِي إلى لُبّ البليد بيانُهُ

فيعِي ويُنشئُ فهمَه إِفهامُهُ

بغريبِ لفظٍ لم تُدِرْهُ أَلْسُنٌ

وَلِطيفِ معنىً لم يُفضّ ختامُهُ

وَإِذا اِلتفتّ إلى التُّقى صادقْتَه

من كلِّ بِرٍّ وافراً أقسامُهُ

فاللّيلُ فيه قيامُه متهجّداً

يتلو الكتابَ وفي النّهارِ صيامُهُ

يطوِي الثلاثَ تعفُّفاً وتكرُّماً

حتّى يُصادفَ زادَه معتامُهُ

وتراه عُريانَ اللّسانِ من الخَنا

لا يهتدي للأمر فيه ملامُهُ

وعلى الّذي يُرضي الإلهَ هجومُه

وَعلى الّذي لا يَرتَضي إحجامُهُ

فمضى بريئاً لم تَشِنْهُ ذنوبُه

يوماً ولا ظفِرتْ به آثامُهُ

ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتَها

فالسّيلُ أطبق لا يعدّ زهامُهُ

تعلو على مَن رام يوماً نيْلَها

من يَذْبُلٍ هَضَبَاتُهُ وإكامُهُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات