ألستم عائجين بنا لعنا

ديوان الفرزدق

أَلَستُم عائِجينَ بِنا لَعَنّا

نَرى العَرَصاتِ أَو أَثَرَ الخِيامِ

فَقالوا إِن فَعَلتَ فَأَغنِ عَنّا

دُموعاً غَيرَ راقِيَةِ السِجامِ

فَكَيفَ إِذا رَأَيتُ دِيارَ قَومي

وَجيرانِن لَنا كانوا كِرامِ

أُكَفكِفُ عَبرَةَ العَينَينِ مِنّي

وَما بَعدَ المَدامِعِ مِن كَلامِ

سَيُبلِغُهُنَّ وَحيُ القَولِ عَنّي

وَيُدخِلُ رَأسَهُ تَحتَ القِرامِ

أُسَيِّدُ ذو خُرَيِّطَةٍ نَهاراً

مِنَ المُتَلَقِّطي قَرَدَ القُسامِ

فَقُلنَ لَهُ نُواعِدُهُ الثُرَيّا

وَذاكَ عَلَيهِ مُرتَفِعُ الزِحامِ

رَآني الغانِياتُ فَقُلنَ هَذا

أَبونا جاءَ مِن تَحتِ السِلامِ

فَإِن يَضحَكنَ أَو يَسخَرنَ مِنّي

فَإِنّي كُنتُ مِرقاصَ الخِدامِ

وَلَو جَدّاتُهُنَّ سَأَلنَ عَنّي

رَجَعنَ إِلَيَّ أَضعافَ السَلامِ

رَأَينَ شُروخَهُنَّ مُؤَزَّراتٍ

وَشَرخَ لِدِيَّ أَسنانَ الهِرامِ

تَقولُ بَنِيَّ هَل يَكُ مِن رُجَيلٍ

لِقَومٍ مِنكَ غَيرُ ذَوي سَوامِ

فَتَنهَضَ نَهضَةً لِبَنيكَ فيها

غِنىً لَهُمُ مِنَ المَلِكِ الشَآمي

فَقُلتُ لَهُم وَكَيفَ وَلَيسَ أَمشي

عَلى قَدَمَيَّ وَيحَكُمُ مَرامي

وَهَل لي حيلَةٌ لَكُمُ بِشَيءٍ

إِذا رِجلايَ أَسلَمَتا قِيامي

رَمَتني بِالثَمانينَ اللَيالي

وَسَهمُ الدَهرِ أَصوَبُ سَهمِ رامي

وَغَيَّرَ لَونَ راحِلَتي وَلَوني

تَرَدِّيَّ الهَواجِرَ وَاِعتِمامي

وَإِقبالُ المَطِيَّةِ كُلَّ يَومٍ

مِنَ الجَوزاءِ مُلتَهِبِ الضِرامِ

وَإِدلاجي إِذا الظَلماءُ جارَت

إِلى طَردِ النَهارِ دُجى الظَلامِ

أَقولُ لِناقَتي لَمّا تَرامَت

بِنا بيدٌ مُسَربَلَةُ القَتامِ

أَغيثي مَن وَراءَكِ مِن رَبيعٍ

أَمامَكِ مُرسَلٍ بِيَدَي هِشامِ

يَدَي خَيرِ الَّذينَ بَقوا وَماتوا

إِماماً وَاِبنِ أَملاكٍ عِظامِ

بِهِ يُحيِ البِلادَ وَمَن عَلَيها

مِنَ النَعَمِ البَهائِمِ وَالرَنامِ

مِنَ الوَسمِيِّ مُبتَرِكٌ بُعاقٌ

يَسوقُ عِشارَ مُرتَجِزٍ رُكامِ

فَإِن تُبلِغكِ أَربَعُكِ اللَواتي

بِهِنَّ إِلَيكِ رَرجِع كُلَّ عامِ

تَكوني مِثلَ مَيِّتَةٍ فَحَيَّت

وَقَد بَلِيَت بِتَنضاحِ الرِهامِ

قَدِ اِستَبطَأتُ ناجِيَةً ذَمولاً

وَإِنَّ الهَمَّ بي فيها لَسامي

أَقولُ لَها إِذا عَطَفَت وَعَضَّت

بِمورِكَةِ الوِراكِ مَعَ الزِمامِ

إِلامَ تَلَفَّتينَ وَأَنتِ تَحتي

وَخَيرُ الناسِ كُلَّهُمُ أَمامي

مَتى تَأتي الرُصافَةَ تَستَريحي

مِنَ التَهجيرِ وَالدَبَرِ الدَوامي

وَيُلقى الرَحلُ عَنكِ وَتَستَغيثي

بِمِلءِ الأَرضِ وَالمَلِكِ الهُمامِ

كَأَنَّ أَراقِماً عَلِقَت يَداها

مُعَلَّقَةً إِلى عَمَدِ الرُخامِ

تَزِفُّ إِذا العُرى لَقِيَت بُراها

زَفيفَ الهادِجاتِ مِنَ النَعامِ

إِذا رَضراضَةٌ وَطِأَت عَلَيها

خَضَبنَ بُطونَ مُثعَلَةٍ رِثامِ

إِذا شَرَكُ الطَريقِ تَرَسَّمَتهُ

تَأَوَّدُ تَحتَهُ حَذَرَ الكَلامِ

كَأَنَّ العَنكَبوتَ تَبيتُ تَبني

عَلى الخَيشومِ مِن زَبَدِ اللُغامِ

أَخِشَّةَ كُلَّ جُرشُعَةٍ وَغَوجٍ

مِنَ النَعَمِ الَّذي يَحمي سَنامي

كَأَنَّ العيسَ حينَ أُنِخنَ هَجراً

مُفَقَّأَةٌ نَواظِرُها سَوامي

تُثيرُ قَعاقِعَ الأَلحى إِذا ما

تَلاقَت هاجِدَ العَرَقِ النِيامِ

فَما بَلَغَت بِنا إِلّا جَريضاً

بِنِقيٍ في العِظامِ وَلا السَنامِ

كَأَنَّ النَجمَ وَالجَوزاءَ يَسري

عَلى آثارِ صادِرَةٍ أَوامِ

وَصادِيَةُ الصُدورِ نَضَحتُ لَيلاً

لَهُنَّ سِجالَ آجِنَةٍ طَوامي

كَأَنَّ نِصالَ يَثرِبَ ساقَطَتها

عَلى الأَرجاءِ مِن ريشِ الحَمامِ

عَمَدتُ إِلَيكَ خَيرَ الناسَ حَيّاً

لِتَنعَشَ أَو يَكونَ بِكَ اِعتِصامي

إِلى مَلِكِ المُلوكِ جَمَعتُ هَمّي

عَلى المُتَرَدَّفاتِ مِنَ السَمامِ

مِنَ السَنَةِ الَّتي لَم تُبقِ شَيئاً

مِنَ الأَنعامِ بالِيَةَ الثُمامِ

وَحَبلُ اللَهِ حَبلُكَ مَن يَنَلهُ

فَما لِعُرىً إِلَيهِ مِنِ اِنفِصامِ

فَإِنّي حامِلٌ رَحلي وَرَحلي

إِلَيكَ لا الوُهونِ مِنَ العِظامِ

عَلى سُفُنِ الفَلاةِ مُرَدَّفاتٍ

جُناةَ الحَربِ بِالذَكَرِ الحُسامِ

يَداكَ يَدٌ رَبيعَ الناسِ فيها

وَفي الأُخرى الشُهورُ مِنَ الحَرامِ

فَإِنَّ الناسَ لَولا أَنتَ كانوا

حَصى خَرَزٍ تَساقَطَ مِن نِظامِ

وَلَيسَ الناسُ مُجتَمِعينَ إِلّا

لِخِندِفَ في المَشورَةِ وَالخِصامِ

وَبَشَّرَتِ السَماءُ الأَرضَ لَمّا

تَحَدَّثنا بِإِقبالِ الإِمامِ

إِلى أَهلِ العِراقِ وَإِنَّما هُم

بَقايا مِثلُ أَشلاءٍ وَهامِ

أَتانا زائِراً كانَت عَلَينا

زِيارَتَهُ مِنَ النِعَمِ العِظامِ

أَميرُ المُؤمِنينَ بِهِ نُعِشنا

وَجُذَّ حِبالُ آصارِ الإِثامِ

فَجاءَ بِسُنَّةِ العُمَرَينِ فيها

شِفاءٌ لِلصُدورِ مِنَ السَقامِ

رَآكَ اللَهُ أَولى الناسِ طُرّاً

بِأَعوادِ الخِلافَةِ وَالسَلامِ

إِذا ما سارَ في أَرضٍ تَراها

مُظَلَّلَةً عَلَيهِ مِنَ الغَمامِ

رَأَيتُكَ قَد مَلَأتَ الأَرضَ عَدلاً

وَضَوءً وَهيَ مُلبَسَةُ الظَلامِ

رَأَيتُ الظُلمَ لَمّا قُمتَ جُذَّت

عُراهُ بِشَفرَتَي ذَكَرٍ هُذامِ

تَعَنَّ فَلَستَ مُدرِكَ ما تَعَنّى

إِلَيهِ بِساعِدَي جُعَلِ الرَغامِ

سَتَخزى إِن لَقيتَ بِغَورِ نَجدٍ

عَطِيَّةَ بَينَ زَمزَمَ وَالمَقامِ

عَطِيَّةَ فارِسَ القَسعاءِ يَوماً

وَيَوماً وَهيَ راكِدَةُ الصِيامِ

إِذا الخَطَفى لَقيتَ بِهِ مُعيداً

فَأَيُّهُما يُضَمِّرُ لِلضِمامِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الفرزدق، شعراء العصر الأموي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات