ألا ماء إلا فوق نصل يجرد

ديوان ابن خفاجة

أَلا ماءَ إِلّا فَوقَ نَصلٍ يُجَرَّدُ

وَلا ظِلَّ إِلّا تَحتَ رُمحٍ يُسَدَّدُ

وَلا غَيمَ إِلّا قَسطَلٌ ثارَ أَقتَمٌ

وَلا بَرقَ إِلّا أَشقَرٌ جالَ تَجرَدُ

وَلا سَيرَ إِلّا فَوقَ ظَهرِ تَنوفَةٍ

يُراعُ سَرابُ القاعِ فيها فَيُرعَدُ

وَخَرقٍ سَحيقٍ يَملَأُ الصَدرَ وَحشَةً

بِرَجعِ صَهيلِ الطِرفِ فيهِ وَيوقِدُ

طِلاباً لِأَمرٍ يَركَعُ الرُمحُ عِندَهُ

طَويلاً وَيَهوي المَشرَفِيُّ فَيَسجُدُ

وَحَوماً عَلى ماءٍ تَدانى بِهِ المُنى

وَيَنأى بِهِ المَسرى فَيَدنو وَيَبعُدُ

طَوَيتُ بِهِ تَحتَ الضُلوعِ سَريرَةً

سَيُفصِحُ عَنها السَيفُ وَهوَ مُجَرَّدُ

وَقَد فَلَّهُ طولُ الجِلادِ كَأَنَّما

يُضاحِكُ مِنهُ مَفرِقَ الفَرقِ أَدرَدُ

وَطولُ اِعتِناقِ المَجدِ كُلِّ ثَنِيَّةٍ

تُمَدُّ إِلى لَمسِ السَماءِ بِها يَدُ

عَلَيها وِشاحٌ لِلعَقيقَةِ مُذهَبٌ

يَجولُ وَبُردٌ لِلغَمامَةِ أَربَدُ

وَأَخضَرَ عَجّاجٍ تُدَرِّجُهُ الصَبا

فَتُتهِمُ فيهِ العَينُ طَوراً وَتُنجِدُ

كَأَنَّ فُؤاداً بَينَ جَنبَيهِ راجِفاً

يَقومُ بِهِ نَأيُ الحَبيبِ وَيَقعُدُ

سَأَركَبُ مِنهُ ظَهرَ أَدهَمَ رَيِّضٍ

مَروعٍ بِسَوطِ الريحِ يَرتَدُّ يُزبِدُ

وَأَمضي فَإِمّا بَيتُ نَفسٍ كَريمَةٍ

يُهَدُّ وَإِمّا بَيتُ عِزٍّ يُشَيَّدُ

وَإِن غُضَّ يَوماً دونَهُ طَرفُ حاسِدٍ

فَإِنَّهُما شَمسٌ تُنيرُ وَأَرمَدُ

فَلا يَغتَرِر بِالحِلمِ قَومٌ فَرُبَّما

تَصَدَّعَ عَن سَقطٍ مِنَ النارِ جَلمَدُ

وَلا يَكفُروا نُعمى الغَمامِ فَرُبَّما

تَدَلَّت عَلَيهِم صَعقَةٌ تَتَوَقَّدُ

فَقَصرُ أَناةِ الحِلمِ عَضَّةُ سَطوَةٍ

تُقيمُ صَغا تِلكَ القَنا وَتُسَوِّدُ

وَإِن عَصَفَت يَوماً بِهِم ريحُ زَجرَةٍ

وَلَفَّهُمُ خَطبٌ تَقَعقَعَ مُرعِدُ

فَإِنَّ لِإِبراهِمَ فَيأَةَ رَأفَةٍ

تَعودُ بِعَطفِ الحِلمِ وَالعَودُ أَحمَدُ

وَما اِبنُ عِصامٍ غَيرَ هَضبَةِ عِصمَةٍ

تُجيرُ وَسُقيا رَحمَةٍ تَتَجَدَّدُ

يَسيرُ بِهِ في الحَقِّ رَأيٌ مُسَدَّدٌ

عَلى مَنهَجِ التَقوى وَعَزمٌ مُؤَيَّدُ

فَما تُرعِدُ الأَسيافُ إِلّا مَهابَةً

لِمُؤتَمِرٍ في اللَهِ يَنهى وَيَنهَدُ

وَلا تُكسَفُ الأَقمارُ إِلّا حَسادَةً

لِمُضطَلِعٍ بِالمَجدِ يَسعى فَيَسعَدُ

وَيُذكي وَراءَ اللَيلِ عَيناً حَديدَةً

يَنامُ بِها الدينُ اِحتِراساً وَيَسهَدُ

وَيَحلَمُ لاعَن ذِلَّةٍ وَلَرُبَّما

سَطا أَسَدٌ مِنهُ وَأَطرَقَ أَسوَدُ

أَما وَسِراطٍ بَينَ عَينَيهِ لِلهُدى

لَقَد شادَ أَركانَ الهُدى مِنهُ سَيِّدُ

وَأَلَّفَ أَشتاتَ الفَضائِلِ أَروَعٌ

وَقامَ بِأَعباءِ المَكارِمِ أَيِّدُ

وَدارَ بِهِ في مُقلَةِ المَجدِ ناظِرٌ

وَأَشرَقَ في حَليِ المَساعي مُقَلَّدُ

وَسارَ مَسيرَ النَجمِ هَدياً وَرِفعَةً

فَغارَ بِهِ رَأيٌ وَأَنجَدَ سودَدُ

فَطابَقَ مِنهُ مَنظَراً راقَ مَخبَرٌ

وَظاهَرَ فيهِ مَولِداً طابَ مَحتِدُ

وَحَسبُكَ مِن لَفظٍ وَخَطٍّ قِلادَةٌ

تُفَصِّلُ لِلعَليا وَوَشيٌ مُعَمَّدُ

فَلِلَّهِ طِرسٌ كُلَّما اِسوَدَّ أَسطُراً

تَأَلَّق لَفظاً فَهوَ أَبيَضُ أَسوَدُ

وَنَدبٌ لَبيبٌ يَمشُقُ الطَعنَ كاتِباً

وَيَكفيهِ أُنبوبٌ مِن الرُمحِ أَملَدُ

يُسَوِّدُ أَطرافَ اليَراعِ وَإِنَّما

يُحَمِّرُ سُمرَ الخَطِّ حينَ يُسَوِّدُ

تَبَرَّعَ لَم يَلجَأ إِلى الوَعدِ صَمتُهُ

وَعاقَبَ لَم يُقعِدهُ ضَعفٌ فَيوعِدُ

لَهُ شيمَةٌ تَندى فَتَشفي مِنَ الصَدى

وَتَنقَعُ أَحشاءَ الهَجيرِ فَيَبرُدُ

تَمُدُّ عَلَيكَ الظِلَّ سَرحَةُ أَبطَحٍ

بِها وَيُغنيكَ الحَمامُ المُغَرِّدُ

فَمِن نورِ رَأيٍ لَو تَراءى لِناظِرٍ

لَلاحَ بِهِ تَحتَ الدُجُنَّةِ فَرقَدُ

وَمِن حُرِّ نُبلٍ قَد أَفاضَتهُ هِمَّةٌ

فَساحَ بِهِ في سَفحِ ثَهلانَ مَورِدُ

وَقَولٍ لَهُ في مَعقَدِ الحِلمِ حِكمَةٌ

يُحَلُّ بِها في اللَهِ طَوراً وَيَعقُدُ

وَحُكمٍ لَهُ دونَ الدِيانَةِ سَورَةٌ

تُقيمُ عَلى جَمرِ العِقابِ وَتَقعُدُ

وَما السَيفُ لَولا الخَوفُ إِلّا حَديدَةٌ

وَلا الرُمحُ إِلّا خوطَةٌ تَتَأَوَّدُ

فَيا عارِضاً يَطوي السُرى طَيَّ رَهبَةٍ

فَيَستَلُّ سَيفَ البَرقِ طَوراً وَيُغمَدُ

وَيَسحَبُ أَذيالَ الرَبابِ عَلى الرُبى

فَيَلقَطُ مِن دُرِّ النَدى مايُبَدَّدُ

تَحَمَّل إِلى قاضي القُضاةِ تَحِيَّةً

تَبيتُ بِمَلقى رَحلِهِ تَتَرَدَّدُ

تَضوعُ كَما فاحَت مَعَ الفَجرِ رَوضَةٌ

وَطابَ بِريحِ المَندَلِ الرَطبِ مَوقِدُ

وَتُهوي إِلى لَثمِ البِساطِ وَإِنَّما

تُصَلّي إِلى رُكنِ المَعالي فَتَسجُدُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن خفاجة، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات