أقل فعالي بله أكثره مجد

ديوان أبو الطيب المتنبي

أَقَلُّ فَعالي بَلهَ أَكثَرَهُ مَجدُ

وَذا الجِدُّ فيهِ نِلتُ أَم لَم أَنَل جَدُّ

سَأَطلُبُ حَقّي بِالقَنا وَمَشايِخٍ

كَأَنَّهُمُ مِن طولِ ما اِلتَثَموا مُردُ

ثِقالٍ إِذا لاقَوا خِفافٍ إِذا دُعوا

كَثيرٍ إِذا شَدّوا قَليلٍ إِذا عُدّوا

وَطَعنٍ كَأَنَّ الطَعنَ لا طَعنَ عِندَهُ

وَضَربٍ كَأَنَّ النارَ مِن حَرِّهِ بَردُ

إِذا شِئتُ حَفَّت بي عَلى كُلِّ سابِحٍ

رِجالٌ كَأَنَّ المَوتَ في فَمِها شَهدُ

أَذُمُّ إِلى هَذا الزَمانِ أُهَيلَهُ

فَأَعلَمُهُم فَدمٌ وَأَحزَمُهُم وَغدُ

وَأَكرَمُهُم كَلبٌ وَأَبصَرُهُم عَمٍ

وَأَسهَدُهُم فَهدٌ وَأَشجَعُهُم قِردُ

وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى

عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ

بِقَلبي وَإِن لَم أَروَ مِنها مَلالَةٌ

وَبي عَن غَوانيها وَإِن وَصَلَت صَدُّ

خَليلايَ دونَ الناسِ حُزنٌ وَعَبرَةٌ

عَلى فَقدِ مَن أَحبَبتُ ما لَهُما فَقدُ

تَلَجُّ دُموعي بِالجُفونِ كَأَنَّما

جُفوني لِعَيني كُلِّ باكِيَةٍ خَدُّ

وَإِنّي لَتُغنيني مِنَ الماءِ نُغبَةٌ

وَأَصبِرُ عَنهُ مِثلَ ما تَصبِرُ الرُبدُ

وَأَمضي كَما يَمضي السِنانُ لِطِيَّتي

وَأَطوي كَما تَطوي المُجَلِّحَةُ العُقدُ

وَأَكبِرُ نَفسي عَن جَزاءٍ بِغيبَةٍ

وَكُلُّ اِغتِيابٍ جُهدُ مَن مالُهُ جُهدُ

وَأَرحَمُ أَقواماً مِنَ العِيِّ وَالغَبا

وَأَعذِرُ في بُغضي لِأَنَّهُمُ ضِدُّ

وَيَمنَعُني مِمَّن سِوى اِبنِ مُحَمَّدٍ

أَيادٍ لَهُ عِندي تَضيقُ بِها عِندُ

تَوالى بِلا وَعدٍ وَلَكِنَّ قَبلَها

شَمائِلُهُ مِن غَيرِ وَعدٍ بِها وَعدُ

سَرى السَيفُ مِمّا تَطبَعُ الهِندُ صاحِبي

إِلى السَيفِ مِمّا يَطبَعُ اللَهُ لا الهِندُ

فَلَمّا رَآني مُقبِلاً هَزَّ نَفسَهُ

إِلَيَّ حُسامٌ كُلُّ صَفحٍ لَهُ حَدُّ

فَلَم أَرَ قَبلي مَن مَشى البَحرُ نَحوَهُ

وَلا رَجُلاً قامَت تُعانِقُهُ الأُسدُ

كَأَنَّ القِسِيَّ العاصِياتِ تُطيعُهُ

هَوىً أَو بِها في غَيرِ أُنمُلِهِ زُهدُ

يَكادُ يُصيبُ الشَيءَ مِن قَبلِ رَميِهِ

وَيُمكِنُهُ في سَهمِهِ المُرسَلِ الرَدُّ

وَيُنفِذُهُ في العَقدِ وَهوَ مُضَيَّقٌ

مِنَ الشَعرَةِ السَوداءِ وَاللَيلُ مُسوَدُّ

بِنَفسي الَّذي لا يُزدَهى بِخَديعَةٍ

وَإِن كَثُرَت فيها الذَرائِعُ وَالقَصدُ

وَمَن بُعدُهُ فَقرٌ وَمَن قُربُهُ غِنىً

وَمَن عِرضُهُ حُرٌّ وَمَن مالُهُ عَبدُ

وَيَصطَنِعُ المَعروفَ مُبتَدِئً بِهِ

وَيَمنَعُهُ مِن كُلِّ مَن ذَمُّهُ حَمدُ

وَيَحتَقِرُ الحُسّادَ عَن ذِكرِهِ لَهُم

كَأَنَّهُمُ في الخَلقِ ما خُلِقوا بَعدُ

وَتَأمَنَهُ الأَعداءُ مِن غَيرِ ذِلَّةٍ

وَلَكِن عَلى قَدرِ الَّذي يُذنِبُ الحِقدُ

فَإِن يَكُ سَيّارُ بنُ مُكرَمٍ اِنقَضي

فَإِنَّكَ ماءُ الوَردِ إِن ذَهَبَ الوَردُ

مَضى وَبَنوهُ وَاِنفَرَدتَ بِفَضلِهِم

وَأَلفٌ إِذا ما جُمِّعَت واحِدٌ فَردُ

لَهُم أَوجُهٌ غُرٌّ وَأَيدٍ كَريمَةٌ

وَمَعرِفَةٌ عِدٌّ وَأَلسِنَةٌ لُدُّ

وَأَردِيَةٌ خُضرٌ وَمُلكٌ مُطاعَةٌ

وَمَركوزَةٌ سُمرٌ وَمُقرَبَةٌ جُردُ

وَما عِشتُ ما ماتوا وَلا أَبَواهُمُ

تَميمُ بنُ مُرٍّ وَاِبنُ طابِخَةٍ أُدُّ

فَبَعضُ الَّذي يَبدو الَّذي أَنا ذاكِرٌ

وَبَعضُ الَّذي يَخفى عَلَيَّ الَّذي يَبدو

أَلومُ بِهِ مَن لامَني في وِدادِهِ

وَحُقَّ لِخَيرِ الخَلقِ مِن خَيرِهِ الوُدُّ

كَذا فَتَنَحَّوا عَن عَلِيٍّ وَطُرقِهِ

بَني اللُؤمِ حَتّى يَعبُرَ المَلِكُ الجَعدُ

فَما في سَجاياكُم مُنازَعَةُ العُلى

وَلا في طِباعِ التُربَةِ المِسكُ وَالنَدُّ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات