أقلا عند طيتي المقالا

ديوان ناصح الدين الأرجاني

أَقْلاّ عندَ طِيّتيَ المقالا

وحُلاّ عن مَطيَّتيَ العِقالا

فما خُلِقَ الفتَى إلاّ حُساماً

وما خُلِقَ السُّرَى إلاّ صِقالا

وما راع الدُّمَى إلاّ فِراقٌ

خطَبْتُ به إلى العلْيا وِصالا

سمَوْتُ لها بزُهْرٍ من فُتُوٍّ

هتَفْتُ بهمْ وجُنْحُ اللّيلِ مالا

أَقَلُّ من الكواكبِ حينَ تَسْري

ضلالاً في الغياهبِ أَو كَلالا

يَقولُ مُودِّعي والدَّمْعُ جارٍ

يُريك مصونَ لُؤْلُئه مُذالا

أَعِرني نَشوةً من كَأْسِ ثَغْرٍ

وثَوِّرْ قبلَ أَن أَصْحو الجِمالا

كراهةَ أَن أُديرَ العَينَ صُبْحاً

فأُبصِرَ للخليطِ بها زِيالا

عُهودٌ لم يَزَلْ ذِكرْي جديداً

لَهُنَّ وإنْ قَدُمْنَ ولن يَزالا

وبالعلَمَيْنِ لو واصلْنَ بِيضٌ

وسُمْرٌ يدَّرعْنَ لها ظِلالا

حكَيْنَ البيضَ لَحظاً وابتساماً

وفُقْنَ السُّمْرَ ليناً واعتدالا

وحَرَّمْنَ الخيالَ علَيَّ حتّى

لقد أَبقَيْنَ من جِسمي خَيالا

ولو شغَل الكرَى باللّيلِ عَيْني

جَعلْتُ لها بها عنها اشْتِغالا

وأغيدَ رَقَّ ماءُ الوجهِ منه

فلو أَرخَى لثاماً عنه سالا

تُبينُ سَوادَها الأبصارُ فيه

فحيثُ لَحظْتَ منه حَسِبْتَ خالا

تَترَّسَ يومَ لاقاني بغَيْلٍ

وراميَ حين رامَ ليَ اغْتيالا

بطَرْفٍ ليس يَشعُرُ ما التّشكِّي

ويُنشدُ سُقْمَ عاشقِه انْتِحالا

يَعُدُّ عليلَنا المُضْنَى صَحيحاً

ونحن نَعُدُّ صِحّتَه اعْتِدالا

تأوَّبني خيالٌ من هُمومٍ

وإن كاثَرْنَ في العَدَدِ الرِّمالا

فإنْ تَرُعِ الهمومُ على مَشيبٍ

فقد خُلِقَتْ مطايانا عِجالا

وكيف نَلَذُّ أَعماراً قِصاراً

وقد أُودِعْنَ أَفكاراً طِوالا

تَذُمُّ إليَّ من زَمني خُطوباً

شكَوْتَ إلى الغريقِ بها ابْتِلالا

فلا وأَبيكَ أَخشَى الدَّهرَ قِرْناً

ولكنّي أُنازِلُه نِزالا

أَظاهِرُ بينَ صَبْرٍ واعتصامٍ

بمَنْ خلَق النّوائبَ والرِّجالا

إذا عصَفتْ فأطفأتِ الأعادي

صُروفُ الدِّهْرِ زادَتْنا اشْتِعالا

ونيرانُ الغَضا تَزْدادُ وَقْداً

وتَحْيا بالّتي تُخْبي الذُّبالا

أُقلِّبُ ناظِرَيْ لَحْمٍ صَيودٍ

غدَتْ أَعطافُه تَنْفي الظِّلالا

وأشْتَمِلُ الظّلامَ وفي شِمالي

زِمامُ شِمِلّةٍ تَحْكي الشَّمالا

منَ الّلائي إذا طَرِبتْ لحَدْوٍ

خَشِيتَ منَ النُّسوعِ لها انْسِلالا

ولو سلَختْ لنا في الشّرْقِ شَهْراً

سَبقْنَ بنا إلى الغَرْبِ الهلالا

فلمّا أَنْ نظَمتُ بها وِشاحاً

على الآفاقِ قاطبةً فَجالا

حَججْتُ بها شِهابَ الدّينِ حَجّاً

فكان لدينِ هِمَّتيَ الكَمالا

وأَسعَدَ قُربُ أَسعدَ آمِليه

فكبَّرْنا وأَلقيْنَا الرِّحالا

بنُورِ شهابِ دينِ اللهِ قَرَّتْ

عُيونٌ قد ملَكْنَ به اكتِحالا

أَجلُّ الشُّهْبِ في الآفاقِ سَيْراً

وآثاراً وأَشْرفُها فِعالا

وأعْلاها مَحلاًّ في المَعالي

إذا افتخَروا وأعظَمُها نَوالا

ونَأْمُلُ أنْ سيُفْنيها ويَبْقَى

وتَأْمَنُ شَمسُ دَوْلته زَوالا

يَدُلُّ الوافِدينَ إليه ذِكْرٌ

فلا يَخْشَ الفتى عنه الضَّلالا

تَعوَّد أنْ يَجودَهمُ ابْتداءً

فلو سأَلوهُ ما عَرَفَ السُّؤالا

يَزيدُ على تَواضُعِه ارْتفاعاً

ويَظْهَرُ مَن عَلا مِمَّنْ تَعالى

أخو قَلَمٍ له الأقلامُ طُرّاً

عَبيدٌ وهْوَ مَوْلاها جَلالا

بكفّ مُتَوِّجٍ للكُتْبِ عِزّاً

فتَأْتي وهْي تَخْتالُ اخْتِيالا

إذا ما مثَّلَتْ قَوساً وسَهماً

وناضَل في العُلا بِهما نِضالا

حكَى في قَلْبِ حاسدِه فِعالاً

حَقيقةَ ما يَخُطُّ له مِثالا

له رَأْيٌ أبَى السُّلطانُ إلاّ

عليه أنْ يُعِدَّ له اتّكالا

إذا عقَد الذِّمامَ لِمَنْ رَجاهُ

فلا يَخْشَ لعُقْدتِه انْحِلالا

إذا ما ثارَ دونَ الدّينِ خَصْمٌ

بَلَوا منه أَشَدّ فتىً مِحالا

وأَوسعَهمْ كِلاماً أو كَلاماً

إذا شَهِدوا جِلاداً أو جِدالا

وَثيقٌ عَقْدُ حُبْوتهِ وَقاراً

إذا الغَمَراتُ زَعَزعْنَ الجبالا

صَقيلٌ حَدُّ صارِمِه ولكنْ

يُدِبُّ فِرِنْدُهُ فيه النِّمالا

إذا ما خَصْلةٌ كَمُلَتْ وعُدَّتْ

لذي كَرَمٍ كَمُلْتَ لنا خِصالا

وكم رَضَعَ الرَّجاءُ نَداكَ قِدْماً

رَضاعاً لم يُعقِّبْهُ فِصالا

وكم سحَب السّحابُ الخَدَّ حتّى

تَعلّمَ من أناملَك انْهِمالا

وما سمَتِ السّماءُ بحيثُ تَرضَى

لخَيْلِك من أَهِلَّتِها نِعالا

إذا فَرَسُ المُعانِدِ رامَ رَكْضاً

تَراجعَت الحُجولُ له شِكالا

إذا ساجَلْتَ لُجَّ البَحْرِ جُوداً

فما يَحْوِي لأنْمُلَةٍ بَلالا

كفَى القِرطاسَ والأقلامَ فَخْراً

أنِ اقْتَسَما يَمينَك والشِّمالا

قِداحُ عُلاً خُلِقْتَ لها مُجِيلاً

وخَيلُ نُهىً فَسَحْتَ لها مَجالا

إذا ما مَدَّةٌ لك من دَواةٍ

أتَتْ طَرْفاً كفَتْ حَرْباً سِجالا

لقد ذَمَّ الزَّمانَ إلى هَواهُ

أخو ذِمَمٍ عقَدْتَ له حِبالا

وكم طلَبَ الحَسودُ فلم يُقابِلْ

لنَعْلِك تاجُ مَفْرِقهِ قِبالا

وذي ضِغْنٍ عَمدْتَ له احتِقاراً

فَعالَك وانتضَيْتَ له مَقالا

وطَبَّق مَفْصِلاً منه فأضحَى

يَرى قَتْلاً وليسَ يَرى قِتالا

وآخِرَ ما عدَتْ يُمناكَ جُوداً

أنِ استَلَّتْ سَخائمَه اسْتِلالا

ولم يَك داؤه أَمَماً ولكنْ

نطاسِيٌّ النّدى يَشْفِي العُضالا

سألتُ الدَّهرَ هل ليَ فيكَ حظُّ

فلا نَعَمٌ أجابَ بهِ ولا لا

لِيَعْلمَ فيَّ رأْيَكَ قَبْلُ عِلْماً

فيَتبَع إنْ أدالَ وإنْ أذالا

وما اسْمِي غيرُ عبدِكَ َكيف أضحَى

مَكانيَ منكَ صَوْناً وابْتِذالا

كما تُسْمي عِطاشاً أو رِواءً

تُصادِفُها أعاريباً نِهالا

ولكنْ لي تَقادمُ عَهْدِ رِقٍ

فذاكَ عليكَ علَّمني الدَّلالا

ولن يَصْطادَ وَحْشَ المَدْحِ مَنْ لا

يُجيدُ بِكِفّةِ الكَرَمِ احْتِبالا

وحاشَى أن أرَى لك في اصْطِناعي

عنِ العهدِ الّذي سَبق انْفِتالا

وكيف تُجاوزُ الأتباعُ قَوْلاً

تُخالِفُه إذا المَتْبوعُ قالا

فلا تُرخِصْ عُقودَ الفِكْرِ منّي

ففي دُرّي حَقيقٌ أن يُغالَى

فسَمْحٌ كُلُّ مَن أَولَى جَميلاً

وفوقَ السّمْحِ مَن أَولَى ووالَى

إذا ما غَبَّ رِفْدُكَ صار عِبْئاً

وخيرُ الأْمرِ أحمَدُهُ مَآلا

ولي مَولىً إذا أُسمِيه يَوماً

يكونُ ليَ اسْمُه بالسّعْدِ فالا

إذا أسمَيْتُهُ أَخبَرْتُ عنّي

بما سأكونُ حينَ أَراه حالا

فلا زالتْ له في كُلِّ عامٍ

تَعُدُّ يَداهُ أعيادٌ تَوالى

على عَدَدِ الثّلاثةِ من شهابٍ

وأسْعَد فامْتثِلْهنّ امْتِثالا

فحَرْفا أوَّلِ التّلقيبِ كافٍ

بثاني الاِسْمِ أنَ يَجِدَ اتّصالا

وأن يَعتَدَّ أيَّامَ التّهاني

بعِدَّتها إذا ما الحَوْلُ حالا

كذلكَ دائماً ما زال تُحْصي

له الأُمَمُ اتِّصالاً وانْفِصالا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

خيال زائر مني خيالا

خيالٌ زائرٌ منّي خيالاً وقد مَدَّ الظّلامُ له الظِّلالا تَخلّلَ وهْو بدْرٌ من جُفوني غماماً بعد ما قَلَّ انهْمالا ولولا ذاك لاغتدتِ الأعادي إلى قُرْبي…

تعليقات