أقام الوجد بعدهم وساروا

ديوان ابن الساعاتي

أقام الوجدُ بعدهمُ وساروا

فحلفُ السُّقم جسمي والدّيارُ

عدمتُ تصبّري والحيُّ دانٍ

فكيف بهِ وقد شطَّ المزار

ولي قلبٌ يبتهج هواه نجدٌ

وقدماً كان يطربهُ الحيار

تمنّى ساكنيهِ وهم بعيدٌ

ولم تُجدِ المنى وهم جوار

حذرتُ من الهوى أو كان يغني

وهل يُنجي من القدر الحذار

تناءوا عن جفوني وهي ماءٌ

وقد سكنوا فؤادي وهو نار

غنيتُ عن الورى إلاّ إليهم

فبي حاجٌ شديدٌ وافتقار

أما والبُدنِ تُهدى يومَ جمعٍ

ومن تُرمى لطاعتهِ الجمار

ومكّة والحطيم وساكنيها

لقد حكموا على ضعفي فجاروا

فعندي منهمُ ولهٌ وحزنٌ

وعندهمُ هُدوّي والقرار

أهيم إلى زرودَ هوىً وشوقاً

وغيرُ زرودَ لي وطنٌ ودار

تُباعدها النّوى واليأس عنّي

وتُدنيها المنى والأدّكار

تُعلّل بالخيال لدى ليال

طوال البثِّ أجفانٌ قصار

إذا ما زار غُمضٌ صدَّ عتباً

عليَّ كأنّهُ منهُ يغار

فمالي والفراقُ يبيحُ فتلي

وليس له على العشّاق ثار

وكيف يضيمني خطبٌ ودوني

عليٌّ والمطايا والقفار

شجاعٌ لا يبلُّ لهُ طعينٌ

وذمر لا يباح لهُ ذمار

إذا شهد الوقيعة وهي ضنكٌ

تكنّى والنداءُ بها سرار

وأن خفّتْ تداركها بجيشٍ

وجأشٍ ثابتٍ لا يُستطار

وإن سُلّتْ ظباهُ في خميسٍ

فهنَّ النار والهامُ الشِّرار

يجود بنفسهِ والجواد فقرٌ

يقيناً منهُ لأن البخلَ عار

ويطلعُ في ظلام الحرب بدراً

منيراً ليس يخفيهِ السّرار

كواكبهُ الأسنّةُ لامعانُ

السّنا وسماؤها النقعُ المثار

جوادٌ عن جرى معهُ مناوٍ

ثناه وملءُ عينيهِ الغبار

وما سمّوهُ سيفَ الدين حتى

مضى وسميّهُ منهُ يحار

وحتى سُلُّ والغبراءُ يبسٌ

وشيمَ وكالبحار دمٌ ممار

وعلَّ السمهريّةَ وهي نشوى

تثنّى والدّماءُ لها عُقار

إذا غنّتْ سيوف الهند دارت

كؤوسٌ بالهنا أبداً تدار

سقاها ريَّها والعامُ محلٌ

فعادت والرؤوسُ لها ثمار

وأوطأ بيضهُ سود المنايا

وكانت لا يحلّ لها إزار

وجرّدها وثوب النقع ضافٍ

فسار الليلُ يصحبهُ النهار

من القومِ الألى إن ضنّ غيثٌ

أفادوا أو دجا زمنٌ أناروا

إذا هبّ الرّدى فهمُ جبالٌ

وإن قنط الثرى فهمُ بحارُ

أغارت خيلهم شرقاً وغرباً

فأعوزهنَّ في الدنيا المسار

إذا بكرتْ وشمسُ الأفق ردفٌ

فألّتْ لا ينال لها مغار

بها ظمأٌ إلى الأعداءِ تُفني

المواردَ وهي ظامئةٌ حرارُ

أيا ابنَ السابقينَ إلى المعالي

ومن لهمُ على الدنيا الفخار

إذا سئلوا فجودٌ واعتذارٌ

وإن غضبوا فحلمٌ واقتدار

وإن ضنَّ الحيا فهمُ ربيعٌ

وإن ضلَّ الورى فهمُ منارُ

حبوتكَ دونَ أهل الأرض طرّاً

أوانس عنهمُ فيها نفار

شواردَ صنتها عنهم فعزّتْ

ولولا الصّونُ ما عزَّ النّضار

توارى والعبيرُ لها نسيمٌ

وتبدو والصباحُ لها خمار

إذا ما رامها الحسّادُ قالت

طوالُ قنا تطاعنها قصار

أرى الأيام تنكر حقَّ فضلي

وضوءُ الصّبح ليس له استتار

حظوظٌ من بني العلياءِ عقمٌ

ويا عجباً وآمالٌ عشار

سأدرك ما أحاول بعد لأيٍّ

سريعُ الخيل يعروه العثار

وما أشكو غليها ضنكَ عيشٍ

ولولا الفضلُ ما سجن الهزار

وما ضحكتْ ثغورُ الرّوض حتى

بكتْ من اجلها الدّميمُ الغزار

وما بلغتْ هديُّ الشعر حقاً

ولو أنَّ النجوم لها نثار

وكيف وقد غدا في راحتيها

حسامٌ لا يُفلُّ له غرار

وقورٌ والقلوبُ تزول طيشاً

كذاك الطّودُ شيمتهُ الوقار

وأنت الغيثُ يستجدى نداهُ

فإن يَمنعْ فليس لهُ اعتذار

وإنْ أكُ محسناً في مدح خلق

فمنكَ ومن صفاتك مستعار

إذا عجزَ القريضُ وقائلوهُ

فما إسهابهُ إلاّ اختصار

فأنت لجيد هذا الدهر عقدٌ

وأنت لمعصم الدنيا سوار

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الساعاتي، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات