أعلى الممالك ما يبنى على الأسل

ديوان أبو الطيب المتنبي

أَعلى المَمالِكِ ما يُبنى عَلى الأَسَلِ

وَالطَعنُ عِندَ مُحِبِّيهِنَّ كَالقُبَلِ

وَما تَقِرُّ سُيوفٌ في مَمالِكِها

حَتّى تُقَلقَلُ دَهراً قَبلُ في القَلَلِ

مِثلُ الأَميرِ بَغى أَمراً فَقَرَّ بِهِ

طولُ الرِماحِ وَأَيدي الخَيلِ وَالإِبِلِ

وَعَزمَةٌ بَعَثَتها هِمَّةٌ زُحَلٌ

مِن تَحتِها بِمَكانِ التُربِ مِن زُحَلِ

عَلى الفُراتِ أَعاصيرٌ وَفي حَلَبٍ

تَوَحُّشٌ لِمُلَقّي النَصرِ مُقتَبَلِ

تَتلو أَسِنَّتُهُ الكُتبَ الَّتي نَفَذَت

وَيَجعَلُ الخَيلَ أَبدالاً مِنَ الرُسُلِ

يَلقى المُلوكَ فَلا يَلقى سِوى جَزَرٍ

وَما أَعَدّوا فَلا يَلقي سِوى نَفَلِ

صانَ الخَليفَةُ بِالأَبطالِ مُهجَتَهُ

صِيانَةَ الذَكَرِ الهِندِيَّ بِالخَلَلِ

الفاعِلُ الفِعلَ لَم يُفعَل لِشِدَّتِهِ

وَالقائِلُ القَولَ لَم يُترَك وَلَم يُقَلِ

وَالباعِثُ الجَيشَ قَد غالَت عَجاجَتُهُ

ضَوءَ النَهارِ فَصارَ الظُهرُ كَالطَفَلِ

الجَوُّ أَضيَقُ ما لاقاهُ ساطِعُها

وَمُقلَةُ الشَمسِ فيهِ أَحيَرُ المُقَلِ

يَنالُ أَبعَدَ مِنها وَهيَ ناظِرَةٌ

فَما تُقابِلُهُ إِلّا عَلى وَجَلِ

قَد عَرَّضَ السَيفَ دونَ النازِلاتِ بِهِ

وَظاهَرَ الحَزمَ بَينَ النَفسِ وَالغِيَلِ

وَوَكَّلَ الظَنَّ بِالأَسرارِ فَاِنكَشَفَت

لَهُ ضَمائِرُ أَهلِ السَهلِ وَالجَبَلِ

هُوَ الشُجاعُ يَعُدُّ البُخلَ مِن جُبُنٍ

وَهوَ الجَوادُ يَعُدُّ الجُبنَ مِن بَخَلِ

يَعودُ مِن كُلِّ فَتحٍ غَيرَ مُفتَخِرٍ

وَقَد أَغَذَّ إِلَيهِ غَيرَ مُحتَفِلٍ

وَلا يُجيرُ عَلَيهِ الدَهرُ بُغيَتَهُ

وَلا تُحَصِّنُ دِرعٌ مُهجَةَ البَطَلِ

إِذا خَلَعتُ عَلى عِرضٍ لَهُ حُلَلاً

وَجَدتُها مِنهُ في أَبهى مِنَ الحُلَلِ

بِذي الغَباوَةِ مِن إِنشادِها ضَرَرٌ

كَما تُضِرُّ رِياحُ الوَردِ بِالجُعَلِ

لَقَد رَأَت كُلُّ عَينٍ مِنكَ مالِئَها

وَجَرَّبَت خَيرَ سَيفٍ خَيرَةُ الدُوَلِ

فَما تُكَشِّفُكَ الأَعداءُ مِن مَلَلٍ

مِنَ الحُروبِ وَلا الآراءِ عَن زَلَلِ

وَكَم رِجالٍ بِلا أَرضٍ لِكَثرَتِهِم

تَرَكتَ جَمعَهُمُ أَرضاً بِلا رَجُلِ

ما زالَ طِرفُكَ يَجري في دِمائِهِمِ

حَتّى مَشى بِكَ مَشيَ الشارِبِ الثَمِلِ

يا مَن يَسيرُ وَحُكمُ الناظِرينَ لَهُ

فيما يَراهُ وَحُكمُ القَلبِ في الجَذَلِ

إِنَّ السَعادَةَ فيما أَنتَ فاعِلُهُ

وُفِّقتَ مُرتَحِلاً أَو غَيرَ مُرتَحِلِ

أَجرِ الجِيادَ عَلى ما كُنتَ مُجرِيَها

وَخُذ بِنَفسِكَ في أَخلاقِكَ الأُوَلِ

يَنظُرنَ مِن مُقَلٍ أَدمى أَحِجَّتَها

قَرعُ الفَوارِسِ بِالعَسّالَةِ الذُبُلِ

فَلا هَجَمتَ بِها إِلّا عَلى ظَفَرٍ

وَلا وَصَلتَ بِها إِلّا عَلى أَمَلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان المتنبي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات