أخلاي بالفيحاء إن طال بعدكم

ديوان صفي الدين الحلي

أَخِلّايَ بِالفَيحاءِ إِن طالَ بُعدُكُم

فَأَنتُم إِلى قَلبي كَسِحرِيَ مِن نَحري

وَإِن يَخلُ مِن تِكرارِ ذِكري حَديثُكُمُ

فَلَم يَخلُ يَوماً مِن مَديحِكُم شِعري

فَوَاللَهِ لا يَشفي نَزيفَ هَواكُمُ

سِوى خَمرِ أُنسٍ كانَ مِنكُم بِها سُكري

أَرى كُلَّ ذي داءٍ يُداوى بِضَدِّهِ

وَلَيسَ يُداوى ذو الخُمارِ بِلا خَمرِ

أُطالِبُ نَفسِيَ بِالتَصَبُّرِ عَنكُمُ

وَأَوَّلُ ما أُفقِدتُ بَعدَكُم صَبري

فَإِن كانَ عَصرُ الأُنسِ مِنكُم قَدِ اِنقَضى

فَوَالعَصرِ إِنّي بَعدَ ذَلِكَ في خُسرِ

بَكَيتُ لِفَقدِ الأَربَعِ الخُضرِ مِنكُم

عَلى الرَملَةِ الفَيحاءِ بِالأَربِعِ الحُمرِ

فَكَيفَ بَقِيَ إِنسانُ عَيني وَقَد مَضى

عَلى ذَلِكَ الإِنسانُ حينٌ مِنَ الدَهرِ

سَقى رَوضَةَ السَعدِيِّ مِن أَرضِ بابِلٍ

سَحابٌ ضَحوكُ البَرقِ مُنتَحِبُ القَطرِ

وَحَيّا الحَيا مَغنىً قَضَيتُ بِرَبعِهِ

فُروضَ الصِبا ما بَينَ رَملَةَ وَالجِسرِ

وَرُبَّ نَسيمٍ مَرَّ لي مِن دِيارِكُم

فَفاحَ لَنا مِن طَيِّةِ طَيِّبُ النَشرِ

وَأَذكَرَني عَهداً وَما كُنتُ ناسِياً

وَلَكِنَّهُ تَجديدُ ذِكرٍ عَلى ذِكرِ

فَيا أَيُّها الشَيخُ الَّذي عَقدُ حُبِّهِ

تَنَزَّلَ مِنّي مَنزِلَ الروحِ مِن صَدري

تُجاذِبُني الأَشواقُ نَحوَ دِيارِكُم

وَأَحذَرُ مِن كَيدِ العَدُوِّ الَّذي يَدري

مَخافَةَ مَذّاقِ اللِسانِ يُسَرُّ لي

ضُروبَ الرَدى بَينَ البَشاشَةِ وَالبِشرِ

وَيَنثُرُ لي حَبَّ الوَفاءِ تَمَلَّقاً

وَيَنصُبُ لي مِن تَحتِهِ شَرَكَ الغَدرِ

وَما أَنا مَن يُلقي إِلى الحَتفِ نَفسَهُ

وَيَجهَدُ في اِستِخلاصِها مِنهُ بِالقَسرِ

إِذا كانَ ذِكرُ المَرءِ شَيخَ حَياتِهِ

فَإِنَّ طَريفَ المالِ كَالواوِ في عَمرِو

وَلَكِن لي في مارِدَينِ مَعاشِراً

شَدَدتُ بِهِم لَمّا حَلَلتُ بِها أَزري

مُلوكٌ إِذاّ أَلقى الزَمانُ حِبالَهُ

جَعَلتُهُمُ في كُلِّ نائِبَةٍ ذُخري

وَما أَحدَثَت أَيدي الزَمانِ إِساءَةً

وَوافَيتُهُم إِلّا اِنتَقَمتُ مِنَ الدَهرِ

إِذا جِئتُهُم مُستَصرِخاً حَقَنوا دَمي

وَإِن جِئتُهُم مُستَجدِياً وَفَروا وَفري

عَزائِمُ مَن لَم يَخشَ بِالبَطشِ مِن رَدىً

وَإِنعامُ مَن لَم يَخشَ بِالجودِ مِن فَقرِ

وَرَوَّوا بِماءِ الجودِ غَرسَ أَبيهِمُ

فَأَينَعَ في أَغصانِهِ ثَمَرُ الشُكرِ

وَقَلَّدَني السُلطانُ مِنهُ بِأَنعُمٍ

أَخَفَّ بِها نَهضي وَإِن أَثقَلَت ظَهري

هُوَ الصالِحُ المَلكُ الَّذي صَلُحَت بِهِ

أُمورُ الوَرى وَاِستُبدِلَ العُسرُ بِاليُسرِ

يَبيتُ بِها كَفّي عَلى الفَتحِ بَعدَما

بَنَت نُوَبُ الأَيّامِ قَلبي عَلى الكَسرِ

وَبُدِّلتُ مِن دُهمِ اللَيالي وَغَيرِها

لَدَيهِ بِأَيّامٍ مُحَجَّلَةٍ غُرِّ

حَطَطتُ رِحالي في رَبيعِ رُبوعِهِ

وَلَولاهُ لَم أَثنِ الأَعِنَّةَ عَن مِصري

مَنازِلُ ما لاقَيتُ فيها نَدامَةً

سِوى أَنَّني قَضيتُ في غَيرِها عُمري

فَلَم يَكُ كَالفِردَوسِ غَيرُ سَميّهِ

مِنَ الخُلدِ لا خُلدُ الخَليفَةِ وَالقَصرِ

وَوادٍ حَكى الخَنساءَ لا في شُجونِها

وَلَكِن لَهُ عَينانِ تَجري عَلى صَخرِ

كَأَنَّ بِهِ الجودانَ بِالسُحبِ شامِتٌ

فَما اِنتَحَبَت إِلّا اِنثَنى باسِمَ الثَغرِ

تَعانَقَتِ الأَغصانُ فيهِ فَأَسبَلَت

عَلى الرَوضِ أَستاراً مِنَ الوَرَقِ الخُضرِ

إِذا ما حِبالُ الشَمسِ مِنها تَخَلَّصَت

إِلى رَوضِهِ أَلقَت شِراكاً مِنَ التِبرِ

تُدارُ بِهِ مِن دَيرِ شَهلانَ قَهوَةٌ

جَلَتها لَنا أَيدي القُسوسِ مِنَ الخِدرِ

إِذا ما حَسَوناها وَسارَ سُرورُها

إِلى مُنتَهى الأَفكارِ مِن مَوضِعِ السِرِّ

نُعِدُّ لَها نَقلَ الفُكاهَةِ وَالحِجى

وَنَجلو عَليها بَهجَةَ النَظمِ وَالنَثرِ

وَنَحنُ نُوَفّي العَيشَ بِاللَهوِ حَقَّهُ

وَنَسرِقُ ساعاتِ السُرورِ مِنَ العُمرِ

وَقَد عَمَّنا فَصلُ الرَبيعِ بِفَضلِهِ

فَبادَرَنا بِالوَردِ في أَوَّلِ القَطرِ

فَيا أَيُّها المَولى الَّذي وَصفُ فَضلِهِ

يَجِلُّ عَنِ التَعدادِ وَالحَدِّ وَالحَصرِ

أَبُثُّكَ بِالأَشعارِ فَرطَ تَشَوُّقي

وَلا أَتَعاطى حَصرَ وَصفِكَ بِالشِعرِ

وَأَعجَبُ شَيءٍ أَنَّني مَعَ تَيَقُّظي

إِلى مُخلَصِ الأَلفاظِ مِن شَرَكِ الهُجرِ

أَسوقُ إِلى البَحرِ الخَضَمِّ جَواهِري

وَأُهدي إِلى أَبناءِ بابِلَ مِن سِحري

فَمُنَّ فَدَتكَ النَفسُ بِالعُذرِ مُنعِماً

عَلَيَّ وَشاوِر حُسنَ رَأيِكَ في الأَمرِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات