أحسن ما يبدي به الكلام

ديوان الأمير الصنعاني

أحسن ما يبدي به الكلام

وما به يفتتح النظام

وأبرع استهلال قول القائل

عند ابتداء التحبير للرسائل

حمد الذي ليس له مجانس

في مطلق الكمال أو مقايس

ولا بليغ مشبه بفضله

مركباً ومفرداً من قوله

غايته تلفيق مالا يعلق

بذيلها فهو بها لا يلحق

تفردت بغاية التمام

يا عجباً من ذا لها يسامي

كم من بليغ كامل مفوف

عض بنان كفه المطرف

معترفاً بأنه مصحف

في كل ما يقول محرف

وقائلاً لكل ما أفاضا

بأنه قد جالس الألفاظا

إنك مغلوب الفؤاد يا فتى

متى متى تبلغ ذا أنت متى

جناس معناها البديع ما أحد

فإنه مستطرد وما قصد

لو استعار من جميع البلغا

واستخدم الصاحب ثم النبغا

وافتن في خدمة كل فاضل

ولف ما ينشر في الرسائل

ما التفت السامع إلا استدركا

يقول قد أبهم ذا فيما حكى

وانطبقت في مقته العبارة

ونحوه كل يشن الغاره

يرسل في الذم له أمثالا

محبراً في هجوه المقالا

منزهاً عن الهجا مقاله

بفاحش الذم بكل حاله

يهزل حيناً ويريد الجدا

والقول بالموجب حينما يبدا

فلا يرى مقتبساً من خله

غير لهيب قوله وفعله

يوارب الواصف بالتفويف

معبراً به عن التأفيف

يقول ذا هو الكلام الجامع

لكل ما تمجه المسامع

فراجعوا وعارضوا كلامه

وغايروا وناقضوا إبرامه

وذيلوا مشتبه الأطراف

في الضعف لا في جودة الأوصاف

ووشحوا ما شئتم من نظم

ونحوه قودوا جيوش الذم

متممين الذم للمجهول

في معرض المدح بحسن القول

ودفع صدر قوله بالعجز

عسى يتوب عن عراض المعجز

واحذر من استثنائك الهجاء

مراعياً نظيره حياء

موجهاً أنك ابن أنسه

رفقاً عليه من عتاب نفسه

تاللّه لا يترك حتى يقسما

بأنه قد تاب عما أجرما

محسناً تخليصه من ذنبه

مصلياً على النبي وحزبه

من في ثناه اطَّرد المديح

وانعكس الجهل به الصريح

وآله الدين من تردد

في فضلهم فهو الشقي الأنكد

ما حاز إلا النسبة اللفظية

من اتباع سيد البرية

وصحبه الغر الذين اجتمعوا

ودفعوا عن دينه ورفعوا

فانسجمت صفاتهم للسامع

فهات ضخم بالثنا مسامعي

كم تابعوا في دفع كل جاحد

وفرقوا جمع امرىء معاند

وصرحوا ولمحوا بالزجر

لكل من ناوأهم والهجر

وبعد فالتسهيم للمطارف

من الكلام عند كل عارف

بوشي ما من البديع ينسج

فالبلغا عما عداه عرجوا

لأنه عنوان حسن الشعر

كم شرعوا منهجه في الذكر

كم مذهب من الكلام ذهبوا

وكم به ديباج نظم ذهبوا

لا يرجعون عن بنا المعاني

فيه إذا توارت المغاني

أو إنه تجاهل العارف به

أو باعتراض في أَتى في دأبه

أو حصرت بلاغة الكلام

على أناس سالفي الأعوام

فإنهم عند أهيل الفضل

جزئي قوم ألحقوا بالكلي

قد دونوا التهذيب والتأديبا

وللأخير تركوا نصيبا

فالاتفاق بعد هذا قد وقع

بأنه كم من أخير قد جمع

مغترفاً من رائق الآداب

فما يلي الأعيان في الخطاب

موشحاً كلامه بالدرر

مكملاً ما قاله من غرر

بمدح من يلبس برد الدين

مشبه شيء منه أو شيئين

وإنه ألف بحر المنظوم

عليُّ الشهير بابن معصوم

قصيدة في مدح سيد الورى

خلف فيها سابقيه للورى

مسمياً لها بتقديم على

منوها بالاسم قدرها العلى

أورد فيها كل نوع يذكر

مع اسمه عند المثال يسطر

طالعت ما فيها من الكناية

وذقت ما فيها من العنايه

والدهر قد أوجب لي ضراه

مستلباً مني ما أهواه

فليس لي في السجن من مشاكل

إذ ما إليّ من صديق داخل

أرجو من الرحمن يستحيل

بالانعكاس سجني الطويل

فكم أقاسي فيه من هموم

وكم ألاقي فيه من غموم

تقسم الأفكار والمطامع

قلبي ولا تشفيني المدامع

فأوقع اللّه لي الإِشارة

أن أقتفي من نظمه آثاره

مرتباً شرحاً لما أملاه

مشاركاً في مقصدي مغزاه

تشبهاً بخادم الرسول

وليس لي إغراقه في القول

سميته توصل المسجون

منه إلى نبينا المأمون

من لا يزال في غلو قلبه

لفقده لكل من يحبه

وفقده الأشعار والفرائد

وجمع ما يقيمه شواهد

قد صرعتني أسهم الفراق

وصدعت قلبي بالاشتقاق

وولدت لي فكراً لا ترضى

وأبدعت في كل ما لا أرضى

وأوغلت في جمع كل نادره

ونازعت في محنتي مبادره

لذاك ما طرزت شرح الشعر

بغير ما طالعته في قصري

ولم أكرر فيه ما أمليه

ولا بتنكيت أتيت فيه

محسناً للاتباع فيما

ألفه أهل الذكا قديما

قوم لهم قد قيدت القوافي

طائعة وأظهرت خلافي

حين عصت فما لها انبساط

عندي ولا لطيرها انحطاط

لذاك ما أوعبت فيما أنقل

ولا توسعت بما يطول

ولم أدبِّجْ ذا ولم أسجع

ولم أعدد قول كل مبدع

إلا إذا عفو هنالك اتفق

لأنني ملاحظ حسن النسق

وجُلُّ قصدي حبي التعلل

بما إلى خير الأنام يوصل

لعله يرحم بالتعطف

عبداً يخاف من حلول التلف

عساه يستتبع هذا الفعلا

يمكنني الخلوص بعد الأملا

من منزل يمدح في الأقوال

في معرض الذم بكل حال

فليت شعري هل لمثلي تنفتح

ألغاز هذا الدهر ثم تتضح

ويذهب التوهيم عن أفكاري

مؤتلفاً بأهلي الأخيار

كالوزن والمعنى إذا ما ائتلفا

واللفظ مع لفظ يرى مؤتلفا

فعند هذا أوجز الشكاء

من زمني وأطنب الثناء

مسبحاً لفظ الثنا والشكر

ببذله التسهيل بعد اليسر

ومدمجاً للاحتراس حتماً

مهما جرى مني لشيء ذما

ومحسناً بيان ما أولاه

وعاقداً نظمي في ثناه

مسطراً عند استوا كلامي

براعة المطلب في نظامي

حسن ختامي بعد أن أصلي

على النبي والآل مهما أُمْلِي

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأمير الصنعاني، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات