أتظن راحا في الشمال شمولا

أتظن راحا في الشمال شمولا - عالم الأدب

أتَظُنُّ راحاً في الشَّمالِ شَمُولا

أتَظُنُّهَا سَكْرَى تَجُرُّ ذُيولا

نَشَرَتْ نَدَى أنفاسِها فكأنّمَا

نَشَرَتْ حِبالاتِ الدُّموعِ هُمولا

أوَكُلّما جَنَحَ الأصيلُ تَنَفّسَتْ

نَفَساً تُجاذِبُهُ إليَّ عَليلا

تُهْدَى صحائفُكُمْ مُنَشَّرَةً وما

تُغني مُراقَبَةُ العُيونِ فَتيلا

لا تُغمِضُوا نَظَرَ الرضا فلربَّما

ضَمّتْ عليه جَناحَها المبلولا

وكأنّ طَيْفاً ما اهتَدى فبعثْتُمُ

مِسكَ الجيوب الرَّدْعَ منه بَديلا

سأرُوعُ من ضَمّتِ حِجالُكُمُ وإن

غَدَتِ الأسِنّةُ دونَ ذلك غِيلا

أعصي رِماحَ الخطِّ دونكِ شُرّعاً

وأُطِيعُ فيكِ صَبابَةً وغَليلا

لا أعذِرُ النصْلَ المُفيتَ أباكِ أو

يَهْمي نفوساً أو يُقَدَّ فُلولا

ما للمعالِمِ والطُّلولِ أما كفى

بالعاشقينَ معالماً وطُلولا

فكأنّنَا شَمْلُ الدّموعِ تَفَرُّقاً

وكأنّنَا سِرُّ الوَداعِ نُحُولا

ولقد ذممْتُ قصيرَ ليلي في الهوى

وحَمِدتُ من مَتْنِ القناةِ طويلا

إنّي لَتُكْسِبُني المَحامِدَ هِمّةٌ

نَجَمَتْ وكلَّفَتِ النُّجومَ أُفُولا

بَكَرَتْ تَلُومُ على النّدى أزديّةٌ

تَنمي إليه خَضارماً وقُيُولا

يا هَذِهِ إنْ يَفْنَ فارطُ مَجدهِمْ

فخُذي إليكِ النَّيلَ والتنويلا

يا هذه لَولا المساعي الغُرُّ مَا

زعموا أباكِ الماجِدَ البُهلولا

إنّا لَيُنْجِدُنا السّماحُ على الّتي

تَذَرُ الغَمامَ المُستهِلَّ بَخِيلا

وتَظُنُّ في لَهَواتِنا أسيافَنَا

وتَخالُ في تاجِ المعزِّ رسولا

هذا ابنُ وَحيِ اللّهِ تأخُذُ هَدْيَها

عنهُ الملائكُ بُكْرَةً وأصِيلا

ذو النُّورِ تُولِيهِ مكارمُ هاشِمٍ

شُكرْاً كنائلِهِ الجزيلِ جزيلا

لا مثلَ يَومي منه يومُ أدِلّةٍ

تُهْدي إلى المُتَفَقِّهِينَ عُقولا

في مَوسِمِ النَّحْرِ السَّنيعِ يَرُوقُني

فأغُضُّ طَرفاً عن سَناهُ كَليلا

والجوَّ يَعثِرُ بالأسِنّةِ والظُّبَى

والأرضُ واجِفَةٌ تَمِيلُ مَميلا

والخافِقاتُ على الوشيجِ كأنّما

حاولنَ عندَ المُعصِراتِ ذُحُولا

والأُسْدُ فاغِرَةٌ تُمَطّي نِيبَها

والدّهْرُ يَنْدُبُ شِلْوَهُ المأكولا

والشمسُ حاسِرَةُ القِناعِ ووُدُّها

لو تستطيعُ لتُربِهِ تقبيلا

وعلى أميرِ المؤمنِينَ غمامَةٌ

نَشَأتْ تُظَلِّلُ تاجَهُ تَظليلا

نَهَضَتْ بثقل الدُّرِّ ضوعِفَ نسجُها

فَجَرَتْ عليه عَسجداً محلولا

أمُديرَها من حيثُ دارَ لَشَدّ مَا

زاحمتَ حولَ ركابهِ جِبريلا

ذَعَرَتْ مواكبُهُ الجبِالَ فأعلَنَتْ

هَضَبَاتُهَا التكبيرَ والتهليلا

قد ضَمّ قُطرَيها العَجاجُ فما تَرى

بينَ السِّنانِ وكعبِهِ تخليلا

رُفِعَتْ له فيها قِبابٌ لم تكُنْ

ظُعْناً بأجراعِ الحِمى وحُمولا

أيكِيّةِ الذهَبِ المرصَّعِ رَفرَفَتْ

فيها حَمامٌ ما دَعَونَ هَديلا

وتُبَاشِرُ الفلكَ الأثيرَ كأنّمَا

تَبغي بهِنَّ إلى السماء رَحيلا

تُدْني إليها النُّجْبُ كلُّ عُذافرٍ

يَهْوي إذا سارَ المَطيُّ ذَميلا

تَتَعرّفُ الصُّهْبُ المُؤثَّلَ حولَهُ

نَسَباً وتُنكِرُ شَدقماً وجَديلا

وتُجِنُّ منْهُ كلُّ وَبْرَةِ لِبْدَةٍ

لَيْثاً ويَحمِلُ كُلُّ عُضْوٍ فيلا

وتَظُنُّهُ مُتَخَمِّطاً من كِبْرِهِ

وتَخَالُهُ متنمِّراً لِيَصُولا

وكأنّما الجُرْدُ الجَنائبُ خُرَّدٌ

سَفَرَتْ تَشوقُ مُتيَّماً مَتبولا

تَبْدو عليها للمعِزِّ جَلالَهٌ

فيكونُ أكثرُ مَشْيِهَا تَبْجيلا

ويَجِلُّ عنها قَدرُهُ حتى إذا

راقَتْهُ كانَتْ نائِلاً مبذولا

من كلّ يَعْبُوب يَحيدُ فلا ترى

إلاّ قَذالاً سامِياً وتَليلا

وكَأنّ بَينَ عِنانِهِ ولَبانِهِ

رَشَأً يَريعُ إلى الكنِاسِ خَذولا

لَوْ تَشْرَئِبُّ لهُ عقيلةُ رَبْرَبٍ

ظَنّتْهُ جُؤذَرَ رَمْلِها المَكحولا

إنْ شِيمَ أقبلَ عارضاً مُتهلِّلاً

أو رِيعَ أدبَرَ خاضباً إجْفِيلا

تتبيّنُ اللّحَظاتُ فيهِ مَواقِعاً

فتظُنُّ فيهِ للقِداحِ مُجِيلا

تَتَنزّلُ الأروى على صَهَواتِهِ

ويبِيتُ في وَكْرِ العُقابِ نزيلا

يَهْوي بأُمِّ الخِشْفِ بينَ فُروجِهِ

ويُقَيِّدُ الأدمانَةَ العُطْبُولا

صَلَتانُ يَعْنُفُ بالبُرُوقِ لَوامِعاً

ولقد يكونُ لأمّهِنّ سَليلا

يَسْتَغْرِقُ الشّأوَ المُغَرِّبَ مُعْنِقاً

ويجيءُ سابِقَ حَلبةٍ مَشكولا

هذا الّذي مَلأ القُلوبَ جَلالَةً

هذا الّذي تَرَكَ العزيزَ ذَليلا

فإذا نَظَرْتَ نَظرْتَ غَيرَ مُشَبَّهٍ

إلاّ التِماحَكَ رايَةً ورَعِيلا

إنْ تَلْتَفِتْ فكَرادسِاً ومَقانِباً

أو تَسْتَمِعْ فتَغَمْغُماً وصَهِيلا

يوْمٌ تجلّى اللّهُ من مَلَكُوتِهِ

فرآكَ في المرأى الجليلِ جَليلا

جَلّيْتَ فيهِ بنَظَرةٍ فَمَنَحْتَهُ

نَظَراً برؤيةِ غيرِهِ مشغولا

وتَحَلَّتِ الدّنْيا بسِمْطَيْ دُرِّهَا

فرأيتُها شَخصاً لديكَ ضَئيلا

ولحظْتُ مَنبرَكَ المُعَلّى راجِفاً

من تحتِ عِقْدِ الرّايَتَينِ مَهُولا

مسدولَ سِترِ جَلالَةٍ أنْطَقْتَهُ

فرفعْتَ عن حِكَمِ البيانِ سُدُولا

وقَضَيْتَ حَجَّ العامِ مُؤتَنِفاً وقَدْ

وَدّعْتَ عاماً للجِهادِ مُحيلا

وشَفَعْتَ في وَفْدِ الحجيجِ كأنّما

نَفّلْتَهُمْ إخلاصَكَ المقُبولا

وصدَرْتَ تَحْبو النّاكِثينَ مَواهِباً

هَزّتْ قَؤولاً للسّماحِ فَعُولا

وهي الجرائمُ والرّغائبُ ما التَقَتْ

إلاّ لِتَصْفَحَ قادِراً وتُنِيلا

قد جُدْتَ حتى أمَّلَتْكَ أُمَيّةٌ

لو أنّ وِتْراً لم يُضِعْ تأميلا

عجَباً لِمُنْصَلِكَ المقلَّدِ كيف لم

تَسِلِ النّفوسُ عليك منه مَسيلا

لم يخْلُ جَبّارُ المُلوكِ بِذِكْرِهِ

إلاّ تَشَحَّطَ في الدماء قتيلا

وكأنّ أرواحَ العِدى شاكَلْنَهُ

فإذا دَعا لَبّى الكَمِيَّ عَجُولا

وإذا اسْتَضاءَ شِهابَهُ بطَلٌ رأى

صُوَرَ الوقائعِ فوقه تَخْييلا

وإذا تَدَبَّرَهُ تَدَبَّرَ عِلّةً

للنّيِّرَاتِ ونَيّراً مَعْلُولا

لكَ حُسْنُهُ مُتَقَلَّداً وبَهاؤهُ

مُتَنَكَّباً ومضاؤهُ مَسْلُولا

كتَبَ الفِرنْدُ عليه بعضَ صَفاتكُمْ

فعرَفْتُ فيهِ التاجَ والإكليلا

قد كاد يُنْذرُ بالوعِيدِ لِطولِ مَا

أصغى إليك ويعلمُ التأويلا

فإذا غَضِبْتَ علَتْهُ دونك رُبْدَةٌ

يَغدُو لها طَرْفُ النهارِ كَليلا

وإذا طَوَيْتَ على الرِّضَى أهدى إلى

شمس الظَّهيرَةِ عارضاً مصْقولا

سمّاهُ جَدُّكَ ذا الفَقَارِ وإنّما

سَمّاهُ مَنْ عادَيْتَ عِزرائيلا

وكأنْ بهِ لم يُبْقِ وِتْراً ضائعاً

في كربلاءَ ولا دَماً مَطلولا

أوَما سَمِعْتُمْ عن وقائِعِهِ التي

لم تُبْقِ إشراكاً ولا تبديلا

سارَتْ بها شِيَعُ القصائدِ شُرَّداً

فكَأنّما كانَتْ صَباً وقَبُولا

حتى قَطَعْنَ إلى العراقِ الشأمَ عن

عُرُضٍ وخُضنَ إلى الفُراتِ النيلا

طَلَعَتْ على بغداد بالسِّيَرِ التّي

سَيَّرتُهَا غُرَراً لكُمْ وحُجُولا

أجْلَينَ مِنْ فِكَري إذا لم يَسمعوا

لسيوفِهِنَّ المُرهَفاتِ صَليلا

ولقد هَمَمْتُ بأنْ أفُكَّ قُيودَهَا

لمّا رأيْتُ المُحسِنينَ قَليلا

حتى رأيْتُ قصائِدي منحولَةً

والقولَ في أمِّ الكِتابِ مَقُولا

وَلَئِنْ بَقيتُ لأُخْلِيَنَّ لِغُرِّهَا

مَيدانَ سَبْقي مُقْصِراً ومُطِيلا

حتى كأنّي مُلْهَمٌ وكأنّها

سُوَرٌ أُرَتِّلُ آيَهَا تَرتِيلا

ولقد ذُعِرْتُ بما رأيْتُ فغودرَتْ

تلك المهنَّدَةُ الرِّقاقُ فُلُولا

ولقد رأيتُكَ لا بلَحْظٍ عاكِفٍ

فرأيتُ من شِيَمِ النبيّ شُكولا

ولقد سمعتُكَ لا بسَمعي هيبَةً

لكنْ وجَدتُكَ جوهراً معقولا

أبَني النّبُوّةِ هل نُبادِرُ غايَةً

ونَقُولُ فيكم غيرَ ما قد قِيلا

إنّ الخبيرَ بكم أجَدَّ بخُلقكم

غيباً فجرَّدَ فيكمُ التنزيلا

آتاكُمُ القُدْسَ الذي لم يُؤتِهِ

بَشَراً وأنْفَذَ فيكمُ التّفضيلا

إنّا استَلَمنا رُكنَكُم ودَنَوْتُمُ

حتى استَلمْتُمْ عَرشَهُ المحمولا

فوَصَلتُمُ ما بيْنَنَا وأمدَّكُمْ

برهانُهُ سبباً به موصولا

ما عُذرُكُم أن لا تطيبَ فُرُوعُكُمْ

ولقد رسختُمْ في السماء أُصولا

أعطَتكُمُ شُمُّ الأنُوفِ مَقادَةً

وركبتُمُ ظَهْرَ الزّمانِ ذَلولا

خَلّدتُمُ في العبشمِيّةِ لَعْنَةً

خلقت وما خلقوا لها تعجيلا

راعتهم بكم البروق كأنما

جرَّدتُمُوهَا في السحابِ نُصُولا

في مَن يظُنّونَ الإمامةَ منهُمُ

إنْ حُصّلَتْ أنْسابُهُمْ تَحْصِيلا

مِنْ أهْلِ بَيْتٍ لم يَنالوا سَعْيَهُم

من فاضِلٍ عَدَلوا به مفضولا

لا تَعْجَلوا إنّي رأيتُ أناتَكُمْ

وَطْئاً على كَتِدِ الزمان ثَقِيلا

أمُتَوَّجَ الخُلَفاءِ حاكِمْهُم وإنْ

كان القَضاءُ بما تشاءُ كَفيلا

فالكُتْبُ لولا أنّها لكَ شُهَّدٌ

ما فُصِّلَتْ آياتُهَا تفصيلا

اللّهُ يَجْزيكَ الذي لم يَجْزِهِ

فيما هَدَيْتَ الجاهلَ الضِّلّيلا

ولقد بَرَاكَ وكنْتَ مَوثِقَهُ الذي

أخذَ الكِتابَ وعهْدَهُ المسؤولا

حتى إذا استرعاكَ أمرَ عِبادِهِ

أدْنَى إليهِ أباكَ إسماعيلا

من بينِ حُجبِ النّورِ حيثُ تَبوّأتْ

آباؤهُ ظِلَّ الجِنانِ ظَليلا

أدّى أمانَتَهُ وزِيدَ منَ الرِّضَى

قُرباً فجاوَرَهُ الإلَهُ خَليلا

ووَرثتَهُ البُرْهانَ والتِّبيانَ وال

فُرْقانَ والتّوراةَ والإنجيلا

وَعَلِمتَ من مكنونِ عِلمِ اللّهِ ما

لم يُؤتِ جبريلاً وميكائِيلا

لو كنتَ آوِنَةً نَبِيّاً مُرْسَلاً

نُشرَتْ بمبعثِكَ القُرونُ الأولى

أو كنتَ نُوحاً مُنذِراً في قومِهِ

ما زادَهم بدُعائِهِ تَضليلا

للّهِ فيكَ سريرَةٌ لوْ أُعلِنَتْ

أحيَا بذِكرِكَ قاتِلٌ مَقُتولا

لو كانَ أعطَى الخَلْقَ ما أُوتيتَهُ

لم يَخْلُقِ التّشبيهَ والتمثيلا

لولا حِجابٌ دونَ علمِك حاجِزٌ

وَجَدوا إلى عِلمِ الغُيُوبِ سَبيلا

لولاكَ لم يكُنِ التفكُّرُ واعِظاً

والعقلُ رُشْداً والقياسُ دَليلا

لو لم تكُنْ سَبَبَ النّجاةِ لأهْلِها

لم يُغْنِ إيمانُ العِبادِ فَتيلا

لو لم تُعَرِّفْنا بذاتِ نُفُوسِنا

كانَتْ لدَينا عالَماً مجهُولا

لو لم يَفِضْ لك في البرِيّةِ نائِلٌ

كانَت مُفوَّفَة الرّياضِ مَحُولا

لو لم تكن سكَنَ البلادِ تَضَعضَعتْ

ولَزُيِّلَتْ أركانُها تَزييلا

لو لم يكُنْ فيكَ اعتبارٌ للوَرَى

ضَلُّوا فلم يَكْنِ الدليل دليلا

نَبِّهْ لنا قَدْراً نَغيظُ بهِ العِدَى

فلقد تَجَهَّمَنا الزّمانُ خُمولا

لو كنْتَ قبلَ تكونُ جامعَ شَملنا

ما نِيلَ منِ حُرُماتِنا ما نِيلا

نَعْتَدُّ أيْسَرَ ما ملكتَ رِقابَنَا

وأقَلَّ ما نَرجو بكَ المَأمولا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن هانئ الأندلسي، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات