أبى الحزن أن أسلى بني وسورة

ديوان الفرزدق

أَبى الحُزنَ أَن أَسلى بَنِيَّ وَسَورَةٌ

أَراها إِذا الأَيدي تَلاقَت غِضابُها

وَما اِبنايَ إِلّا مِثلُ مَن قَد أَصابَهُ

حِبالُ المَنايا مَرُّها وَاِشتِعابُها

ثَوى اِبنايَ في بَيتي مُقامٌ كِلاهُما

أَخِلَّتُهُ عَنّي بَطيءٌ ذَهابُها

وَمَحفورَةٍ لا ماءَ فيها مَهيبَةٍ

يُغَطّى بِأَعوادِ المَنِيَّةِ نابُها

أَناخَ إِلَيها اِبنايَ ضَيفَي مَقامَةٍ

إِلى عُصبَةٍ ما تُستَعارُ ثِيابُها

فَلَم أَرَ حَيّاً قَد أَتى دونَ نَفسِهِ

مِنَ الأَرضِ جولاً هُوَّةٍ وَتُرابُها

مِنَ الناسِ إِلّا أَنَّ نَفسي تَعَلَّقَت

إِلى أَجَلٍ حَتّى يَجيءَ مُصابُها

وَكانوا هُمُ المالَ الَّذي لا أَبيعُهُ

وَدِرعي إِذا ما الحَربُ هَرَّت كِلابُها

وَكَم قاتِلٍ لِلجوعِ قَد كانَ مِنهُمُ

وَمِن حَيَّةٍ قَد كانَ سُمّاً لُعابُها

إِذا ذُكِرَت أَسمائُهُم أَو دُعوا بِها

تَكادُ حَيازيمي تَفَرّى صِلابُها

وَكُنتُ بِهِم كَاللَيثِ في خيسِ غابَةٍ

أَبى ضارِعاتٍ كانَ يُرجى نُشابُها

وَكُنتُ وَإِشرافي عَلَيهِم وَما أَرى

لِنَفسِيَ إِذ هُم في فُؤادي لُبابُها

كَراكِزِ أَرماحٍ تُجَزِّعنَ بَعدَما

أُقيمَت حَوانيها وَسُنَّت حِرابُها

إِذا ذَكَرَت عَيني الَّذينَ هُمُ لَها

قَذىً هيجَ مِنها لِلبُكاءِ اِنسِكابُها

بَني الأَرضِ قَد كانوا بَنِيَّ فَعَزَّني

عَلَيهِم لِئاجالِ المَنايا كِتابُها

وَلَولا الَّذي لِلأَرضِ ما ذَهَبَت بِهِم

وَلَمّا تَفَلَّل بِالسُيوفِ حِرابُها

وَكائِن أَصابَت مُؤمِناً مِن مُصيبَةٍ

عَلى اللَهِ عُقباها وَمِنهُ ثَوابُها

هَجَرنا بُيوتاً أَن تُزارَ وَأَهلُها

عَزيزٌ عَلَينا يا نَوارُ اِجتِنابُها

وَداعٍ عَلَيَّ اللَهُ لَو مِتُّ قَد رَأى

بِدَعوَتِهِ ما يَتَّقي لَو يُجابُها

وَمِن مُتَمَنٍّ أَن أَموتَ وَقَد بَنَت

حَياتي لَهُ شُمّاً عِظاماً قِبابُها

سَيُبلِغُ عَنّي الأَخطَلَينِ اِبنَ غالِبٍ

وَأَخطَلَ بَكرٍ حينَ عَبَّ عُبابُها

أَخي وَخَليلي التَغلِبِيَّ وَدونَهُ

سَخاويُّ تَنضى في الفَيافي رِكابُها

وَخُنسٌ تَسوقُ السَخلَ كُلَّ عَشِيَّةٍ

بِداوِيَّةٍ غَبراءَ دُرمٍ حِدابُها

فَلا تَحسِبا أَنّي تَضَعضَعَ جانِبي

وَلاءَنَّ نارَ الحَربِ يَخبو شِهابُها

بَقيتُ وَأَبقَت مِن قَناتي مَصابَتي

عَشَوزَنَةً زَوراءَ صُمّاً كِعابُها

عَلى حَدَثٍ لَو أَنَّ سَلمى أَصابَها

بِمِثلِ بَنِيَّ اِرفَضَّ مِنها هِضابُها

وَما زِلتُ أَرمي الحَربَ حَتّى تَرَكتُها

كَسيرَ الجَناحِ ما تَدِفَّ عُقابُها

إِذا ما اِمتَراها الحالِبونَ عَصَبتُها

عَلى الجَمرِ حَتّى ما يَدِرُّ عِصابُها

وَأَقعَت عَلى الأَذنابِ كُلُّ قَبيلَةٍ

عَلى مَضَضٍ مِنّي وَذَلَّت رِقابُها

أَخٌ لَكُما إِن عَضَّ بِالحَربِ أَصبَحَت

ذَلولاً وَإِن عَضَّت بِهِ فُلَّ نابُها

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الفرزدق، شعراء العصر الأموي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات