أبد سنا وجهك من حجابه

ديوان صفي الدين الحلي

أَبدِ سَنا وَجهِكَ مِن حِجابِهِ

فَالسَيفُ لا يَقطَعُ في قِرابِهِ

وَاللَيثُ لا يُرهَبُ مِن زَئيرِهِ

إِذا اِغتَدى مُحتَجِباً بِغابِهِ

وَالنَجمُ لا يَهدي السَبيلَ سارِياً

إِلّا إِذا أَسفَرَ مِن حِجابِهِ

وَالشَهدُ لَولا أَن يُذاّقَ طَعمُهُ

لَما غَدا مُمَيَّزاً عَن صابِهِ

إِذا بَدا نُورُكَ لا يَصُدُّهُ

تَزاحُمُ المَوكِبِ في اِرتِكابِهِ

وَلا يَضُرُّ البَدرَ وَهوَ مُشرِقٌ

أَنَّ رَقيقَ الغَيمِ مِن نِقابِهِ

قُم غَيرَ مَأمورٍ وَلَكِن مِثلَما

هُزَّ الحُسامُ ساعَةَ اِجتِذابِهِ

فَالعُميُ لا تَعلَمُ إِرزامَ الحَيا

حَتّى يَكونَ الرَعدُ في سَحابِهِ

كَم مُدرِكٍ في يَومِهِ بِعَزمِهِ

ما لَم يَكُن بِالأَمسِ في حِسابِهِ

مَن كانَتِ السُمرُ اللَدانُ رُسلَهُ

كانَ بُلوغُ النَصرِ مِن جَوابِهِ

لا تُبقِ أَحزابَ العُداةِ وَاِعتَمِد

ما اِعتَمَدَ النَبِيُّ في أَحزابِهِ

وَلا تَقُل إِنَّ الصَغيرَ عاجِزٌ

هَل يَجرَحُ اللَيثَ سِوى ذُبابِهِ

فَاِرمِ ذُرى قَلعَتِهِم بِقَلعَةٍ

تَقلَعُ أُسَّ الطودِ مِن تُرابِهِ

فَإِنَّها إِذا رَأَتكَ مُقبِلاً

مادَت وَخَرَّ السورُ لِاِضطِرابِهِ

إِن لَم تُحاكِ الدَهرَ في دَوامِهِ

فَإِنَّها تَحكيهِ في اِنقِلابِهِ

وَاِجِلُ لَهُم عَزماً إِذا جَلَوتَهُ

في اللَيلِ أَغنى اللَيلَ عَن شِهابِهِ

عَزمُ مَليكٍ يَخضَعُ الدَهرُ لَهُ

وَتَسجُدُ المُلوكُ في أَعتابِهِ

تُحاذِرُ الأَحداثُ مِن حَديثِهِ

وَتَجزَعُ الخُطوبُ مِن خِطابِهِ

قَد صَرَفَ الحِجابَ عَن حَضرَتِهِ

وَصَيَّرَ الهَيبَةَ مِن حِجابِهِ

إِذا رَأى الأَمرَ بِعَينِ فِكرِهِ

رَأى خَطاءَ الرَأيِ مِن صَوابِهِ

وَإِن أَجالَ رَأيَهُ في مُشكِلٍ

أَعانَهُ الحَقُّ عَلا طِلابِهِ

تَنقادُ مَعَ أَرائِهِ أَيّامُهُ

مِثلَ اِنقِيادِ اللَفظِ مَع إِعرابِهِ

لا يَزجُرُ البارِحَ في اِعتِراضِهِ

وَلا غُرابَ البَينِ في تَنعابِهِ

وَلا يَرى حُكمَ النُجومِ مانِعاً

يُرَدِّدُ الحَزمَ عَلى أَعقابِهِ

يُقرَأُ مِن عُنوانِ سِرِّ رَأيِهِ

ما سَطَّرَ القَضاءُ في كِتابِهِ

قَد أَشرَقَت بِنورِهِ أَيّامُهُ

كَأَنَّما تَبسِمُ عَن أَحسابِهِ

يَكادُ أَن تُلهيهِ عَن طالِبِهِ

مَطالِبُ الحَمدِ وَعَن شَرابِهِ

ما سارَ لِلناسِ ثَناءٌ سائِرٌ

إِلّا وَحَطَّ رَحلَهُ بِبابِهِ

إِذا اِستَجارَ مالُهُ بِكَفِّهِ

أَدانَهُ الجودَ عَلى ذَهابِهِ

وَإِن كَسا الدَهرُ الأَنامَ مَفخَراً

ظَنَنتَهُ يَخلَعُ مِن ثِيابِهِ

يامَلِكاً يَرى العَدُوَّ قُربَهُ

كَالأَجَلِ المَحتومِ في اِقتِرابِهِ

لا تَبذُلِ الحِلَ لِغَيرِ شاكِرٍ

فَإِنَّهُ يُفضي إِلى إِعجابِهِ

فَالغَيثُ يُستَسقى مَعَ اِعتِبابِهِ

وَإِنَّما يُسأَمُ في اِنسِكابِهِ

فَاِغزُ العِدى بِعَزمَةٍ مِن شَأنِها

إِتيانُ حَزمِ الرَأيِ مِن أَبوابِهِ

تُسلِمُ أَرواحَ العِدى إِلى الرَدى

وَتُرجِعُ الأَمرَ إِلى أَربابِهِ

حَتّى يَقولَ كُلُّ رَبِّ رُتبَةٍ

قَد رَجَعَ الحَقُّ إِلى نِصابِهِ

قَد رَفَعَ اللَهُ العَذابَ عَنهُمُ

فَشَمَّروا الساعِدَ في طِلابِهِ

رَنوا إِلى المُلكِ بِعَينِ غادِرٍ

أَطمَعَهُ حِلمُكَ في اِقتِضابِهِ

إِن لَم تُقَطِّعِ بِالظُبى أَوصالَهُم

لَم تَقطَعِ الآمالَ مِن أَسبابِهِ

لا تَقبَلِ العُذرَ فَإِنَّ رَبَّهُ

قَد أَضمَرَ التَصحيفَ في كِتابِهِ

فَتَوبَةُ المُقلِعِ إِثرَ ذَنبِهِ

وَتَوبَةُ الغادِرِ مَع عِقابِهِ

لَو أَنَّهُم خافوا كِفاءَ ذَنبِهِم

لَم يُقَدِموا يَوماً عَلى اِرتِكابِهِ

فَاِصرِم حِبالَ عَزمِهِم بِصارِمٍ

قَد بالَغَ القُيونُ في اِنتِخابِهِ

كَأَنَّما النَملُ عَلى صَفحَتِهِ

وَأَكرُعُ الذُبابِ في ذُبابِهِ

يَعتَذِرُ المَوتُ إِلى شَفرَتِهِ

وَتَقصُرُ الآجالُ عَن عِتابِهِ

شَيخٌ إِذا اِقتَضَّ النُفوسَ قُوَّضَت

وَلا تَزالُ الصيدُ مِن خُطّابِهِ

يُذيقُهُم في شَيبِهِ أَضعافَ ما

أَذاقَهُ القُيونُ في شَبابِهِ

يا مَلِكاً يَعتَذِرُ الدَهرُ لَهُ

وَتَخدُمُ الأَيّامُ في رِكابِهِ

لَم يَكُ تَحريضي لَكُم إِساءَةً

وَلَم أَحُل في القَولِ عَن آدابِهِ

وَلا يَعيبُ السَيفَ وَهوَ صارِمٌ

هَذُّ يَدِ الجاذِبِ في اِنتِدابِهِ

ذِكرُكَ مَشهورٌ وَنَظمي سائِرٌ

كِلاهُما أَمعَنَ في اِغتِرابِهِ

ذِكرٌ جَميلٌ غَيرَ أَنَّ نَظمَهُ

يَزيدُهُ حُسناً مَعَ اِصطِحابِهِ

كَالدُرِّ لا يُظهِرُ حُسنَ عِقدِهِ

إِلّا جَوازُ السَلكِ في أَثقابِهِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان صفي الدين الحلي، شعراء العصر المملوكي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات