أبا حسن قد قلت لو كان فعال

ديوان ابن الرومي

أبا حسنٍ قد قلتَ لو كان فَعّالُ

فحسبُك قد سارتْ بخَطْبك أمثالُ

وأصبح ما قد قلتَهُ وثوابُهُ

عناؤك والحرمانُ والقيل والقالُ

ظللتَ على شرّ الحجارةِ عاكفاً

وليستْ لعُبّادِ الحجارةِ أعمالُ

ذهبتَ وإسماعيلُ في غير مذهبٍ

وأكثرُ تُبّاعِ المطامِع ضُلّالُ

فمنّاكَ ظنٌّ أن تنالَ نوالَه

ومَنَّاهُ ظنٌّ أَن تدومَ له الحالُ

وأنَّى يُرَى للَّهِ إهمالُ مُفسدٍ

وأنى يُرى للفضل في الناس أفضالُ

تمنيتُما ما لا يكونُ فأقصِرا

فقد لاح من غَرَّاءَ كالفجر إقبالُ

تجلّتْ سليمانيةٌ عَبدليّةٌ

يُحقَّقُ فيها للمحقين آمالُ

فلا يتعاظمْك الدَّعيُّ وحالُهُ

وإن كان للأحلام في النوم أهوالُ

كأني به في محبسٍ وثيابُهُ

من العُمر والنعماء والعزّ أسمالُ

غلائلُهُ الأَمساحُ يأكلنَ جلدَهُ

وحليتُهُ أقياد سُخطٍ وأغلالُ

يُغَنّيه بعد المُسمعاتِ إذا مشى

حديدٌ له منه سوارٌ وخلخالُ

كأني به قد قيلَ بعدَ ذهابهِ

ذميماً وقد لفَّتهُ نارٌ وأنكالُ

تردَّى مُضيعُ الماءِ والمال في لظى

وَغَالتهُ من أفعالِه الشنعِ أغوالُ

فلا ذاقَ عفوَ اللَّه عرَّةُ دولة

نبيهُ المخاري للخبائثِ أكَّالُ

وضيعُ المباني شامخُ الأنفِ طامحٌ

قصيرُ المساعي للكبائر حَمَّالُ

أضاع وخان الفيء واستضعف الوَرى

وأصبحَ يغتال الملوكَ ويحتالُ

كتضييعه ماءَ الرجالِ وخونِه

وليست لأرحام المخانيثِ أحمالُ

ولو أن فحلاً كان يحبلُ مرةً

إذن ناله مما تَجلّل إحبالُ

فأزهق مكرُ اللَّهِ ذي الحَوْلِ مكرَهُ

عقاباً ومكرُ اللَّهِ للمكر قتّالُ

وأصبحَ يبكيهِ نساءٌ وصبيةٌ

تَساندَ أيتامٌ عليهم وأرمالُ

وما عجبٌ أن خانتِ الماء رَملةٌ

ولا مُنكَرٌ أن ضَيّع الماءَ غِربالُ

وقد كان رَجَّى غلطةً من أميرنا

وهل يملك الدنيا مَسيحٌ ودجالُ

وكنا نراه كاتباً أو مؤاجراً

فواثَبنا منه الوليدُ وبَلّالُ

وما كان إلا ثعلباً كان حَينُهُ

فأودى به عَبْلُ الذراعين رِئبالُ

فأصبحَ مطوياً لمثواهُ أربعٌ

تباعٌ ومشروباً لمثواه أرطالُ

صيامٌ وشُرْبٌ يستحثُّ كؤوسَه

أراعدُ بالخابور نوقٌ وأجمالُ

لقد خُلّطتْ فيه البذورُ بحقِّها

إذا خلّطَ التدبير أهوجُ بطّالُ

ولا تبتئسْ بالعسر فاليسرُ بعده

وهل دونَ ما ترجوه باللَّه أقفالُ

لعلك واللَّهُ المبلّغُ أن تُرى

وآمالك الممطولة الوعدِ أموالُ

بأيدي بني وهبٍ فإنَّ سحابَهَمْ

سَحابٌ يعمُّ الناسَ بالغيث هَطّالُ

أولئك تنقادُ الأماديحُ فيهمُ

وليست على الأفكارِ منهن أثقالُ

لكل بديلٍ حين يخلو مكانُهُ

وما لبني وهب من الناس أبدالُ

هُمُ جبلُ اللَّهِ الذي لو أزالَهُ

وحاشاهُمُ ما زال للأرضِ زلزالُ

وهم آمناتُ اللَّهِ بين عباده

فلو فُورِقوا ما فارق الناسَ بلبالُ

ولم يُخلَقوا أبطالَ عَسفٍ وشدةٍ

ولكنَّهُم بالرفقِ واللينِ أبطالُ

وليسوا بأجذالِ الطعانِ ذوي القنا

ولكنهم للطعن بالرأي أَجذالُ

وبالرأي لا بالرمحِ والسيفِ مُصلتاً

تَواصلُ أوصالٌ وتنبتُّ أوصالُ

يسوسونَ أقلاماً خماصاً بطونُها

وهم وهْي أشباه من الخمص أشكالُ

خِماصٌ بأيديهم خِماصٌ عَفائفٌ

عن الغَيّ لم يخبث لها قطُّ آكالُ

على أنهم جوداً بحارٌ زَواخرٌ

وإن طولبوا بالحلمِ يوماً فأَجبالُ

ميامينُ يُضحي من تولَّوا أمورَهُ

مَليّاً بأن يُجبى له الحمدُ والمالُ

عليك وليَّ العهدِ بالقوم إنهم

إذا وُكّلوا بالملك لم يكُ إخلالُ

ولم يكُ في تلك الظهارةِ سُبَّةٌ

ولم يكن في تلك البطانةِ إدغالُ

ويَهنيك أن أصبحتَ دنيا وجنةً

فأصبحتِ الدنيا بدنياك تختالُ

ولا زلتَ جارَ المجد في رأس هضبةٍ

تفوتُ الردى ما حَلَّت الهضبَ أوعالُ

حياتك تخليدٌ وعيشُك نعمةٌ

وبُرداك إعظامٌ وتاجُك إجلالُ

وفيك منَ الخيراتِ ما رام رائمٌ

وما ارتاد مُرتادٌ وما اقتال مُقتالُ

وإن رفرفتْ يوماً عليك مُلمَّةٌ

فرفرف جبريل عليك وميكالُ

ويا طالبَ المعروفِ من غيرِ وجههِ

إليهم فثَمّ النيْلُ لا شك والنالُ

إليهم فما بدءُ الوفادةِ غُمَّةٌ

عليهم ولا عودُ الزيادة إملالُ

هنالك أعراقٌ كرامٌ وأوجهٌ

وِسامٌ وأخلاقٌ جسامٌ وأفعالُ

أناسٌ إذا علُّوا رأوا أن علَّهم

عُفاتَهمُ تلك الفواضلَ إنهالُ

وما القومُ بالجهّال بل أهل سؤددٍ

تغابوا ولاحوهم على ذاك جهّالُ

كرام إذا همُّوا بتشييد سؤددٍ

نسوا عنده ما شيَّد العم والخالُ

كأنهمُ ما وُرِّثوا ما كفاهُمُ

وقد شاد أعمام بُناهم وأخوالُ

تبارى لهم مدح ومنح كلاهما

وإنْ رغِم الحسادُ في الأرض جوَّالُ

وإمَّا عَراهم مادحوهم تحاشدوا

لتصديقهم فالقول للفعل مُنثالُ

إذا استُنْطِقُوا قالوا وإن سئلوا سالوا

وإن ساوروا نالوا وإن طاولوا طالوا

تُصاغُ بنعمَى آلِ وهبٍ أجِنَّةٌ

ويُغذى بها من بعد ذلك أطفالُ

ويكتهلُ الشبانُ تحت ظلالها

وتهرَم أجيالٌ عليها وأجيالُ

وإنَّ عبيدَ اللَّه للرَّأْسُ منهمُ

ولولا مكان الرأْسِ لم تك أوصالُ

تلافى عبيدُ اللَّه دينَ محمدٍ

فداوتْهُ كفَّاهُ وفي الدينِ إعضالُ

وردَّ بناء الملكِ سوراً مشيَّداً

وقد بقيت منه رسومٌ وأطلالُ

أبو القاسم المقسومُ في الناس عَوْنُهُ

إذا اقتسم الآفاقَ خوفٌ وإمحالُ

فتىً لم يزلْ يسعَى لدُنْ كان ناشئاً

لتنجَزَ آمال وتمطل آجالُ

وتبذل كفَّاهُ عقائلَ ماله

ليسكتَ سُؤَّالٌ وينطقَ عذّالُ

إذا حالتِ الأفعالُ ألفيْتَ فعلَهُ

وأُولاهُ إحسان وأُخراه إجمالُ

كسا المجدَ من أبرادهِ بعدَ عُرْيِهِ

وحلَّى العلا من حَلْيه وهي أعْطالُ

وأيُّ ابنِ تدبيرٍ وراعي رعيةٍ

ووالي رُعاةٍ حين تنهال أجوالُ

أخو الرأي والعزم اللذين كلاهما

شهابٌ سماويٌّ وأبيضُ قصَّالُ

له عزماتٌ لا تُفاتُ بفرصةٍ

وفيه أَناة قبل ذاك وإمهالُ

يبادرُ إلا أنّه غيرُ مرهَق

ويملي فلا الإمهال إذ ذاك إهمالُ

فلا في تأنّيه المبادئَ إغفالُ

ولا في تلافيه العواقبَ إعجالُ

مدحتُ به مَنْ لا معاناةُ مدحه

عناءٌ ولا تعويلُ راجيه إعوالُ

وقاهُ وقاءٌ مِنْ يدِ اللَّهِ محصِنٌ

لنُعماه أَنْ يغتالها الدهرَ مغتالُ

ومُتّعَ بابنْيهِ وبالسُّؤْلِ فيهما

لتكرمَ أفعالٌ وتحسُنَ أقوالُ

ولا خُلِّيُوا من ثروةٍ وسماحةٍ

لِتُقْسَمَ أنفالٌ وتُصْلَح أحوالُ

ولا عُرّيا من نجدةٍ وسلامةٍ

لِتَنْجَابَ أهوالٌ وتؤمنَ أوجالُ

يروْنَ العطايا في المكارمِ والعلا

فرائضَ محكوماً بها وَهْيَ أنفالُ

غيوثٌ لها ضوءُ الشموسِ وإنها

شُموسٌ لها صوْبٌ ملِثٌّ وأظلالُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن الرومي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات