أأرحل من مصر وطيب نعيمها

ديوان بهاء الدين زهير

أَأَرحَلُ مِن مِصرٍ وَطيبِ نَعيمِها

فَأَيُّ مَكانٍ بَعدَها لِيَ شائِقُ

وَأَترُكُ أَوطاناً ثَراها لِناشِقٍ

هُوَ الطيبُ لاما ضُمَّنَتهُ المَفارِقُ

وَكَيفَ وَقَد أَضحَت مِنَ الحُسنِ جَنَّةً

زَرابِيُّها مَبثوثَةٌ وَالنَمارِقُ

بِلادٌ تَروقُ العَينَ وَالقَلبَ بَهجَةً

وَتَجمَعُ مايَهوى تَقِيٌّ وَفاسِقُ

وَإِخوانَ صِدقٍ يَجمَعُ الفَضلُ شَملَهُم

مَجالِسُهُم مِمّا حَوَوهُ حَدائِقُ

أَسُكّانَ مِصرٍ إِن قَضى اللَهُ بِالنَوى

فَثَمَّ عُهودٌ بَينَنا وَمَواثِقُ

فَلا تَذكُروها لِلنَسيمِ فَإِنَّهُ

لِأَمثالِها مِن نَفحَةِ الرَوضِ سارِقُ

إِلى كَم جُفوني بِالدُموعِ قَريحَةٌ

وَحَتّامَ قَلبي بِالتَفَرُّقِ خافِقُ

فَفي كُلِّ يَومٍ لي حَنينٌ مُجَدَّدٌ

وَفي كُلِّ أَرضٍ لي حَبيبٌ مُفارِقُ

سَتَأتي مَعَ الأَيّامِ أَعظَمُ فُرقَةٍ

فَما لِيَ أَسعى نَحوَها وَأُسابِقُ

وَمِن خُلُقي أَنّي أَلوفٌ وَأَنَّهُ

يَطولُ اِلتِفاتي لِلَّذينَ أُفارِقُ

يُحَرِّكُ وَجدي في الأَراكَةِ طائِرٌ

وَيَبعَثُ شَجوي في الدُجَنَّةِ بارِقُ

وَأُقسِمُ مافارَقتُ في الأَرضِ مَنزِلاً

وَيَذكَرُ إِلّا وَالدُموعُ سَوابِقُ

وَعِندي مِنَ الآدابِ في البُعدِ مُؤنِسٌ

أُفارِقُ أَوطاني وَليسَ يُفارِقُ

وَلي صَبوَةُ العُشّاقِ في الشِعرِ وَحدَهُ

وَأَمّا سِواها فَهيَ مِنِّيَ طالِقُ

كَلامي الَّذي يَصبو لَهُ كُلُّ سامِعٍ

وَيَهواهُ حَتّى في الخُدورِ العَواتِقُ

كَلامي غَنِيٌّ عَن لُحونٍ تَزينُهُ

لَهُ مَعبَدٌ مِن نَفسِهِ وَمُخارِقُ

لِكُلِّ اِمرِئٍ مِنهُ نَصيبٌ يَخُصُّهُ

يُلائِمُ ما في طَبعِهِ وَيُوافِقُ

تُغَنّي بِهِ النُدمانُ وَهوَ فُكاهَةٌ

وَيُنشِدُهُ الصوفيُّ وَهوَ رَقائِقُ

بِهِ يَقتَضي الحاجاتِ مَن هُوَ طالِبٌ

وَيَستَعطِفُ الأَحبابَ مَن هُوَ عاشِقُ

وَإِنّي عَلى ما سارَ مِنهُ لَعاتِبٌ

أَلَيسَ بِهِ لِلبَينِ تُحدى الأَيانِقُ

وَما قُلتُ أَشعاري لَأَبغي بِها النَدى

وَلَكِنَّني في حِليَةِ الفَضلِ واثِقُ

أَأَطلُبُ رِزقَ اللَهِ مِن عِندِ غَيرِهِ

وَأَستَرزِقُ الأَقوامَ وَاللَهُ رازِقُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بهاء الدين زهير، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات