أأحبتي الشاكين طول تغيبي

ديوان ناصح الدين الأرجاني

أأحِبّتي الشاكِينَ طُولَ تَغَيّبي

والذّاهبينَ منَ الهوى في مَذْهبي

لا تحْسَبوا أنّي جَعْلتُ على النّوى

لجنابِكم بالاخْتيار تَجُّنبي

ما جُبْتُ آفاقَ البلادِ مُطَوِفّاً

إلا وأنتم في الوَرى مُتَطلبّي

سَعْيِي إليكم في الحقيقة والذي

تَجدون عنكم فهْو سَعْيُ الدّهر بي

أنحُوكمُ ويَرُدُّ وَجهْي القّهقَرّى

دَهْري فسَيْري مثْلُ سيْرِ الكَوكب

فالقَصدُ نحوَ المَشْرقِ الأقصى له

والسَّيرُ رأيَ العَينِ نحوَ المَغْرب

تاللهِ ما صَدق الوشاةُ بما حَكَوا

إنّي نسِيتُ العهدَ عند تَغرُّبي

هانَ الفراقُ عليَّ بعدَ فِراقِكم

والصَّعبُ يسهُلُ عند حَمْلِ الأصعَب

يا راكباً يُزْجي المطيّة غادياً

حتى تُبلِّغَهُ مُناخَ الأركَب

هل طالعاتٌ بالطُويْلعِ غُدوةً

تلك الشّموس الغارباتُ بِغُرَّب

مُتَنَقّباتٌ بالسّواعدِ رِقْبةً

من كُلِّ سافرةٍ ولم تَتنقَّب

بَيضاءَ أُختِ فوارسٍ تأْوِي إلى

بيتٍ بأشطان الرماح مُطَنَّب

كالظَّبيةِ الأدماءِ يَرتَعُ سرْبُها

في كلِّ وادٍ بالأسنّةِ مُعشِب

عَهْدي بها وغريبُها لم تَنْتَزِحْ

دارٌ به وغُرابها لم يَنْعَب

فلقد وقَفْتُ اليومَ مَوقفَ زائرٍ

للطَّرْفِ منه في الديار مُقلِّب

لكَ في مدامِعيَ الغزيرةِ غُنْيةٌ

عن مِنّةٍ للرائح المُتحلّب

سِيانِ ذو هَدَبٍ إذا أروَى الثَّرى

يا دارَهابالقَطْرِ أو ذو هَيْدَب

إمّا تَريْني فوق ذِروةِ عِرْمسٍ

أطْوي الفلا أو فوق صَهوةِ سَلْهَب

وأخو اللّيالي ما يزالُ مُراوِحاً

ما بينَ أدَهم خيْلها والأشهَب

كالخِضْرِ في حَضَرٍ وبَدْوٍ موغِلاً

دهْري أُمزِّق سبْسباً عن سبْسَب

فالأرضُ لي كُرةٌ أُواصِلُ ضَربَها

وصَوالجي أيدي المطايا اللُّعَّب

وفِناء مَولانا المدى وخِطارُنا

من بعدِ نَيلِ المجدِ نُجحُ المَطْلب

مَلكٌ يظَلُّ مُحجَّباً من عزِّه

ونَداه مهما رُمْتَغُرمُحَجَّب

غُصَّت بصافنةِ الجيادِ عِراصُه

تدْعو إليه بنى الرَّجاء وتَطَّبي

رحبت فلو نطق الجمادُ لسامعٍ

نطقَتْ بأهلٍ للوفود ومَرحَب

ليس المَجرّةُ أنجُماً في أفقها

لكنّ ذيلَ عُلاه عالي المسْحب

أحَسودَهُ ألقيتَ شِلوك ناشباً

في نابِ أرقمَ أومخالبِ أغلَب

سَوّى الزمانَ وأهله بثقافهِ

واختصَّ كُلاباختصاصٍ معجِب

فالعجمُ فيه مثلُ خطٍّ معجَمٍ

والعربُ فيه مثلُ خَطٍ مُعْرَب

صدق الحنيَّةَ خلف رميٍ صائبٍ

بجيوشهِ من خلفِ رأيٍ أصوب

فيُديرُ في أثنائهنَ كلامه

كأسَ المنيةِ للعدُوِّ المُجلب

كالسيفِ ما ينفكُّ يهزمُ حدُّه

غِلَظَ الرّقابِ برِقةٍ في المضرِب

مُلئت قلوبُ عداهُ منه مخافة

خلَعت فؤادَ الخالعِ المتَوَثِّب

مِن معملٍ ليلاً لكيدٍ كامنٍ

أومُرسلٍ صُبحاً لخيلٍ شُزَّب

ونَصيحُ سُلطانٍ يُهذِّبُ مُلكه

من كُلِّ ماأهدَىمَقالُ مؤنِّب

ويَشُبُ فوق المُلكِ نارَ قريحةٍ

يأتيك منها الرأيُ غيرَ مصهَّب

فتَراهُ طولَ زمانه في مَعْرَكٍ

دونَ العُلا أبداًوهم في المَلعَب

قُطبٌ لدولته وكلٌّ أنجمٌ

والقُطبُ ثَبتٌ ليس بالمُتقلِّب

في كفِّه قَلَمٌ يَغُضُّ مضاؤُه

من كلِّ مَطْرورِ الغِرارِمُذَرَّب

مازال إمّا كالحسامِ المُنتضَى

يُروِي الصَّدَى أو كالغمامِ الصَيِّب

العيث يغلطُ حينَ يَنسخُ جُودَه

ولذاك يَظْفَرُ في البلادِ بمُجْدِب

واللّيثُ وَدَّتشَبُّهاً بيَمينه

لو كان من قَصَبٍ أُمدَّ لمِخْلَب

والنَّجمُ يَحْكي بُعْدَ غَورِك إن هوَى

وإذا سما يَحكي عُلُوًّ المَنصب

فيَرونه عن غايتَيْكَ مُقَصِّراً

في سَيرِه المُتَصِّعدِ المُتَصَوِّب

يا صاحِ سيَفٌ أنت راقَ صِقالُه

ولقد بسطتُ إليك كفَّ مجَرِّب

بلِّغ أبا نصرٍنُصِرت َوَقلْ له

اِعتِب فإنّ الدَّهر ليس بمُعْتب

وانْه الزّمانَ عنِ الاساءةِ جاهداً

هل خادمٌ لذُراك غيرُ مُؤدَّب

اجمَعْ صِحابَك في الزمانِ تطُلْ بهم

فالرّمحُ يُوجَدُ نَظْمُه من أكعُب

واطْلٌبْ لتُدرِك ما تشاءُ مُظفَّراً

فلطالما أدركتَ ما لم تطلُب

وَعلى الوليِّ خلعْتَ من سَلَبِ العِدا

فاخلعْ كذاك مَدى اللّيالي واسْلُب

كم عزمةٍ لك قد رميْتَ لها العِدا

بالخيلِ تحمِلُ كلَّ شَهْمٍ مِحْرب

من كلِّ طَودٍ في العنان وَمَرُّهُ

كالبَرقِ تحت الفارسِ المتُلبِّب

أعزيزَ دينِ الله دعوةَ آمِلٍ

بذُراك قوْدَ مرامِه المُستَصعَب

جاء الشتاءُ يريدُ هَدْمى فابْننى

عجلاًوإلاّ تبتَدِرني يَكلَب

وغداً تَشيبُ من الجبالِ فروعُها

فتَطولُ حَيرةُ أشيبٍ في أشيب

وإذا بكَى للعَجْزِ أصبحَ دَمْعُه

في الهُدبِ منهُ كلؤلؤٍ في مِثْقَب

جُدبى على قَومي وُجدْ لي بالّذي

أَبغي وفي شَرفِ اصطناعي فارغب

فلقد حجَجتُك إذ عَلمتُك كَعبةً

كَيما تكونَ منَ الثّوابِ مُقرِبي

وأَرى مَعادي كالمعَاد وغيَبتي

ذنْبٌ تَقدَّم فاغفرْ للمُذْنِب

ياآلَ حامدٍ الكرامَ بَقيتُمُ

فلأنتُمُ للمُلكِ خَيْرُ بَني أَب

عَمْرِي لقد أصفَيْتُكم منّي الهوى

وعَصيتُ فيكم قَوْلَ كُلَ مُثَرِّب

وخَدمتُكم ليلَ الشّبابِ بطُولِه

حتّى بدا صُبْحُ العِذارِ الأشيَب

فلئن حَميْتَ من الحوادثِ جانبي

ياعُدَّتي لم تَحْمِ جانبَ أجنَب

لي في عُلاكَ مَقالُ كلّ بديعةٍ

يَرْويهِ كلُّ مُشَرِّقٍ ومُغَرِّب

لَذَّتْ بأفواهِ السُّراةِ عِذابُها

فكأنّها مَصْقولُ ثَغْرٍ أشنَب

مِدَحٌ لفِكْرٍ في المعاني مُغْرِبٍ

صِيغَتْ لمُلكٍ في المعالي مُغرِب

مُتَناولاتٌ من بعيدٍ دِقّةً

والأرضُ خيرُ رياضِها للمغرب

قد أتْعبتْ لكنّها لمّا أتَتْ

وَفْق المُنى فكأنها لم تُتْعِب

وقلائدٌ مِمّا نظَمْتُ أَوابدٌ

من كلِ قَولٍ أَنتَقيهِ مُهَذَّب

إحدى كراماتي بمَدحِك أنني

نَظّمْتُ دُرا وهْو غيرُ مُثقَّب

فأَجيدُها وأكُرُّ في أثنائها

من خَوْفِ نَقْدِك نَظْرةَ المُتَهيِّب

وصفاتُك العُلْيا هي الغُررُ التي

لوُضوحها صفةُ المُريح المُنصب

بَهَرت فإن أطنَبْتُ كنتُ كُمُوجزٍ

عَجْزاًوإن أوجزتُ كنتُ كمُطنِب

والشّعرُ سِحرٌ لا يحلُّ سوى الّذي

يَنْساغُ منه وصفُهُ بالطَّيِب

فاذْهَبْ بسلْكِك فانِظمِ الدرَّ الذي

تَرضاه أو فاذْهَبْ بحَبْلك فاحْطِب

بَخِلَ اللّئامُ فكذّبوا مُدّاحَهم

هل في الجَهام يلوحُ غيرُ الخُلَّب

أعدى زمانَكَ حُسْنُ ذِكرِك فابتنَى

مَجداً لدَهرٍ قد سما بكَ مُنْجِب

نُهدي إليه وأنت فيه ثناءنا

كالغمِدِ حُلِّي للحسامِ المِقْضَب

فاسْلَمْ لنا ماأطْرَبتْ مَسجوعةً

في مِنَبرِ الأغصانِ خُطبةُ أخطَب

واسْعَدْ بشَهْرِ الصومِ أولى وافد

منك الغداةَ وقد أتى بتَقَرُّب

وأْذَنْ له ما كَرَّ حَوْ لٌ راجِعٌ

يَرْجعْ غليك مع السَّعود ويَذْهَب

في ظلِ مُلْكٍ لا يُصَغِّرِ قَدْرَه

إلاّرجاءُ مَزيدِه المُترقّب

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأرجاني، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات