قصة وصف النابغة للمتجردة زوجة النعمان وهروبه إلى الشام

قصة وصف النابغة للمتجردة زوجة النعمان وهروبه إلى الشام

قيل مكث النابغة دهراً لا يقول الشعر، ثم أمر بثيابه، فغسلت، وعصب حاجبيه على جبهته، فلما نظر إلى الناس أنشأ يقول:

مجزوء الكامل

أَلَمرءُ يأْمُلُ أنْ يَعي

شَ، وطولُ عَيْشٍ قَدْ يَضرّهْ

تَفنى بَشاشَتُهُ، ويَبْ

قَى بعدَ حُلوِ العَيشِ مُرّهْ

وتَصَرَّمُ الأيّامُ، حتى

لا يَرى شيئاً يَسرّهْ

كم شامتٍ بي إنْ هَلَكْ

تُ، وقائِلٍ للَّهِ دَرَّهْ

قال: لما قال النابغة: الكامل

أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رائحٌ أَو مُغتَدي

عَجْلانَ، ذا زادٍ، وغيرَ مَزَوَّدِ

وقوله في البيت الثاني:

زَعَمَ البَوارحُ أنّ رحلَتَنا غَداً،

وبذاكَ خَرّرَنا الغرابُ الأسودُ

هابوه أن يقولوا له لحنت، أو أكفأت، فعمدوا إلى قينته، فقالوا: غنيه! فلما غنته بالخفض والرفع فطن وقال:

وبذاكَ تَنعابُ الغُرابِ الأسوَدِ

وكان بدء غضب النعمان عليه أن النعمان قال: يا زياد! صف لي المتجردة، ولا تغادر منها شيئاً، وكانت زوجة النعمان، وكانت أحسن نساء زمانها، وكان النعمان قصيراً، دميماً، أبرش، وكان ممن يجالسه ويسير معه رجلٌ آخر يقال له: المنخل، كان جميلاً، وكان النابغة عفيفاً، فقال له النعمان: صف لي المتجردة، فوصفها في الشعر الذي يقول فيه:

لو أَنَّها عَرَضَتْ لأَشْمَطَ راهبٍ،

يدعو الإلَهَ، صَرورَةٍ، مُتَعَبِّدِ

لَصَبَا لَبَهجتِها وطِيْبِ حَديثها،

ولَخَالَهُ رُشْداً، وإنْ لم يَرشُد

تَسعُ البلادُ إذا أتَيتُك زائراً،

فإذا هجَرتُك ضاقَ عنّي مَقعدي

ثم وصف جميع محاسنها، فلما بلغ إلى المعنى قال:

وإذا لَمَسْتَ لَمَسْتَ أَجْثَمَ جاثِماً

مُتَحَيِّزاً بمكانِهِ مِلءَ اليَدِ

وإذا طَعَنتَ طَعَنتَ في مُسْتَهدِفٍ

ناتيْ المَجَسَّةِ بالعَبيرِ مُقَرمَدِ

وإذا نزعتَ نزعْتَ عن مُستَحصِفٍ

نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرّشاءِ المُحْصَدِ

وتكادُ تَنزعُ جِلدَهُ عَن مَلّةٍ

فيها لوافحُ كالحَريقِ الموقَدِ

قال: فلما سمع ذلك المنخل، وكان يغار عليها، قال: أيد الله الملك، ما يقول هذا إلا من جرب ورأى؛ فوقع ذلك في نفس النعمان وكان له بوابٌ يقال له عصام، وكان صديقاً للنابغة، فأخبره الخبر، فهرب إلى ملوك غسان، وهم آل جفنة الذين يقول فيهم حسان بن ثابت: الكامل

للَّهِ دَرّ عصابَةٍ نادَمتُهُم

يوماً بِجِلّقَ في الزّمانِ الأوّلِ

أبناءُ جَفْنَةَ حولَ قبرِ أَبيهِمُ

عمرو بْنُ ماريةَ الكريمِ المُفضلِ

بيضُ الوُجوهِ كريمةٌ أحسابُهمْ

شُمُّ الأنوفِ مِنَ الطّرازِ الأوّلِ

يُغْشَونَ حتى ما تهرُّ كلابُهُمْ

لا يَسألونَ عن السّوادِ المُقبلِ

فأقام النابغة عندهم حتى صح للنعمان براءته، فأرسل إليه، ورضي عنه، ولعصام يقول النابغة:

أَلمْ أُقْسِمْ عَلَيكَ لتُخبِرَنّي:

أَمَحْمولٌ على النّعشِ الهُمامُ

فإنّي لا أَلُومُ على دُخولٍ،

ولكنْ ما وراءَكَ يا عِصامُ؟

فإن يَهلِكْ أبو قابوسَ يَهلِكْ

رَبيعُ النّاسِ، والشَّهْرُ الحَرامُ

ونأخُذْ بعدَهُ بِذُنابِ عَيشٍ

أَجَبِّ الظّهرِ، لَيسَ لهُ سَنامُ

تَمَخّضَتِ المَنُونُ له بيَومٍ

أتَى، وَلِكُلِّ حامِلَةٍ تَمامُ

ولَيسَ بخابىءٍ لغَدٍ طَعاماً

حِذارَ غَدٍ، لكلِّ غَدٍ طَعامُ

وكان النابغة قد أسن جداً فترك قول الشعر، فمات وهو لا يقوله.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في قصص من التاريخ

قد يعجبك أيضاً

تعليقات