قصة مقتل طرفة بن العبد بشعر هجا فيه عمرو بن هند

قصة مقتل طرفة بن العبد بشعر هجا فيه عمرو بن هند

كان طرفة بن العبد قد هجا عمرو بن هند الملك، وكان له يوم نعيم ويوم بؤس، فقال: الوافر

قَسَمتَ الدّهرَ من زَمَنٍ رَخيّ،

كذاكَ الدّهْرُ يَقصدُ، أو يَجُورُ

لَنا يومٌ، وللكَرَوانِ يَومٌ،

تَطيرُ البائساتُ، وما يَطيرُ

فبينما عمرو بن هند قاعد، وعنده عبد عمرو، إذ نظر إلى خصر قميصه متخرقاً وكان من أجمل العرب، وكان صفياً له يداعبه، وقد سمع ما قال فيه طرفة، فضحك؛ وأنشده شعر طرفة، فقال: أيها الملك، قد هجاك بأشد من هذا. قال: وما هو؟ فأنشده قوله: فوقع في قلبه، وقال: يقول في مثل هذا؟ وكره العجلة عليه لمكان قومه، فكتب إلى عامله؛

وكان المتلمس، وهو عمرو ابن عبد المسيح، رجلاً مسناً مجرباً، وكان المتلمس أيضاً قد هجا عمراً، فأقبل المتلمس وطرفة على عمرو يتعرضان لمعروفه؛ فكتب لهما إلى عامل البحرين وهجر، وقال: إنطلقا إليه، فاقتضيا جوائزكما، فلما خرجا من عنده قال المتلمس: يا طرفة! إنك غلامٌ حديث السن، ولست تعرف ما أعرف، وكلانا قد هجاه، ولست آمن أن يكتب بما نكره، فتعال ننظر في كتبه!

فقال طرفة: لم يكن ليقدم علي بمثل هذا، وعدل المتلمس إلى غلام عبادي من أهل الحيرة، فقال: إقرأ ما في هذه الصحيفة، فإذا فيها السوء فألقاها في النهر، وتبع طرفة يريد أن يرده، فلم يدركه.

وقدم طرفة على عامل البحرين، وهو ربيعة بن الحرث، وهو الذي كتب إليه في شأن طرفة والمتلمس، فقال المتلمس يذكر ما كان من أمره: الطويل

فألقَيتُها من حَيثُ كانَت فإنّني

كذلكَ أقفُوا كلّ قِطٍ مُضَلَّلِ

رَضِيتُ لها بالماءِ لمّا رأيتُها

يَجولُ بها التيّارُ في كلِّ جَدوَلِ

ومضى طرفة حتى إذا كان ببعض الطريق سنحت له ظباءٌ فيها تيسٌ وعقابٌ، فزجرها طرفة فقال: الطويل

لَعَمري لقَد مَرّتْ عَواطِسُ جَمّةٌ

وَمَرّ، قُبَيلَ الصّبحِ، ظبيٌ مُصَمِّعُ

وعجزاءُ دفّتْ بالجَ، احِ كأنّها،

معَ الصّبحِ، شيخٌ في بِجادٍ مُقَنَّعُ

فلَن تَمنَعي رِزقاً لعَبدٍِ يَنالُهُ،

وهل يَعدُوَنْ بؤساكِ ما يُتَوَقّعُ؟

وقال المتلمس: الكامل

مَنْ مُبلِغُ الشّعراءِ عن أخَوَيْهِمُ

خَبراً، فَتَصْدُقَهُم بذاكَ الأنفُسُ

أودى الذي عَلِقَ الصّحيفَةَ منهما،

ونَجَا حِذارَ حِبائِهِ المُتَلَمّس

ومنها قوله:

ألقِ الصّحيفَةَ، لا أَبَا لَكَ، إنّهُ

يُخشَى علَيكَ مِنَ الحِباءِ النِقْرِسُ

فلما قدم طرفة على عامل البحرين دفع إليه كتاب عمرو بن هند، فقرأه فقال: هل تعلم ما أمرت به؟ قال: نعم! أمرت أن تجيزني وتحسن إلي. فقال: يا طرفة! بيني وبينك خؤولةٌ أنا لها راعٍ حافظٌ. فاهرب في ليلتك هذه، فإني قد أمرت بقتلك، فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس.

فقال طرفة: إشتدت عليك جائزتي، فأردت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند علي سبيلاً! كلا والله لا أفعل ذلك أبداً! فلما أصبح أمر بحبسه، وجاءت بنو بكر، فقالوا: ما أقدم طرفة؟ فقرأ عليهم كتاب الملك ثم حبس طرفة ولم يقتله، وكتب إلى عمرو بن هند: أن ابعث إلى عملك من تريد، فإني غير قاتله؛ فبعث عمرو بن هند رجلاً من تغلب، فاستعمله على البحرين، فقتل طرفة، وقتل ربيعة بن الحرث، وقدمهما وقرأ عليهما عهده، فلبث أياماً، واجتمعت بكر بن وائل فهمت بالتغلبي.

وقتل طرفة رجلٌ من الحواثر يقال له أبو رشية، وقبره اليوم معروفٌ بهجر، بأرضٍ لبني قيس بن ثعلبة، وودته الحواثر إلى أبيه لما كان من قتل صاحبهم إياه، بعثوا بالإبل حسبةً.

ويروى أن طرفة قال قبل صلبه: الطويل

فمَن مُبلِغٌ أحياءَ بكرِ بنِ وائلِ

بأَنّ ابنَ عبدٍ راكبٌ غيرُ راجلِ

على ناقةٍ لم يركبِ الفَحلُ ظَهَرَها

مُشَذَّبةٍ أَطرافُها بالمَناجِلِ

وقال أيضاً: الطويل

لعَمرُك! ما تدري الطّوارقُ بالحَصَى،

ولا زاجراتُ الطّيرِ ما اللَّهُ فاعِلُ

وقال المتلمس يحرض أقوام طرفة: الكامل

أَبُنيَ فُلانَةَ لم تكن عاداتُكُم

أخْذَ الدّنيّةِ قبلَ خِطّةِ مَعضَدِ

وقالت أخت طرفة، وهي الخرنق، تهجو عبد عمرو، حين أنشد الملك شعر أخيها طرفة بن العبد: الوافر

ألا ثَكِلَتكَ أُمُّكَ عبدَ عمرٍو،

أبا النّخبَاتِ واخيَتَ المُلُوكَا

هُمُ رَكَلُوكَ للوَرِكَينِ رَكْلاً،

ولو سألُوكَ أعطَيتَ البُرُوكا

فيَومُكَ عندَ زانيَةٍ هَلُوكٍ،

كظِلِّ الرّجعِ مِزْهَرُها ضَحوكا

ورثته أخته بقولها: الطويل

نَعِمنا بهِ خَمساً وعشرينَ حِجَّةً

فلمّا تَوَفَّاها استَوى سيِّداً فَخمَا

فُجِعْنا بهِ لمّا استَتَمَّ تَمامَهُ،

على خَيرِ حالٍ، لا وَليداً ولا قَحما

ومضى المتلمس هارباً إلى الشام، فكتب فيه عمرو بن هند إلى عماله بنواحي الريف، يأمرهم أن يأخذوا المتلمس إن قدروا عليه يمتار طعاماً، أو يدخل الريف، فقال المتلمس يحرض قومه:

البسيط

يا آلَ بكرٍ! أَلا للَّهِ دَرُّكُمُ،

طالَ الثّواءُ وثوبُ العجزِ ملبوسُ

وقال أيضاً: الكامل

إنَّ العراقَ وأَهلَهُ كانُوا الهَوَى،

فإذا نآنا ودُّهُمْ، فَلْيَبْعُدُوا

وقال أيضاً: الخفيف

أَيُّها السّائلي، فإنّي غَريبٌ،

نازحٌ عن مَحَلّتي، وصَميمي

وقال أيضاً: الطويل

أَلا أَبْلِغا أَفْنَاءَ سَعدِ بنِ مالكٍ

رسالةَ مَن قد صارَ في الغَورِ جانبُهْ

وقال أيضاً: الكامل

أَطَردْتَني حَذْرَ الهجاءِ ولا

واللاّتِ والأنْصَابِ لا تَئِل

وقال أيضاً يهجو عمرو بن هند: البسيط

قُولا لعمرو بنِ هِنْدٍ، غَيرَ مُتّئِبٍ:

يا أَخْنَسَ الأنفِ والأضراسُ كالعَدَسِ

مَلْكُ النّهارِ، وأنتَ، اللّيلَ، مُومِسَةٌ

ماءُ الرَّجالِ على فَخذيكَ كالغَرَسِ

لو كُنْتَ كَلبَ قُنَيْصٍ كُنْتَ ذا جُدَدٍ

تكونُ إربَتُهُ في آخرِ المَرَسِ

يَعوي حَريصاً بقَولِ القانصاتِ لهُ:

قُبِّحْتَ ذا وَجهِ أنفٍ ثمّ مُنْتَكِسِ

وقال يهجوه: الطويل

كأَنَّ ثَناياهُ إذا افتَرَّ ضاحكاً،

رؤوسُ جُرادٍ في أُرَيْنٍ تُخَشخِشُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في قصص من التاريخ

قد يعجبك أيضاً

تعليقات