شقيقان فرقهما الهوى!

أيها التائه تهفو مشرئبا

ليت شعري ، أتظن الوصل عذبا؟

أتظن الخذل يُعْلي مستخفاً؟

إن قلبي غصّ – بالتبيين – شجبا

أتظن الروح تهفو لهواكم؟

أتظن القلب بالأشواق رحبا؟

أنت ما كنت رفيقي ، أو صديقي

أنت نذلٌ – فوق هذي الأرض – دبا

أنت ما كنت خليلي ذات يوم

أنت منشارٌ على الفلس أكبا

أنت شاة بين كل الناس تلهو

همّها في القوم أن تقتات عُشبا

أتظن الوجد يسري في دمانا؟

إنما الأفواه عانت منك ندبا

تصل الأعدا ، وتجترّ الوصايا

وبهم يا مُفتر تصنع حِزبا

وبهم تشهر سيفاً في قرانا

وبهم يا معتدٍ تعلن حربا

ثم تأتي تدّعي اليوم إخاءً

لستُ أرضى منك تدجيلاً وكِذبا

إنما أنت سرابٌ ، لا شقيقٌ

أنت وهمٌ وخيالٌ فيه شبا

أنت قيحٌ في حياتي ودروبي

وضلالٌ في مَعين العمر صُبا

قد خذلت الهدي جهراً دون عذر

يا شقيقي ، وملأت القلب رعبا

أنت قد دمّرت بيتاً وضحايا

أنت يا أفاك قد حطمت دربا

وردمت البئر ، بددت الأماني

لستُ أرجو – من معين البئر – شربا

واستبحت العِرض عمداً والقضايا

وضربت الحق يا سفاحُ ضربا

عندما واجهتُ أعدائي وقالوا

قد فعلنا ، لم نخفْ في الكيد ربا

وأمام اثنين كلٌ قد تعامى

وتناسى لم يُعِر سمعاً وقلبا

أأخ في الله صدقاً مثل هذا؟

أأخ من كان للطاغوت جيبا؟

أشقيقٌ من يبيع الود بخسا؟

أشقيقٌ من يَزيد الخطب خطبا؟

ويَزيد الطين ماءً دون جهل؟

ويَزيد الكرب بالخذلان كربا؟

لم تحرّك ساكناً للقوم ، كلا

إنما أمر التجني كان غصبا

واتفقتم ومكرتم ، يا خزايا

وسبكتم ، كان هذا المكر غيبا

ثم في الملهاة كنتم كالمطايا

ونصرتم – في اللقا – صِلاً وذئبا

وشربتم – في المعاناة – دِمانا

ونسجتم – فوق هذا الغل – رهبا

ثم قدمتم أخاكم للدواهي

كنتما في الشر ثعباناً وضبا

لكما في الحقد سيفٌ وحِرابٌ

تسلبان النور في المصباح سلبا

أشقيقٌ من يرد الحق عمداً

وعلى أشلائنا يأكل حَبا؟

يحرق السمعة في كل البوادي

ثم يحسو من دماء الطفل شوبا

همس الغادر فأذنْ لي بذبح

قلت: فافعلْ لا تخف خذلاً وريبا

إنما الغادرُ أعطاك الهدايا

حيث قد نصّبْتَ أستاذاً وأبّا

لتمجّ السم للأولاد مجاً

وتزيد الحَوب – تلو الحوب – حوبا

مثلما يحتال شمّاسٌ وقسٌ

ما عليك اليوم يا دهقان عُتبى

فادرس التلمود والموضات حتى

لا يكون الدرس ملغوزاً وصعبا

واسأل الحاخام عن كل غريب

ناقش البابا ، فهذا ليس عيبا

لتبث الصلب في كل الزوايا

ثم تعلي – فوق بأس الحق – سُحْبا

أيها السادر في قيح المخازي

التمسْ في القوم أصحاباً ورَكبا

لم أعد أهواك ، أنت – الآن – عارٌ

وشنارٌ ، بات وصلُ الوغد ذنبا

لا تقلْ يوماً شقيقي غاب عني

إنني اليوم غريبٌ ، بت نهبا

إنني سطرتُ – للتاريخ – شِعري

لا لتلقى فيه إشفاءً وسَبا

لا لتلقى فيه أفعاك التشفي

إن فوق الكل يا مأفون ربا

هذه الأفعى جهاراً فرّقتنا

وطوتنا ، فلها الخذلانُ عُقبى

زوجة في الكيد غالتْ واستطالتْ

دعك منها والتمسْ في الوزر توبا

إيهِ يا بالونة ثكلى أفيقي

إن في إفلاسك المنفوخ ثقبا

أنت في دنيا الغواني بعضُ ظِل

خنفساءٌ في حضيض الأرض جدبا

أيها الممقوتة الشوها كفانا

أنتِ في الألوان والتضليل حِربا

لم تساو الشعر يزجيه يراعي

صدقيني هِرة بالله حَدْبا

أخبريني: هل لك اليوم حليلٌ

ليت شعري ، أنت بين الغيد عزبا

وأراكَ – اليوم – مزهواً بهذي

في انفعال ، قد قتلت النفس عُجبا

وافترضت الخير فيها والسجايا

وادعيت الحسن فيها ، وهْي جربا

إنني سطرتُ شعري للبرايا

كاشفاً للمفتري شرقاً وغربا

منطقُ التاريخ عاتٍ لا يحابي

قلتُ رأيي ، لم أراع اليوم قربا

أين من روحي شقيقٌ فيه تقوى

وثبات ، ليس بين الناس عطبا؟

يشتريني من هجير الظلم هذا

قد عدمتُ اليوم خلاناً وصحبا

وله نصحٌ وعز وعطاءٌ

وإذا الأمراض سادت كان طِبا

وإذا القلب يعاني كان سلوى

وإذا الروح قلتني كان قربى

يملأ النفس سروراً وبهاءً

وجمالاً يُفعِم الإحساسَ حُبا

إنْ قلاني الناس دهراً ، ورمَوْني

كان في حزني شقيقاً مستحبا

وإذا خيّر بيني والمنايا

قال: أفديه بروحي ، وتأبّى

طاهر الفطرة مقدامٌ حليمٌ

وعلى التوحيد – صدقاً – قد تربى

وإذا طالبته يوماً بشيء

قال: هذا ، وإذا بالشهم لبّى

ليس هذا بمحال يا فؤادي

فلماذا النفس يا قلباه غضبى؟

ولماذا يلعق البلوى شعوري؟

ولماذا تسكن الآمالُ جُبا؟

ولماذا لا يرى النور إبائي؟

ولماذا تنشد الأشعارُ شِعبا؟

أيها السائر في الغي تداجي

إنني واجهتُ – بعد النوب – نوبا

باعني الخلان للطاغوت صدقاً

أحراماً أصبح العونُ ، وعيبا؟

ثم بات الظلم فناً واحترافاً

ثم أضحى النذل مغواراً وقطبا

لم يخف رب البرايا من رمَوني

ليس يدري جائرُ الخلان أوبا

وتراني رغم هذا في نعيم

رغم أني قد قتلت النفس نحبا

وإذا بي في نشاطٍ واجتهادٍ

وثباتي – رغم هذا – بات صلبا

آه لو أنك في مثل مكاني

لم تطق عيشاً ، وإن مُلّئتَ إربا

غيرَ أني أحمد الله تعالى

أنني في الجد لا أعرف لِعْبا

أحمل النفس على الصبر مِراراً

لستُ أخشى – في مسير العمر – غبا

ومضائي مثل سدٍ مستنيفٍ

لا ترى في عُرض هذا السد نقبا

عزمتي في البأس لا ترضى هواني

وكذا العِزة في الآلام شهبا

هِمّتي – فوق الثريا – لا تبالي

وصمودي بالرزايا صار خصبا

وشباب العمر دوماً في ازدهار

ليس يدري رغم غِل القيد شيبا

وسأحيا أكتب الشعر ، وأشدو

رغم كون الجيل – بالتذكار – جدبا

وستروي كتب التاريخ شعري

عندما أصبح – في الأجداث – تربا

أيها المغرورُ لا يغرُرْك حِلمي

إن – في الأبيات خلف الرمح – خِلبا

سوف أصلِي بلهيب الشعر وغداً

سكب الغدر – على الأشلاء – سكبا

سوف لن تسعد بالعيش طويلاً

سوف يغدو الذل – للمغرور – كسبا

إن تكن فحلاً أجبْ بالشعر شعري

وإذا العُجب تمادى فاستطبا

ثم صدّقْ أنت لم تذهب بعيداً

منك إني قد رأيت اليوم شعبا

وليَ الرحمنُ ، لا أبغي سواهُ

يرقبُ الغوث فؤادي مُشرئبا

فأجرْ يا رب عبداً في مُصاب

واجعل اللهم لي – في الناس – حِبا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

الخيرُ والشّرُّ

الخيرُ قالُوا: – غايةُ العلمِ الخيرُ. أفلاطون – إنْ تعبْتَ في الخيرِ، فإنَّ التَّعبَ يزولُ والخيرُ يَبْقى، وإن تلذَّذْتَ بالآثامِ، فإنَّ اللَّذَّةَ تزولُ والآثامُ تبقَى.…

تعليقات