سنسافر أنا والكتب! (قصة عبد الرشيد صوفي)

سبّحْ إلهك بُكرة وأصيلا

وأطلْ دعاءك ، واقرأ التنزيلا

واحمدْ مليكك أن أجاب مُسَخِراً

من أكرموك – كما رويت – جزيلا

واشكرْ لربك جوده وعطاءه

والله خوّلكَ الدعا تخويلا

وكفاك مُؤنة ما لقيت من الأذى

فالله خيرٌ كافياً ووكيلا

واضرعْ إليه مردّداً آلاءه

لك ذللتْ – بين الورى – تذليلا

لم تسعَ مضطراً إليها باذلاً

عِزاً به جئت الحياة جليلاً

لمّا نزلت السوق راجت كُتْبها

ويمينك السمحاءُ كانت طولى

وقد اشتريت من المراجع حِصة

تحوي رؤى أهل القرون الأولى

ومن القواميس انتهت طبعاتها

وغدتْ تراثاً بائداً مغفولا

ودوائراً لمعارفٍ مطروقة

تهدي – لأنوار الحقائق – جيلا

ومَعاجماً فيها اللغاتُ تزينتْ

لمن اشتهاها ، بُكرة وأصيلا

ومن الدواوين احتفت بمُطالع

يهوى العلوم ، غدا بها بُهلولا

وحملت أسفاراً تعَذر حملها

والكتْب أثقلُ منهجاً وحُمولا

ومن التفاسير احتوتْ أجزاؤها

تفسيرَ ما يستبعد التأويلا

ومن الشروح قد اشتكتْ مِن طولها

والشرحُ أعمق إن تعاظم طولا

ومن التراجم عُددتْ أنسابها

ورجالها وبطونها وأصولا

ومن الحكايا حُققتْ أخبارها

لمّا يكن خبرٌ بها معلولا

ومن الروايات استبانت ، واستمتْ

لم تحو – مِن وهْم الرواة – فتيلا

فإذا الكراتينُ احتوتْها كلها

والضيفُ أزمع في المساء رحيلا

قصْداً إلى (الصومال) موطن أهله

والسفْر كان مُباغِتاً وطويلا

وذهبت يا (عبد الرشيد) مبكّراً

إذ ما اصطحبت لِمَا انتويت دليلا

ثم التقيت موظفاً لم يلتمسْ

عُذراً ، وساق – لحل لغزك – سُولا

إما رحيلك دون كتْبك ، إنها

قد شكلتْ عِبئاً – عليك – ثقيلا

أو أن تسافر دونها مستغنياً

عن دفع رسم يبتغي التحصيلا

وازداد حِنقاً ، واستمرّ مُغاضباً

إذ ما عدلت – عن القرار – عُدولا

بل زدت تعقيدَ الأمور صُعوبة

وإذا التحدي الفذ بات دليلا

وأخذت تذكرة بجوف جوازها

ومضيت تُهرعُ – للصلاة – عَجولا

وبذلت دمعك والدعاء تقرباً

لله ترجو – في البلاء – حُلولا

وتلوت آي الذكر تأسرُ سامعاً

يهوى الكتاب ، ويعشق الترتيلا

أصغى لما تتلوه معتبراً ، ولم

يكُ في السماع مشوشاً مشغولا

وإذا بدمع العين يهطل ساجماً

والوجه أمسى – بالدموع – بليلا

يبكي ، ويُشهد مَن رأى بتأثر

بالنص أوغل – للفؤاد – وصولا

وإذا به – بعد الصلاة – يقولها

يا شيخ كمّلْ ما انتهى تكميلا

حبّرْ تلاوة قارئ ، تحبيرُه

أشجى قلوباً تابعتْ ، وعقولا

هذي التلاوة نحن نعشق وقعها

ولحونها ، يا شيخ أسدِ جميلا

فقرأت ممتثلاً أوامر مُنصتٍ

لك لم يجد – في القارئين – مثيلا

فإذا به في الناس يجهشُ بالبكا

مستصحباً – إثر البكاء – عويلا

وكأنما رجلٌ أصيب بنكبةٍ

وكأنما – للتو – شاقَ خليلا

حتى إذا سكنت مشاعره دعا

ضيفاً ، وقدم شايه المعمولا

متحدثاً بالصدق دون غضاضةٍ

ورأى لقاءك طيباً وفضيلا

وأراد يخدم راحلاً عن داره

فعسى يُقدّم مَطمحاً مَأمولا

فشكوت أن كتبي ثقيلٌ وزنها

والمبلغ المطلوبُ ليس قليلا

وأراد عونك في الذي ما اسطعته

إما رغبت بأن تكون كفيلا

فأجاب: أمرٌ ما طلبت وواجبٌ

ودعا الموظف أن يكون نبيلا

وحباك – من لطف التعامل – بعضه

وإليك قدّم عُذره المقبولا

وانحلت العقدُ التي واجهتها

كانت تُكَدّر سَفرة ورحيلا

سافرت والكتبُ التي حُمّلتها

من بعد أن لم تستطع تحميلا

والله فرّج – عن فؤادك – كُربة

وأزاح غماً – في المطار – وبيلا

فاقرأ كتابك ، واستفدْ مما حوى

غدت القراءة عادة ومُيولا

وأعرْ كتابك للذي هو قارئٌ

فالكتْبُ ترشدُ جاهلاً ضِليلا

وسل المهيمن أن يبارك علمها

إن البصائر – دون علم – حُولى

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات