زهير بن أبي سلمى حياته ووفاته

زهير بن أبي سلمى حياته ووفاته

1- اسمه

هو: “زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سُلمى ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هرمة الأصم بن عثمان بن عمرو بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضر بن نزار.

ومُزَينة أُمّ عمرو بن أُدّ هي بنت كلب بن وبرة.

ولد في بلاد مُزَينَة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجز من ديار نجد، واستمرّ بنوه فيه بعد الإسلام.

وهو حكيم الشعراء، في الجاهلية، وأحد الثلاثة المقدّمين على سائر الشعراء، وإنما اختُلِف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه. فأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني.

قال ابن الأعرابي وحدثني أبو زياد الكِلابيّ: أن زهير وأباه وولدَه كانوا في بني عبد الله بن غطفان، ومنزلهم اليوم بالحاجر، وكانوا فيه في الجاهلية. وكان أبو سُلمى تزوج إلى رجل من بني فهر بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان يقال له الغدير -والغدير هو أبو بشامة الشاعر- فولدت له زهيرًا وأوسًا، وولد لزهير من امرأة من بني سُحيم. وكان زهير يذكر في شعره بني مرة وغطفان ويمدحهم. وكان زهير في الجاهلية سيّدًا كثير المال حليمًا معروفًا بالورع.

قال ابن الاعرابي: “أُمُّ أوْفَى” التي ذكرها زهير في شعره كانت امرأته، فولدت منه أولادًا ماتوا، ثم تزوج بعد ذلك امرأة أخرى وهي كبشة بنت عمار الغطفانية وهي أم ابنيه كعب وبجير، فغارت من ذلك وآذته فطلقها ثم ندم فقال فيها:

لعمرك والخطوب مُغَيِّراتٌ … وفي طول المعاشرة التّقالي

لقد باليتُ مَظْعَنَ أُمّ أوفى … ولكن أم أوفى ما تبالي

فأما إذ نأيت فلا تقولي … لذي صهر أذلت ولم تذالي

أصبت بنيّ منك ونلتِ مني … من اللّذات والحلل الغوالي

وقال ابن الأعرابِيّ وأبو عمرو الشيباني: كان من حديث زهير وأهل بيته أنهم كانوا من مزينة، وكانوا بنو عبد الله بن غطفان جيرانهم، وقِدْمًا ولدتهم بنو مرة. وكان من أمر أبي سلمى أنه خرج وخاله أسعد بن الغدير بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض وابنه كعب بن أسعد في ناس من بني مرة يغيرون على طيئ، فأصابوا نعمًا كثيرة وأموالًا فرجعوا حتى انتهوا إلى أرضهم، فقال أبو سلمى لخاله أسعد وابن خاله كعب: أفردوا لي سهمي، فأبيا عليه ومنعاه حقّه، فكف عنهما، حتّى إذا كان الليل أتى أمه، فقال: والذي أحلف به لتقومن إلى بعير من هذه الإبل فلتقعدنّ عليه أو لأضربن بسيفي تحت قرطيكِ. فقامت أمّه إلى بعير منها سنامه، وساق بها أبو سلمى وهو يرتجز ويقول:

وَيْلٌ لأجمال العجوز منّي … إذا دنوت ودنون مني

كأنني سمعمع من جن

وساق الإبل وأمه حتى انتهى إلى قومه مزينة، فذلك حيث يقول:

ولتغدون إبل مجنبة … من عند أسعد وابنه كعب

الآكلين صريح قومهما … أكل الحبارى بُرْعُم الرّطب

قال: فلبث فيهم حينًا، ثم أقبل بمزينة، مغيرًا على بني ذبيان، حتى إذا مزينة أسهلت وخلّفت بلادها، ونظروا إلى أرض غطفان، تطايروا عنه راجعين، وتركوه وحده، فذلك حين يقول:

من يشتري فرسًا لخير غزوها … وأَبتْ عشيرة ربّها أنْ تُسهِلا

يعني أن تنزل السهل. قال: وأقبل حين رأى ذلك من مزينة حتى دخل فيه أخواله بني مرة، فلم يزل هو وولده في بني عبد الله بن غطفان إلى اليوم.

 

2- حياته ونتاجه:

ليس بين أيدينا شيء واضح عن نشأة زهير سوى أنه عاش في منازل بني عبد الله بن غطفان وأخواله من بني مرة الذبيانيين، وفي كنف خاله بشامة بن الغدير وكان شاعرًا مجيدًا كما كان سيدًا شريفًا ثريًّا، يقول ابن سلام: “وكان زهير ممن فقأ عين بعير، في الجاهلية، وكان الرجل إذا ملك ألف بعير فقأ عين فحلها”.

“كان ورد بن حابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المري، فتشاجر عبس وذبيان قبل الصلح، وحلف حصين بن ضمضم ألا يغسل حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع على ذلك أحدًا، وقد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة، قيل: بل أخوه حارثة بن سنان، فأقبل رجل من بني عبس ثم أحد بني مخزوم، حتى نزل بحصين بن ضمضم. فقال له حصين: من أنت أيها الرجل؟ قال: عبسي. قال: من أي عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى بني غالب، فقتله حصين. وبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتد عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث. فلما بلغه ركوبهم إليه وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم وأنهم يريدون قتل الحارث، بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه وقال للرسول: قل لهم: الإبل إليكم أم أنفسكم؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ذلك فقال لهم الربيع بن زياد: يا قوم إن أخاكم قد أرسل إليكم: الإبل أحب إليكم أم ابني تقتلونه مكان قتيلكم. فقالوا نأخذ الإبل ونصالح قومنا، ونتم الصلح. فذلك حين يقول زهير يمدح الحارث وهرمًا:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم … بحومانة الدراج، فالمتثلَّم؟

وهي أول قصيدة مدح بها هرمًا، ثم مدح هرمًا بقصائد كثيرة حتى حلف هرم ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدا أو وليدة أو فرسًا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحًا غير هَرِم، وخيركم استثنيت.

يقول الرواة: إن أباه ربيعة لم يعشْ طويلًا في عشيرة أخواله، وإن امرأته تزوجت من بعده أوس بن حجر الشاعر التميمي المشهور. وهنا يلمع في حياة زهير اسم خاله بشامة بن الغدير، فقد كفله هو وإخوته، وعرف منهم سلمى والخنساء.

قال ابن الأعرابي: وكان بشامة بن الغدير خال زهير بن أبي سلمى، وكان زهير منقطعًا إليه وكان معجبًا بشعره. وكان بشامة رجلًا مقعدًا ولم يكن له ولد، وكان مكثرًا من المال، ومن أجل ذلك نزل إلى هذا البيت في غطفان لخئولتهم. وكان بشامة أحزم الناس رأيًا، وكانت غطفان إذا أرادوا أن يغزوا أتوه فاستشاروا وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، فمن أجل ذلك كثر ماله. وكان أسعد غطفان في زمانه. فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين إخوته. فأتاه زهير فقال: يا خولاه لو قسمت لي من مالك!! فقال: والله يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله. قال: وما هو؟ قال: شعري وَرَثتنيه. وقد كان زهير قبل ذلك قال الشعر، وقد كان أول ما قال. فقال له زهير: الشعر شيء ما قلته فكيف تعتد به عليّ؟ فقال بشامة: ومن أين جئت بهذا الشعر! لعلك ترى أنك جئت به من مزينة وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان ثم لي منهم، وقد رَوَيته عني، وأحذاه. نصيبًا من ماله ومات.

كان لزهير ابنٌ يقال له: سالم، وكان من أم كعب بن زهير، جميل الوجه حسن الشعر. فأهدى رجلٌ إلى زهير بردين، فلبسهما الفتى وركب فرسًا له، فمر بامرأة من العرب بماء يقال له النُّتاءة، فقالت: ما رأيت كاليوم قط رجلًا ولا بُرْدَين ولا فرسًا، فعثر به الفرس فاندقت عنقه وعنق الفرس وانشقَّ البردان، فقال زهير يرثيه:

رأت رجلًا لاقى من العيش غِبطَةً … وأخطأه فيها الأمور العظائم

فأصبح محبورًا ينظر حوله … بغبطته لو أن ذلك دائم

وعندي من الأيام ما ليس عنده … فقلت تَعَلَّم إنما أنت حالم

لعلك يومًا أن تراعي بفاجع … كما راعني النُّتاءَةِ سالِمُ

وكان يعنى بتنقيح شعره وتهذيبه، وقد رويت له أربع قصائد سميت بالحوليات أي السنويات، وزعم رواة أخباره أنه كان ينظم الواحدة منها في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على أخصّائه في أربعة أشهر، فلا تظهر إلا بعد حول.

وأشهر شعره معلّقته التي مطلعها: “أمِنْ أُمّ أوْفى دمنة لَمْ تكلَّم”، ويتميز بمتانة لغته وقوة تركيبه، وكثرة الغريب في شعره، وبتطلبه حقيقة المعنى الوضعي ليخرجه على ماديته الحقيقية، وبتحكيمه عقله ورويته في تصوراته وخياله، فلا يبتعد، إلا في النادر، عن الحقائق الواقعية المحسوسة.

وهو أشهر شعراء الجاهلية في إعطاء الحكمة وضرب المثل، وعرف في حياته بالرصانة والتعقّل، وهو شخصية ممتازة من شخصيات الشعر الجاهليّ، شخصية فيها بر ورحمة وفيها نزعة قوية إلى الخير.

وآراؤه ليست إلا من أوليات التفكير الإنساني وتفكير الشعب، وهذه الآراء هي التي جعلته قريبًا من الشعب؛ لأنه كان يكلمه فيها بما يعرف ويألف. وتحكيمه عقله في شعره، وإعماله تفكيره فيه، أضعفا عمل خياله، وعمل عاطفته، فلا تجد لهما عنده من الحّظ إلا يسيرًا، ومما يدل على تعقله وحنكته وسعة صدره حكمه في معلقته.

وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد وهو:

وإنَّ الحق مَقطَعُهُ ثلاثٌ … يمين أو نفارٌ أو جِلاءُ

ولا ريب أنَّ لكبر سنة تأثيرًا في خمود عاطفته وضعف خياله، فكل شعره يدلنا على أنه نظمه في حرب داحس والغبراء، وبعدها خاصة عندما بلغ الثمانين على حدّ قوله، أو تجاوزه، فمن البديهي أن يغلب عليه التعقل والترصن، وأن يكون للعقل العمل المهيمن في نتاجه الشعريّ.

وحياة زهير من الوجهة الأدبية طريفة، يقول الأصبهاني: “كان أبوه شاعرًا، وخاله شاعرًا، وأخته سُلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، وهي القائلة ترثيه:

وما يُغني تَوَقِّي الموت شيئًا … ولا عَقْدُ التميم ولا الغضار

إذا لاقى منيته فأمسى … يساق به وقد حق الحذار

ولاقاه من الأيام يومٌ … كما من قَبْلُ لم يَخْلُد قدارُ

وابن ابنه المضرّب بن كعب بن زهير شاعر، وهو القائل:

إني لأحبس نفسي وهي صادية … عن مصعب ولقد بانت لِيَ الطُرُقُ

رُعْوَى عليه كما أرعى على هَرِمٍ … جدّي زهير وفينا ذلك الْخُلُقُ

مَدْحُ الملوكِ وسعيٌ في مسرَّتهم … ثم الغِنى ويدُ الممدوح تنطلق

كان لشعر زهير تأثير في نفوس العرب، وكان مقرّبًا من أمراء ذبيان، وخصوصًا هرم بن سنان والحارث بن عوف.

وزهير عريق في الشعر، كان له فيه ما لم يكن لغيره وليس هذا فحسب فإنه عاش للشعر يعلّمه ابنيه بجيرًا وكعبًا من جهة، وأناسًا آخرين من غير بيته أشهرهم الحطيئة، فهو تلميذه وخرّيجه. وفي أخباره مع ابنه كعب ما يدل على الطريقة التي كان يخرّج بها الشعراء، فقد كان يلقنهم شعره فيروونه عنه، وما يزالون يتلقونه حتى ينطبع في أنفسهم طريقة نظم الشعر وصوغه، وهو في أثناء ذلك يمتحن قدرتهم، بما يلقي عليهم من أبيات يطلب إليهم أن يجيزوها بنظم بيت على غرار البيت الذي ينشده في الوزن والقافية، ولابنه كعب قصيدة معروفة في مديح الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي ذائعة مشهورة.

ويقال: إنه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير، وفي الإسلام ما اتصل في ولد جرير.

وقيل: إن زهيرًا كان راوية أوس بن حجر زوج أمه، وكان أوس راوية الطفيل الغنوي وتلميذه.

وقد جمعت أشعاره في ديوان شرحه ثعلب المتوفى سنة 291هـ. ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وقد طبع سنة 1323هـ. وشرحه الشنتمري المعروف بالأعلم المتوفى سنة 476هـ. وقد طبع هذا الشرح في ليدن سنة 1306هـ. وله شروح أخرى ضاعت أو لم نقف عليها.

وقد ترجم كثير من ديوانه إلى الألمانية، وللمستشرق الألماني: ديروف “DYROFF” كتاب في زهير وأشعاره بالألمانية طبع في منشن سنة 1892م.

وقد جمعت أخباره وأقواله في كتاب الأغاني، في ديوانه الستة الجاهليين، وخزانة الأدب، والشعر والشعراء، وجمعت معلقته مع سائر المعلقات، وفي الجمهرة، وقد شرحها كثيرون منهم النحاس وهو أهم شروحها، وقد نشره “هوسهير” الألمانيّ سنة 1905م في برلين مع مقدمة ألمانية مفيدة .

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مقالات

تعليقات