دهاء مياسة مع الحاكم.

يروى أن جدباء تدعى مياسة، سكنت بالحواري قرب حانات لبيع البخور، كانت معروفة عند العامة بسذاجتها، و مدى انطلاءالحيل عليها، فكلما أراد أحد خداعها، كان سهلا عليه فعل ذلك، لذا ذاع صيتها بين الناس و بلغ خبرها لحاكم البلاد، الذي عرف بالحذاقة و المكر الشديد، فارسل لطلبها و حاول لمس حقيقة الامر لما تدعيه الفتاة، فاحضروها له و هي تلبس ابهى الثياب و تتعطر من اجود العطور، فبانت كزهرة الربيع.

دخلت عرينه و حبست باحدى الاراءك بغرفته الخاصة، ثم دنى منها و قال لها ممازحا: أهلا بالجملة عند الحاكم، أما علماء لما جءت بك هنا؟ فقالت: و ما ادراني أيها الرجل، لقد قبل لي أن هناك مأدبة لبست الحاكم، فتزينت و في نية لتذوق اطيب الطعام، فماذا اعددت لهذه المناسبة؟ فقال والنمر ينبعث من عينيه القاتمتين: و ما اشهته مياسة نحضرهم لها بلا تعطيل، فهمست في أذنه و قالت: أشتهي طبقا من الحساء الساخن من حديقة الحاكم، إن افضل باعداده بنفسه، فتعجب و قال: بالحديقة لا يوجد الا زهور من البراري و بعض اشجار أظنها لا تفي بالغرض، أما اعداده، فلست طاهيا حتى احضره لك، ثم نظر إليها و هو ينتظر جوابها فقالت: أما الحساء فتحضيره لا يستدعي كل هذا التعب أيها الحاكم، أنت تعلم أن ميساء تسكن قرب حانات البخور، و قد تعودت على شم مساحيقة، فكيف لك ان لا تحسن تحضير حساء من حديقة بها كل هذه الأنواع من الزهور؟ فانعقد من شدة الدهشة، و ما ظن أن البلهاء يمكن أن تفلت من يده ولا ينطلي عليها مكره، فوقف من مكانه و قال لها: و من قال أن الحاكم يغيب عنه حساء لجدباء مثلك، اغربي من وجهي و إلا صرت برماك حساءا لاهل القصر هذه العشوة.

حملت نفسها وانصرفت من مخدعه و هي تحمد الله على النجاة من مكره، و في طريق العودة، يلحقها تابعين له و هما يحملان السيوف يرغبان في قتلها، فدعت ربها أن ينجيها من شرهما، فتوقفت عن المسير و التفتت نحوهما وقالت: ما خطبكما ايها الرجلين و لما تحملان السيوف و إلى أين انتما غاديين؟ فقال احدهما: ارسلنا الحاكم وراءك و هو يطلب شق عنقك في الحين، فقالت : و من قال أن الجدباء لا ترغب في ذلك، هاك عنقي فات أردت شقه في هذه اللحظة، لكن عليك أن تعلم مولاك، أن من هنا ما هي في الحقيقة  إلا توامها، فهي قد فرت وقالت أن الحاكم يطلبني فجءت نحوه، فزادت دهشة التابعين و ما تمكنا من معرفة حقيقتها، فوضع كل سيفه و قال في قرارة نفسه: يا ربي أجرنا من لؤم الحكام و سماحة الجدباء! فما قولك في هذا الحديث؟ فقلت: من قال ان الغباء في بعض الأحيان  هو حرز لصاحبه، و المكر لا يجلب إلا الخزي والعار.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات