دموع التصبر يا عمر!

خان التصبرُ قلباً كاد ينفطرُ

والدمع فوق جوى المأساة ينهمرُ

والحزنُ يسرقُ من نفسي تجلدها

كي يستبد بها – في المحنة – الخوَر

والكرب يُشْهرُ سيفاً ليس يرحمني

وكيف مِن طعنه الفرارُ والوَزَر؟

والوَجدُ يبذر – في دربي – دغاوله

وكيف أصنع إمّا طمّتِ الغِـيَر؟

والهمّ ينسجُ ثوباً ، بعضُه ألمي

كأنني – بلباس الهم – مؤتزر

والغم يزرعُ أشجاناً تسربلني

وفي الأحاسيس – من أهوالها – كدر

لمّا أتاني الفتى تبكي مدامعُه

فقلتُ: ماذا جرى؟ ما الحال؟ ما الخبر؟

ماذا أصابك من عين بُليت بها

حتى دهتك بكسْر ليس ينجبر؟

والعينُ حقٌ ، فلا شيءٌ يسابقها

إلا قضاءٌ من الديان ، أو قدر

العين أسكنتِ الإنسانَ حُفرته

وكم بها ضمّتِ الأجداث والحُفر

والعينُ أدخلتِ البعيرَ جفنته

وكم بها أصبحت طعاماً الجُزُر

يا لهفَ نفسي – على الآهات – أطلقها

إصر المصيبة مِن بين الورى (عمر)

حسبي اصطباري وآياتٌ أرتلها

إذ – في البلاء – تفيد المبتلى السور

وعُدّتي دمعة لله أذرفها

ممزوجة بابتهالات الألى صبروا

وللدعاء – على اللسان – دندنة

فبالدعاء يزولُ البأسُ والضرر

وللّجوء إلى المولى حلاوته

وليس يُدركُها إلا مَن ادّكروا

ابني الحبيبَ: لعاً لمَا تصارعُه

إني إليك – بدمع العين – أعتذر

اصبرْ لحكم مليك الناس ، وارضَ به

إذ ليس يعصمُ – مِن مقدوره – حذر

والمرءُ – في هذه الحياة – ممتحن

والعيشُ بين الورى في ذي الدنا سفر

وليس حالٌ – بمخلوق – يدومُ له

وتشهدُ الأرضُ والتاريخ والبَشر

واسأل معي أين مَن مِن قبلنا ملكوا؟

وأين مَن هدموا؟ وأين مَن عَمَروا؟

وأين مَن صلحوا؟ وأين مَن فسدوا؟

وأين مَن جحدوا؟ وأين مَن شكروا؟

وأين من عدلوا؟ وأين من ظلموا؟

وأين من خذلوا؟ وأين من نصروا؟

وأين من حقدوا؟ وأين من حسدوا؟

وأين من كسبوا؟ وأين من خسروا؟

وأين من آمنوا بالله خالقهم

فأخلصوا دينهم؟ وأين من كفروا؟

وأين من حمدوا عطا المليك لهم

فزادهم شرفاً؟ وأين من بطروا؟

وأين من ندموا على كبائرهم؟

وأين من – بحرام الله – كم جهروا؟

وأين من أوسعوا أهل التقى شرفاً؟

وأين قوم – من الأبرار – كم سخِروا؟

وأين من حاربوا الإسلام دون حيا؟

وأين أهلُ تقىً للمصطفى انتصروا؟

وأين من نافقوا؟ وأين من صدقوا؟

وأين من فسقوا؟ وأين من قهروا؟

ابني الحبيبَ هي الدنيا وسيرتها

تُزري بجَوقـتها دوماً ، وإن كثروا

جزاك ربك خيراً ، لا تكن قنِطاً

يعيش يخطئ ما يأتي ، وما يذر

أنا وأمك كم سالت مدامعُنا

لأنك السمعُ (يا فاروق) والبصر

وفي الفؤاد جَوَىً يغتال فرحتنا

وفي الضمير – لمَا عاينته – ضجر

هذا ذراعك لو يدري فجيعتنا

لمّا يكُنْ – لعلاج القوم – يفتقر

بل قام يضرب مَن يودي بعزمتنا

ويستخفّ بأوباش – بنا – مكروا

لكنْ – شفاه إلهُ الناس – جندلنا

إذ لم يكن عُجَرٌ فيهِ ، ولا بُجَر

واليوم يلتاعُ ، لا ندري تعِلته

ومِن عُظيمته المَزاجُ معتكر

تلك التي أبتِ التطبيبَ دون هدىً

والأمرُ – بين أساة الطب – مشتهر

لكنْ علينا بلا حق لهم بخلوا

فاليأس مِن بعده التيئييس مدخر

ما زوّدونا بتشخيص يُطمئننا

بل كل لفظٍ لهم كأنه السُّمُر

هل الشفاءُ غدا حكراً على فئةٍ

لسنا نراها – مِن التطبـيب – تَعتبر؟

كأنها ألفتْ دماء مَن جُرحوا

أو قطّعوا إرباً في الحرب أو نحِروا

إن الأطباء أندى سُمعة وصُوَيً

ففي القلوب تقىً ، وفي الرؤى نظر

والله أطلعهم بحُكم مِهنتهم

على خفايا – عن الأنظار – تستتر

وخصّ أغلبهم بسِر صَنعته

في عالم الإنس ، نِعم العلم والذكر

وبعدُ أجرى – على أيديهمُ – نِعـماً

مِن الشفاء لها – بين الورى – صور

وكان أحرى بهم أن يستكينوا لهُ

ويرحموا الخلقَ في المصائب اندحروا

لا أن يُضِيفوا – إلى البلاء – فاجعة

إذ القلوب أذى البلواء تعتصر

لم ينقذونا من الوسواس حطمنا

يا ليتهم رأفوا بالحال ، أو عَذروا

سلمت (يا عمر الفاروق) ، يا ولدي

وأطربتك المُنى في العيش والبُشُر

أنينك اليوم نأسى إذ يباغتنا

كأن أحرفه – في صَعقها – سُعُـر

لو كنتُ أمتلك التطبيب جُدْتُ به

وعِشتُ أهلاً لمَن – مِن أهله – نفِروا

وعِشتُ أرحمُ مَن آهاته عظمتْ

وأصبحتْ تزعجُ المرضى ، وتنتشر

لو كان عندي – من الأموال – أوْفرُها

بذلتُها ، كي أرى (الفاروق) يبتشر

ولا التمستُ طبيباً دون مَبخلةٍ

ولم تعُقْ كَرمي الأثمانُ والأجَر

ما المالُ إن لم يكن عبداً لصاحبه؟

ما المالُ إن لم يكن يُقضَى به الوطر؟

وزاد مِن ألمى مَن ضاعفتْ شجني

وأقبلتْ كالردى – من حولها – زمر

قبّحتِ مِن أمَةٍ تختالُ في صَلف

عليك ثوبٌ عليه الوشْيُ والحِبَر

لولاه كنتِ غراباً ليس ينظره

إلا رذيلٌ غفا ، في عينه عَوَر

شمطاءُ ما احترمتْ دنياً ولا خلقاً

كلا ، وما ردّها – عن هزلها – كِبَر

سوداءُ يُبرزها المكياجُ فاحمة

وصفحة الوجه يُبدي قبحَها القتر

ما كان أجملها لو أنها اتبعتْ

هديَ الرسول ، لقلنا: هذه قمر

لكنها قبلتْ تدنيسَ فِطرتها

عمداً ، وما شدّها سمتُ الألى طهُروا

فأين سوط من (الفاروق) يَجلدُها؟

وأين دِرّته تعلو الألى فجروا؟

الدردبيسُ أتت تُزري بمِشيتها

وفي الفؤاد الهوى واللؤمُ والدَبَر

لم ترحم الأمَ (والفاروقَ) فلذتها

وهل – على وجهها – مِن رحمةٍ أثر؟

الحيزبونُ أتت ، والزيّ ينفخها

وخلف هذي خميسٌ واعدٌ دَثِر

هم الأسودُ – على أهل التقى – انطلقتْ

لكنهم قطط على الألى عَهروا

سَلتاءُ ليس بها ما يشتهي رجلٌ

لكنه الزيّ فوق العظم يزدهر

في حُلةٍ نسجتْ – مِن مالنا – علناً

سطا عليه الألى – على الورى – ظهروا

جاءت لأمّك ، والشيطانُ يُرشدُها

والصبحُ يشهدُ والآصالُ والبُكُر

ماذا وراءكِ مِن سوءٍ ومِن مِحن

وعندها – في الوغى – الهندية البُتُر؟

وأرسلتْ سُمّها في عِرض مؤمنةٍ

والنارُ مبدأها مهما زكتْ شرر

فردتِ الأم – عن نفس – مدافعة

لعل طاغية تخزى ، وتزدجر

لكنها استعْـدتِ الأوباشَ مَن سَفلوا

وهم علينا – بما قد خوّلوا – قدروا

وقيل كلُّ إلى مَن يستعين به

فقلتُ: إنا – برب الناس – ننتصر

وكنتُ آملُ أن تحيا أنوثتها

لكنّ قلب التي قد عاندتْ حجَر

وردّها اللهُ لم تبلغ مراميَها

إن المليك – على الضُلال – مقتدر

شفاك ربك (يا فاروق) ، أنت إلى

رعاية الله والشفاء مفتقر

لا تبتئسْ ، أنت في نُعمى وعافيةٍ

وسوف يأتيك ما ترجو وتنتظر

هذي (رَوان) ، اعتبرْ مما ألمّ بها

وليس عندك – مِن مُصابها – العُشر

آهاتها أحرقتْ فؤاد سامعها

والدمعُ – مِن عينيّ البُنيّة – النهر

لولا المصابُ لَمَا أنتْ بحُرقتها

ولم تضجّ – بزفراتٍ لها – الخدُر

واسأل أباها ، ودمعاً لم يضنّ به

خلف الستار – على الخدين – ينحدر

وأمها تأكلُ الأحزانُ عزمتها

لكنْ تواجه ما تلقى وتصطبر

(روانُ) لا تجزعي من محنةٍ نزلتْ

وبعدها جثمتْ مصائبٌ أخر

هذا نصيبك ، والمولى مُقدّره

إن القضاء – بأمر الله – يأتمر

والصبرُ أولى ، إذا القضاء عاجلنا

أو جاء يستبقُ الخطا ، ويبتدِر

مكلومة أنتِ ، والكلومُ غائرة

والظهْر يَدّخر البلوى ويَحتكر

وللبلاتين – في فقراته – ألق

كالعِقد تسترُه – في جيدكِ – الخمُر

غاصت كلاليبهُ – في الظهر – مُوغلة

وبالجلابيب – فوق الجلد – تختمر

أقام ظهرك – للأضياف – حفلته

وطاب – للزائرين – الأنسُ والسهر

قالوا: نقيمُ ، وهذا الظهرُ قِبلتنا

جيرانُ – بالجار – نستهدي ونفتخر

فيم التوجعُ والآهاتُ ترسلها

(روان) مردفة قولاً به هَدَر؟

يا بنت (يوسفَ) لا تأسَيْ ، كفاكِ بُكا

يؤذيكِ دمعٌ – مِن العينين – مُنهمر

بنتاه ، أهلُ التقى إمّا ابتلوا صبروا

وللمهيمن – في جنح الدجى – جأروا

وبعدُ أرجعُ للفاروق أخبره

أن المصاب – بفضل الله – مبتشر

وذي (الشرائحُ) يوماً سوف يخرجُها

مَن دسّها – في الذراع – تشتجر

وسوف تذهبُ أورامٌ شقيت بها

كذا الُثآليل والتشويه والثعر

وفي الإله احتسبْ آلامَ مُبتئس

واشكرْ جهود الآلى عليك كم سهروا

واعذر أباك على التقصير أوجده

حالٌ يسببه الطاغوتُ والتتر

لا شأن لي في الذي أحياه مِن ضنكٍ

فالشأن فيما نهى الأوغادُ ، أو أمروا

تحكّموا في حياة الناس قاطبة

كأنما الناسُ – في أعرافهم – بقر

وأخضعوهم لمَا سنوه مِن نظم

بلا مُشاورةٍ ، كأنهم حُمُر

ابني أطلتُ قصيداً كنتُ أحسبُه

مقطوعة كلّ مَا سَطرْتُ تختصر

ولم يكن بيدي طولٌ ولا قِصرٌ

مِن عندِ ربك طولُ الشِعر والقِصَر

فلا رأيناك إلا في بُلهنيَةٍ

مِن عيشةٍ مَلؤها السرورُ والسَمَر

وجُدتَ بالروح – للإسلام – هينة

إن الحريصَ – على دنياه – ينتحر

واسألْ (وصالاً) عن البلوى التي جثمتْ

أتى بها حادث مستبشعٌ عسر

فاشكر لربك لطفاً لا يُحِسُ به

إلا مريضٌ هُـنا مصابُه وعِر

واصبرْ على إبر يأتي الشفاءُ بها

هي المعافاة ، ما التجبير؟ ما الإبر؟

ودُمت للسِلم جندياً يتيهُ بهِ

على يديه يكونُ العز والظفر

وعشت تعبدُ رب الناس دون هوى

بل الكتابُ هُدىً ، والسُنة الفِكَر

فبالحنيفة تحيا العمرَ مُبتهجاً

والجاهلية كم يشقى بها العُمُر

وعشْ عزيزاً ، ولا تحفلْ بمَن قبلوا

دنية ، إنما يسمو بك الأثر

والحقْ بأهل التقى ، واركبْ سَفينتهم

واهجرْ سفائنَ مَن – في غيهم – سدروا

هذي السفائنُ إن الله مغرقها

فلا تسيرُ بها الألواحُ والدُسًر

واصدقْ حديثك ، إن الصدق منقبة

وأحرفُ الصدق – في دنيا الورى – دُرَر

واسأل مليك السما غفران ذنب أب

بدعوةٍ منك هذا الذنبُ يُغتفر

وصلّ رب على نبينا أبداً

مادام – في ذي السماء – الشمسُ والقمر

يا رب وارضَ عن الأهلين أجمعِهم

والصحب ، إنهمُ الأماجدُ الغُرر

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

قد خص بالفضل قطليجا وأيدمر

قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ وطابَ منه ومنكَ الأَصْلُ والثَّمَرُ بَحْرَانِ لو جادَ بحرٌ مِثْلَ جُودِهما بِيعَتْ بأَرْخَصَ مِنْ أَصْدَافِها الدُّرَرُ للَّهِ دَرُّكَ عِزَّ الدِّينِ…

تعليقات