امتَهنوا فما امتُهنوا! (علماء السلف كانت لهم مِهن!)

العلمُ أغلى من عطا السلطانِ

والفقهُ يرجحُ أثقلَ الأثمان

ورأيت أهلَ العلم أقوى حجة

وأجلّ في الإقناع والبرهان

فالعلمُ يرفعُ أهله بين الورى

ويُعِز مَن يسعى له بتفان

ويُقِيم شأنَ مَن استقلّ سفينة

ويُزيل ما في النفس من مَيَلان

ويردّ ما في القلب مِن داعي الهوى

ويَزيد في الإسلام والإيمان

ويُحطم الشُبَه التي تُردي الفتى

ويَزيد في الإخلاص والإحسان

ويُخلد العلمُ الصحيح رُعاته

كيلا يُروا في عالم النسيان

وثوابُ أصحاب العلوم مُضاعَفٌ

عند المليك الواحد الديان

ومكانة العلماء أسمى رتبة

مِن كل ذي مال وذي سلطان

تفنى الدراهمُ والذين بها ابتلوا

والعلمُ ليس – مدى الزمان – بفان

والبأسُ يذهبُ ، والذين تجبّروا

قطعاً ، ويبقى الوصفُ بالطغيان

وعلى الذي قلتُ الشهودُ كثيرة

بالحق ، لا بالزيف والبهتان

أما إذا كان التعلمُ مَغنماً

أو كي يُنال رضا ذوي التيجان

أو كي يُطوّع – للطواغي – جُملة

أو كي يُحرّف عن صريح معان

أو كي يزخرفَ باطلاً متوقحاً

دمغ الديار بسيئ العِصيان

أو كي يقدم – للخنا – شرعية

قد رصّعتْ بزبالة الأذهان

أو كي يكون – لمن تجبّر – خادماً

شدتْ يداه بجُملة الأرسان

فعلى العلوم من المليك سلامُهُ

وليستطلْ بالجهل كل جبان

وليسعد المتعالمون على المدى

ولينعموا بالعز كل أوان

ولتنتصرْ – للجاهلية – جوقة

صِنوان هم وأراذل الكهان

ولتعلُ راية مَن يريد ضلالة

وليسمُ أهلُ السُوء والبُطلان

إذ إن مَن يمنحْ يريدُ مقابلاً

والأمرُ مشتهرٌ بلا كتمان

ويباعُ بالدينار دينُ مَن ارتضى

عيشاً بدون شريعة القرآن

ويتوه قومٌ عن شعائر دينهم

ويَمُجّ قومٌ سُنة العدنان

ويضيع مُستفتٍ يريد أدلة

ليُعضّد الإقناعَ بالرُجْحان

ويضل قومٌ كم يحبون الهدى

لمّا ابتلوا بمُحرفٍ خوان

وكأنما هو مسرحٌ لعرائس

تغتال فيه كرامة الإنسان

أبطاله – بالدين – قد أكلوا ضحىً

وتراقصوا طرباً بعذب أغان

وخيوطه شدّتْ بأيدي مَن طغوا

وتسلحُوا بوساوس الشيطان

وعرائسٌ أضحت تؤدي دَوْرها

في ذروة الإبداع والإتقان

تأتي الذي الأسيادُ قد أمَروا به

وتفوقُ – في الترجيع – صدحَ قِيان

ولكل إيقاع تناغمُ طبلةٍ

ولكل رقص فرقة وغوان

ولكل فن أهله ودعاته

ولكل عطر جؤنة وقنان

العلم أغلى مِن تبذل مَن رضُوا

بالعيش وفق إرادة القرصان

بالفلس باعوا دينهم كي ينعموا

أتراهمُ وصلوا إلى النعمان؟

قد أتقنوا التطويع يدمغ عيشهم

وتفننوا في الكيد والعدوان

بدِلائهم أدلوا ببئر من افترى

فاستدرجوا ، والماءُ كالفيضان

حتى غدَوْا في دارنا ألعوبة

تجترّ ما تلقيه من هَذيان

والسر حاجتها لظل وظيفةٍ

حتى تجنبها رهيبَ هوان

إذ إنها لم تحترفْ من مهنةٍ

تنأى بها عن جوقة الذؤبان

مَن يشترون الدين بالمال الذي

هو جسرُهم – واللهِ – للنيران

مَن يشترون به الفتاوى عنوة

كي يذهبوا بدعائم الأركان

يغني الفتى عنهم تعلمُ مهنةٍ

تغنيه عن ذل وعن حِرمان

يغني الفتى عنهم تكسّب قوته

بيدٍ – من الأعمال – جدّ تعاني

عرقُ الجبين وكدّ يُمنى عامل

والمشيُ فوق الشوك والسَعدان

ومرارة – في العيش – تصعق مَن أبى

ذل الخضوع لعابدي الأوثان

وشقاءُ دهر والتمرغ في الضنا

وعذابُ نفس في الحميم الآني

وبقاءُ جسم تحت مِطرقة الشقا

ودماءُ قلب من عتيّ طِعان

ولقاءُ أعداء بهيجاء الوغى

بالسهم يُغرَسُ في الحَشا ، وسِنان

والموتُ أهون مِن تنازل مؤمن

عن دينه في عالم الذوَبان

باع الأئمة في المدائن ، واشتروْا

وتنقلوا في الدور والبُلدان

باعُوا البضائع ، لم يبيعوا دينهم

لم يفعلوا كالطغمة الرهبان

باعُوا التمور لمن يُفضّل أكلها

والبعضُ باع الرز بالأطنان

والبعضُ تاجر في الخِلال نقية

والبعضُ في اللولو وفي المَرجان

والبعضُ باع مِن الطعام شهيّه

ونضيجه بالمال للجوعان

والبعضُ باع حليبه لمن اشتهى

والبعضُ باع الماء للظمآن

والبعضُ باع الزيت غضاً صافياً

كالشمس إذا طلعت على الأكوان

والبعضُ – في البرقوق – تاجر قانعاً

والبعض في الدرّاق والرّمان

والبعضُ باع الخل في حانوته

ليكون – بين الناس – غيرَ مُدان

والبعضُ تاجر في العلاج وفي الدوا

والبعض باع لوازم الأكفان

والبعضُ باع – لجائع – أسماكه

والربح – بعد البيع – حقاً دان

والبعضُ تاجرَ – في المطايا – قانعاً

كيلا يبيع شريعة المنان

أضحى يُتاجر – في البهائم – عامداً

والربحُ خلف زرائب الحيوان

والبعضُ تاجرَ في الحُليّ تزخرفتْ

وتزينتْ بزمرّدٍ وجُمان

والبعضُ تاجرَ في الجواهر ، صاغها

فلها بريقُ سبائكِ العقيان

والبعضُ تاجرَ – في اللآلئ – يُتمَتْ

واستأثرتْ بمباهج الألوان

والبعضُ تاجرَ – في المزارع – أينعتْ

واستبشرتْ بالماء في الوُديان

والبعضُ باع البُرّ رغم سُمُوّه

وتراه يُثقل كِفة الميزان

والبعضُ باع القطن أبيض ناصعاً

مَن في اكتساب المال كالقطان؟

والبعضُ باع التبن طيلة عمره

حتى يرى التسمين في القطعان

والبعضُ باع الحَب طعمة داجن

لفلانةٍ في السوق ، أو لفلان

والبعضُ باع التمر يكفي أهله

جودَ الأقارب ، أو عطا الإخوان

والبعضُ نجادين عاشوا في الورى

لأرائكِ الأشراف والعِرسان

والبعضُ باع بذورَه لمُزارع

والبعض باع علائفَ الحيوان

والبعضُ سمسر كي يُحصِّل قوته

شهماً ، بلا لفٍ ولا دوران

والبعضُ تاجر – في القماش – تعففاً

عن سؤل أهل المُلك والديوان

والبعضُ خاط الثوبَ ينشدُ أجره

ولزوجه كم خاط من فستان

والبعضُ قد طحن الغِلال لراغب

ورفاقه نادَوْه بالطحّان

والبعضُ يلعب بالديوكِ ، يبيعُها

من قبل أن تشتط في الطيران

والبعضُ باع السمنَ تطلبُه النسا

ولذاك نوديَ بالفتى السمَّان

والبعضُ قصّابون دون تذمّر

واللحمُ بالأكوام في الدكان

والبعضُ خفافون في حانوتهم

وتراه – بين الناس – غيرَ مُهان

والبعضُ قد تخِذ الكتابة مَغنماً

ككتابة الأسفار والقرآن

والبعضُ ورّاقين قد عملوا ، لذا

أثرَوْا كتابة كل ذي تبيان

والبعضُ باعَ العِطر فوّاح الشذى

كالفل والكافور والرّيحان

والبعضُ سرّاجين قد عملوا ، لذا

حَذقوا صناعة سِرج كل حصان

والبعضُ في صُنع الزجاج تخصّصوا

وتفننوا في صُنع خير دِنان

من ذا يباري مثل هذي صنعة؟

أرأيت – بين الناس – كالدّنان؟

والبعضُ أبّارين قد عملوا ، فلم

يحظوا بسخرية أو استهجان

والبعضُ في نار الحِدادة أحرِقوا

وزفيرُهم – في الجوّ – بعضُ دخان

والبعضُ قد حمَلوا بأجر للورى

وكأنهم من جملة العُبدان

والبعض – بالطين المعالج – كم بنى

وذووهُ قد عرفوه بالطيّان

شاد البناءَ بطِينه وجريدِه

والسقفُ غطى عاليَ الجداران

والطينُ في يده يُعالجُ وحده

بعضَ الشقوق بشاهق البُنيان

حتى إذا فرغ استعان بخِلهِ

وصديقه المستعففِ الدهّان

خلان: هذا في البناية جهبذ

وخليله – في صبغه – مُتفان

والبعضُ باع الناسَ أنقى سُكّر

والوزنُ ما بالوزن من نقصان

والبعضُ باع الزعفرانَ مُعتقاً

وشذاه يُذهبُ وطأة الغثيان

والبعضُ باع جماله ونِياقه

والكسبُ – جُل الكسب – في البعران

والبعضُ باع الجائعين سَوِيقه

إن السَويق خميرة الأبدان

والبعضُ في صُنع السفائن شغله

والبعضُ – في الأسواق – قافلاني

والبعضُ يمّم – للصرافة – وجهه

ونصيبه – مِن ألفه – مئتان

والبعضُ قد صاغ الخواتم تزدهي

حتى تناسبَ نهمة النسوان

والبعضُ ينشد ضالة بدُرَيهم

نادى ، وأعلم غالبَ السكان

وهناك إسكافيّ قوم قد غدا

وجلودُه شُدّتْ على السِندان

وهناك مِرِّيسيُّ عقد حبله

ليكون للبعران خيرَ عنان

أو كي يجُرّ سفينة مِن بحرها

والفلكُ تهوى عاتيَ الأشطان

وهناك صفار كأن قدورَه

ذهبٌ يرصّعُه سنا العِقيان

وهناك صانعُ مفرش وطنافس

مَن ذا يُقدِّر صنعة البُوراني

وهناك طبّاعٌ يُحِدّ سُيوفه

ورماحُه قد زوّدتْ بسنان

وهناك كحّالٌ يُعالجُ مُرمِداً

ما المرء إما غارت العينان؟

وهناك سِمسار توسّط باذلاً

كل الجهود وجَذوة العِرفان

ويريد للكل المكاسبَ جمّة

كيلا يبوءَ البيعُ بالخسران

علماؤنا جعلوا العلومَ رسالة

لا حيلة للكسب والنعمان

علماؤنا لرضا المليك تعلموا

وتفقهوا فيهِ لنيل جنان

علماؤنا لمَّا يبيعوا دينهم

إذ بيعُه صدقاً من الكفران

علماؤنا عزوا بأعمال لهم

أغنتهُمُ عن قهر ذي السلطان

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات