المروءة!

ضلّ الطريقَ إلى المروءة السفلُ

ومعظمُ البُلهِ – بالخذلان – قد شُغِلوا

دأبُ الرجال له ناسٌ تتيهُ به

وبالأماجد – دوماً – يُضرَب المَثل

وسَمتهم شامخ كالطود ضاق به

وادٍ من الرمل قد أودى به الجبل

وجُودُهم – في البرايا – لا حدود له

وليس نذلُ – لهذا الجود – يَحتمل

أهلُ المروءة – بالعطاء – قد عُرفوا

والناسُ تعرفُ ما قالوا وما فعلوا

فللمروءة أبطالٌ تسودُ بهم

هل يستوي النذلُ في القياس والبطل؟

جلتْ عن الذكر أوصافٌ بها اتصفوا

لا يعتلي صهوة المروءة السفل

تُجلّ قوماً – عن السوآى – مروءتُهم

وبالأراذل أودى الشُّحُ والزلل

هي المروءة تُعلي شأن مَن عصموا

عن الدنايا نفوساً زادُها العمل

لم يغدِروا قط ، إن الغدرَ مَخبثةٌ

بل استقاموا على الوفاء واعتدلوا

لا يكذبون ، فبئس الكِذبُ مَنقصةً

وليس يسعى به إلا من ارتذلوا

لا يُخلفون وعوداً في استطاعتهم

لا يُخلف الوعدَ مَن بالخير يشتغل

لا يقطعون عُرى الأرحام تحسَبُهم

بكل قُربى لهم رغم الجفا اتصلوا

لا يبلخون بأموال ، ولو كثرتْ

والبُخلُ مُهلِكُ مَن ضنوا ومَن بخلوا

لا يخدعون مخاليقاً تُعاملنا

دمارٌ الغشُ والخِداعُ والختل

لا يقبلون بضيم يستهين بهم

إن الذي يقبلُ الهوانَ مُختبل

لا يرعوون لبطاش لسطوته

فالخوفُ طابعُ مَن في غيّهم هزلوا

لا يستغلون مَن قد استجار بهم

ولا يُذِلون مَن – نوالهم – سألوا

ولا يُطيعون في عِصيان خالقهم

فليس هذا الذي جاءت به الرُّسل

ولا يُطيقون – للجبار – معصيةً

وإن عصَوْا رجعوا والطاعة امتثلوا

ولا يُضِلون خلق الله في شُبَهٍ

فهؤلاء بتقوى الله قد عملوا

ولا يُقِرّون – بالأهواء – مبتدعاً

بل كل مبتدع – في التو – يُعتزل

ولا يمنون إن أعطوْا ذوي عوز

فالمنّ ديدنُ مَن عن ربهم غفلوا

ولا ينالون مِن شَهم يُسالمُهم

نيلاً لكيلا يُقال: الشمّ قد سَفلوا

وليس يفتِك بالضعاف سادتهم

إن الغطاريف بالحقوق ما جهلوا

ولا يُغازل شهمٌ منهمُ امرأة

إن المروءة يُردي عزها الغزل

وجُلهم آمرٌ بالعُرفِ حارسُه

لأن سادتهم – مِن نوره – نهلوا

ويُنكرون الذي يروْن مِن ضلل

والأرضُ تُفسدُها الأهواءُ والضلل

أهلُ المروءة ليس المالُ يشغلهم

عن دَوْرهم ، فالغِنى وضده دُول

وفي الحياة لهم رسالة عظُمتْ

مهما تعددتِ الغاياتُ والسبل

والناسُ تعرفُ أقداراً تليقُ بهم

إذ المغاويرُ مِن بين الورى مُثل

ولا يقولون: عِشْ نذلاً تمُتْ ملِكا

لأنه قولُ مَن – بدينهم – عدلوا

إذِ النذالة تُردي مَن يعيشُ لها

والنذلُ بين كِرام الناس يُبتذل

في كل موقفِ بَذلٍ يعتريه لظىً

وقلبُه بسعير الغيظ يَشتعل

وإن توسّم خيراً فيه ذو عَوَز

وراحَ يسأله شيئاً ويبتهل

يظنه سوف يُعطيه ويشمَله

بعطفه ، وبه في الناس يحتفل

لكنما النذلُ لم يفتحْ خزائنه

ولم يُعِر سمعَه ، بل راحَ ينفعل

وظل يُوردُ مِن سِبابه حُمماً

قد كان جهزها ، فليس يرتجل

هذي النذالة ، والسوآى طبيعتها

وإن تقِمْ حُجةٌ ، فعندها الحِيَل

ولا ترى النذلَ – في أفعاله – رجلاً

لا يستوي النذلُ في الأفعال والرجل

أما المروءة فالرجالُ سادتها

حازوا الكرامة والأمجادَ قد حصلوا

فاسأل عن الفخر قد نالوا ذوابته

وفي مروءتهم يُغرّدُ الأمل

همُ الظلالُ لمن شط الهجيرُ به

والقيظ تُكبحُه الأنسامُ والظُّلل

همُ العطاءُ لمن أزته حاجته

ولا تؤخرُهم – عن العطا – عِلل

همُ المرافي لمن هاج الخِضَمّ به

فلا يهدّدُه بردٌ ولا بلل

همُ الضياءُ لسار في غياهبه

في كل كفٍ لمن يأوي لهم شُعل

همُ الدليلُ لمَن ضلتْ مقاصدُه

صِيدٌ إذا سكنوا الديار ، أو رحلوا

همُ غوثُ مَن في الرزايا يستغيثُ بهم

ويُنفقون إذا – في شدةٍ – سُئلوا

همُ المُشيرون إن ساقوا مَشورتهم

وليس – في قولهم – هزلٌ ولا دغل

والناصحون لمن يرجو نصيحتهم

والصابرون ، فلا ضِيقٌ ولا مَلل

والمخلصون ، فما للصيتِ قد نصبوا

لكنْ لجنة رب الناس قد عملوا

والتائبون مِن الذنوب أجمعِها

كأنهم من خطايا النفس قد غُسلوا

والمخبتون لرب ليس يخذلهم

لو أنهم – مِن جميع الخلق قد خُذلوا

والعالِمون بما في الشرع من خُلق

فليس تخدعُهم في العيشة النِحَل

والساترون عُيوبَ الخلق في ورع

أراهمُ السترَ فوق الناس ينسدل؟

والرافعون لواءَ الحق في شرفٍ

والرزقُ عند مليك الناس والأجل

والطيبون سرتْ في الناس طِيبتهم

وللقلوب – بحب البذل – قد وصلوا

والسالكون سبيلَ الحق مُذ خلقوا

والمُنصفون إذا ما حُكّموا عدلوا

والمهتدون بهدي الله ، أسوتهم

محمدُ الحق ، والصحابة الأوَل

والكافلون يتيماً غاب كافله

فبارك اللهُ مسعاهم ومَن كفلوا

والصاعِدون إلى رضوان خالقهم

وغيرُهم لحضيض التيه قد نزلوا

فبالمروءة كل الناس تغبطهم

وليس يَمقتهم إلا مَن اختبلوا

وبالمروءة قد سارت سفينتهم

وأمرُهم من جميع الناس مُمتثل

وبالمروءة سادوا الناسَ قاطبةً

فخالطوهم ، وما عابوا ، ولا اعتزلوا

وبالمروءة مِن أهوائهم خلصوا

ولم يُعِقْ سَيرهم إلى الهُدى كسل

أما الأراذلُ فالدنيا قبالتهم

وحلْقة الوصل للدنيا هي المَيَل

ففي قلوبهمُ أهواؤهم سكنتْ

لذاك قادَهمُ – للخيبة – الفشل

وفي الضمائر حُبُ الذات قد زُرعتْ

جُذوره ، وازدهى مِن حوله الخطل

ولا حياءَ مِن السوآى بها اتصفوا

ولم يعُد – مِن أذى – تقتيرهم خجل

باعوا المروءة والإحساسَ دون حيا

وليس يَقبلُ ما باعوا الألى عقلوا

وزايلوا عِفة كانت سترفعُهم

وبعدُ – في طينة النذالة – انجدلوا

ودافعوا – ويحهم – عن كل منقصةٍ

والعُدة الكِذبُ ، والتزويرُ ، والجدل

واستحسنوا باطلاً له دهاقنة

وفي صدورهمُ الضلالُ يعتمل

دمُ النذالة يجري في مشاعرهم

وما لهم من دُجى فِعالهم وجل

إنا لنحمَدُ مولانا وخالقنا

أنْ لم نكنْ لحظة مِن الألى سفلوا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات