المرثية السماحية في رثاء والدتي!

خبَرٌ أراه – مِن البلية – أكبرا

والدمعُ – فوق الخدّ – منه تحدّرا

والقلبُ أدركه الخشوعُ ، وردّه

للحق حتى يستكين ، ويصبرا

والنفس لاكت ما تُصارعُ مِن أسىً

والخاطرُ المُلتاعُ قد طرح المِرا

واستيقن العقلُ الأمورَ ، ولم يكنْ

فيما يُعاينُ ذاهلاً مُتحيّرا

والروحُ للمقدور – بعدُ – استسلمتْ

واللهُ ألهمها بأن تستغفرا

أرواحُنا هذي ودائعُ عندنا

ونردّها يوماً لمن هو قد برا

كانت – مدى الأيام – سِر حياتنا

وإذا تفارق يلحقُ الموتُ الورى

كتبَ المليكُ – على الخلائق – موتهم

وبه يبيد الله مَن كان افترى

جَل المهيمن ، ليس يبقى غيرُه

خاب الذي فيما أقول به امترى

أمّاه فارقتِ الحياة رضيّة

لمّا انتهى الأجلُ الرقيمُ ، وأدبرا

أسلمتِ روحَكِ للذي رفع السما

والناسُ باتوا – في عزائكِ – حُضرا

ونطقتِ فيهم بالشهادة جهرة

والكل أكبرَ ما أتيتِ ، وكَبّرا

ومِن المنيّة ما جزعتِ لحيظة

والوجهُ مثل الصبح ، إمّا أسفرا

وعلتْ جبينكِ – في المُصاب – سكينة

كانت أجلّ – مِن الصفاء – وأطهرا

وبكى الحضورُ على الكريمة ودّعتْ

والدمعُ – فوق خدود من فجعوا – جرى

وأنا انتحبتُ ، وهزني ألمُ الجَوى

ورجعتُ – مِن وخز العذاب – القهقرى

والقلبُ حولق ، ثم حوقل راضياً

والنفسُ أرسلتِ البكاءَ مُقنطرا

ما أنتِ يا أماه أول مَن قضتْ

مِن بعد أن يفعتْ ، وشبّت مُعصِرا

وأراك لستِ كذاك آخرَ مَن قضتْ

فالموتُ يُحصي المرءَ مهما عُمّرا

أمّاه آذتكِ الدغاولُ جَمّة

والعائداتُ الهُوجُ أذهبتِ الكرى

وجراحَة تأتي ، وأخرى تنقضي

وغدا البلاءُ – عليكِ – سيفاً مُشْهرا

والجسمُ يجترّ العذابَ مُتلتلاً

وسِنيُّ عمركِ تستخفّ بما ترى

والطب أمسى – مِن سِقامكِ – نافضاً

كفيْ حُنين ، والعلاجُ تعذرا

أجرٌ وعافية وعاجلُ مِحنةٍ

تمحو الذنوبَ أتيتِها والمُنكرا

فإذا التي كانت تروحُ وتغتدي

وتجوبُ – سيراً – كلّ أصقاع القرى

وإذا التي كانت تبيعُ وتشتري

وتصارعُ الدنيا كآساد الشَرى

وإذا التي لم تشْكُ أدنى عِلةٍ

يوماً ، ولا مرضاً تأصّل واعترى

وإذا التي لم تشْكُ وعياً غائباً

كلا ، ولا خرَفاً يُلقِنها الهُرا

وإذا التي كانت تصَبّر غيرَها

وتساعدُ الهلكى ، وتعطي القُصّرا

وإذا التي كانت تشجّع قومَها

حتى تراهم – بالمبادئ – في الذرى

أمستْ على الكُرسيّ يقهرُها الأسى

وشبابُها الوسنانُ عنها أدبرا

ومضتْ كذلك قوّة وفتوّة

والضعفُ – عن ساق الكُهولة – شمّرا

وأنا بعيدٌ عنكِ ليس برغبتي

واللهُ يشهد ، لا جدالَ ولا مِرا

وتُركْتِ – عند الخاذلين – وديعة

مِن كل مُنتكس يُباعُ ويُشترى

تعسَ الذي من أجل زوجته يعـ

ـنفُ أمّه ، أولى به أن يُزدرى

والكأسُ دائرة ، سيشربُها غداً

وانظرْ لغيرك ما أتاه وما جرى

أماه لم تتحملي أعتى البَلا

أعنى رحيل أب غدا تحت الثرى

أقنعتِ نفسَكِ أن قلبكِ ثابتٌ

والنفسُ تقبل ما المهيمنُ قدّرا

حتى لحقتِ به بدون تردّدٍ

أنى لمثلك – بعده – أن تصبرا

أكملتما مِشوارَ عيش لاعج

فغدا ببذلكما أجلّ وأنضرا

وتفيأ الأبناءُ ظِلّ أبوةٍ

وأمومةٍ كانت أعز وأطهرا

فالبعضُ حاز – مِن النجابة – أصلها

فهو الجديرُ بمَجده أن يُذكرا

والبعضُ ما قبلتْ عزائمُه العُلا

فأبى المناقبَ والهُدى ، فتقهقرا

والذنبُ ليس إليكما ، لكنه

لجميل ما في الوالدين تنكرا

أمّاه شِعري ثاوياً سَطرْته

بشذى المحبة والوفاء مُحَبّرا

مرثية زهراءُ تختصرُ المَدى

وتفوقُ – في الحَبكِ الرصين – الجوهرا

وبذلتُ – في تجميلها – ما اسطعته

لتبيت – للناعِين – بدراً نيرا

فتقبليها ، واعذري مَن صاغها

إن الرحيل – إلى الديار – تعذرا

هو نادمٌ ومُفرط ومُقصرٌ

لولا الطغاة تغلبوا ما قصرا

رباه فارحم (أم أحمد) رحمة

ما أشرقت شمس على كل القرى

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات