القصر المهجور!

أما أتاكَ – كما أتانيَ – الخبرُ؟

أما رثيتَ لليل ما به (قمرُ)؟

أما فزعتَ لمن باتت مُودّعة

يبكي – عليها – البناءُ الصرحُ والشجر؟

أما ذرفتَ دموعَ العين يصحبُها

أنينُ قلب – مِن الآلام – ينفطر؟

أما أسفتَ لمَا عاينت مِن نبأ

يأسى الفؤادُ له ، والسمعُ والبصر؟

أما اعتبرتَ بما أتى القضاءُ به

إنْ كنت حقاً – بما تلقاه – تعتبر؟

اما اتعظت مِن الآجال قد رُصِدتْ

إذ خطها عنده – في اللوح – (مقتدر)؟

أما تأملت في الأقدار ماضية

وليس ينفعُ إذ حلت بنا حذر؟

أما تمعّنت في الأحداث جارية

وليس – منها – إذا حل القضا وَزر؟

أما نظرت إلى الدنيا وزخرفها؟

أم اكتأبْت ، فلا فكرٌ ولا نظر؟

أما تفرست في الأعمار ، نحن لها

أسرى فطفلٌ قضى ، والشيخ ينتظر؟

أما تذكرت كيف الموتُ يحصدُنا

قسراً ، إذا ما انتهى لتوّه العُمُر؟

يا قصرُ: أين الألى شادوا ممالكهم

دهراً ، وكانت لهم – بين الورى – سِيَر؟

وأين مَن بطشوا بدون مرحمةٍ

بل استبدّوا ، وبالطغيان كم جهروا؟

وأين مَن أوقدوا النيرانَ ساعِرة

ليحرقوا الخلق؟ بئس الجندُ والنفر

وأين مَن دمَّروا العمرانَ في وضَح

وبالمناشير كم شقوا ، وكم نشروا؟

وأين قومٌ – على أبشارهم – ضُربوا

وأين جندٌ – على آلامهم – سهروا؟

وأين مَن أحرقوا – عمداً – رعيّتهم

ببعض قول ، لأن الأمر ما أمروا؟

وأين مَن حكّموا القانون تحسبُهم

يتابعون – بهذا الفعل – مَن كفروا؟

وأين مَن كتبوا الأشعار فاجرة؟

فبئس ما قصّدوا وبئس ما نثروا

وأين مَن هزلوا في العيش دون حيا؟

وأين مَن أسرفوا؟ وأين مَن فجروا؟

وأين مَن قمعوا الشعوب قاطبة؟

وأين مَن – بعِباد الله – كم مكروا؟

وأين مَن ملكوا الدنيا وزينتها

وللمليك – على النعماء – ما شكروا؟

وأين مَن خذلوا الإسلامَ في وضح

وفي الشعائر والشرائع اتجَروا؟

وأين مَن سفكوا الدماء هينة

كأنما أهلها – يا خجلتي – بقر؟

وأين مَن ظلموا؟ وأين مَن جحدوا؟

وأين قوم – مِن الآيات – ما اعتبروا؟

وأين مَن عدلوا في الحكم ، واحترموا

دين المليك ، فما خانوا وما غدروا؟

وأين مَن أخلصوا لله دينهمُ

وبالكرامة والتقوى لقد ظفِروا؟

وأين من بذلوا الأرواحَ ما بخلوا

وأمرُ حِسبتهم – في الناس – مُشتهر؟

وأين مَن جعلوا النجاة مطمحَهم

لذلك اجتهدوا في الخير واصطبروا؟

وأين قومٌ – على التقوى – معيشتهم

ثم ارتضوْها لهُمُ نهجاً ، فما بطِروا؟

وأين مَن كانت الطاعات موئلهم

فلم تمِلهم عن العظائم الغِيَر؟

أتى الجميعَ حِمامُ الموت ممتثلاً

أمرَ المهيمن لمّا ضجّتِ النذر

يا قصرُ ، أين التي شادتك باسطة

كف السخاء ، لها – في بذلها – وطر؟

تريد قصراً كإيوان تدِلّ به

تزجي البريقَ – على أسواره – الدُرَر

مثل الورود زهتْ تيهاً زخارفه

وزادَه ألقاً – للناظر – الحجر

إذ رصّعته بأحجار مُطهمةٍ

مثل العقيق عليه الوشْيُ والحِبَر

واستأجرتْ مَن سما بحُسن رَونقه

ولم تعقْ عزمَها الأثمانُ والأجر

وأجْرَتِ الماءَ في شتى جوانبه

وبعدَ لأي جرى – مِن تحته – نهَر

وتوّجته بإكليل وروزنةٍ

وبالنتوءات تُبدي حُسنها الحُفر

وبالزروع تحليهِ ، وتُتحفهُ

تُدلي الخمائلَ ، يزهو تحتها الثمر

وبالمصابيح والأنوار تغمرُها

كأنها – في سنا إشراقها – السحَر

وجمّلته بأصباغ بهارجُها

تسبي العقولَ ، بها الأشكالُ والصور

حتى إذا تم ما ترجوه مِن أمل

وأصبح القصرُ – بالياقوت – يأتزر

وقبل عيدٍ ، ثوتْ – في القبر – صائمة

وجاءتِ البيت – مِن أحبابها – زُمَر

يودّعون التي كانت تدللهم

والكل يسأل: ما الأحوال؟ ما الخبر؟

وللنحيب جوىً يكوي ، وهينمة

وصدمة – مِن لظى المصاب – تستعر

وللدموع أخاديدٌ تفيضُ بها

إصر البليّة تهمي ، ثم تنحدر

والحزنُ نابَ عن الثبات يوم أبى

وليس يُبقِي الأسى بأساً ، ولا يذر

والطيبون بكَوْا رحيلَ طيبةٍ

بالليل توصي ، وعند الفجر تحتضر

سَحّوا الدموعَ ، ولم ترقأ محاجرُهم

فالدمعُ أغرقَ مَن غابوا ومَن حضروا

سُقيا لعهدكِ يا بدراً أضاء لهم

وما ظلامُ الدجى إذ أسفرَ (القمر)؟

رمى بكِ البينُ في الأجداث مُسْلمة

لله نفساً قضتْ ، فما لها أثر

يا قصرُ ، فابكِ عليها كلما ذكِرَتْ

إذ – في حكايتها للكل – مزدجر

واذكرْ لها صيتها وطِيبَ سُمعتها

إذ لم يكن عُجَرٌ فيها ولا بُجَر

نعم ، لقد رحلتْ ، فلن تعودَ لنا

يوماً ، ويبقى لها إحسانها العطر

ليرحم اللهُ مَن كانت توحّده

وإنْ أتت خطأ – في التو – تعتذر

والليلُ يشهدُ ، والأسْحارُ شاهدة

والصبحُ يشهدُ ، والآصالُ والبُكُر

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

قد خص بالفضل قطليجا وأيدمر

قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ وطابَ منه ومنكَ الأَصْلُ والثَّمَرُ بَحْرَانِ لو جادَ بحرٌ مِثْلَ جُودِهما بِيعَتْ بأَرْخَصَ مِنْ أَصْدَافِها الدُّرَرُ للَّهِ دَرُّكَ عِزَّ الدِّينِ…

تعليقات